لبنان

حزب الله.. من الدفاع إلى الهجوم!

كتب عماد مرمل في الجمهورية: 

يبدو واضحاً أنّ قيادة حزب الله اتخذت قراراً بالانتقال في معركتها السياسية ـ الإعلامية من الدفاع إلى الهجوم، مع الحرص على تحييد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون عنه.. فما دوافع هذا الهجوم وأهدافه؟

بعد فترة من الانشغال بإعادة ترميم قدراته وترتيب هيكله التنظيمي عقب الحرب الإسرائيلية الأخيرة، قرّر حزب الله أن يستعيد المبادرة الداخلية ويصحح بعض «الأخطاء الشائعة» التي سرت في الآونة الأخيرة حول حقيقة وضعه وتموضعه.

في البداية، لم يُعر الحزب اهتماماً للحملة التي كان يتعرّض لها من خصومه تحت شعار وجوب نزع سلاحه، مفضّلاً تكريس أولويته لاستعادة العافية ومداواة جراح البيئة الحاضنة، الّا انّه ما لبث أن شعر بأنّ الحملة آخذة في التصاعد، ومن شأن عدم الردّ عليها أن يكرّس انطباعات مغلوطة حول مصير السلاح، وأن يُفاقم الاحتقان في صفوف مناصريه الذين كاد جزء منهم يصدّق للحظة، تحت تأثير الضخ الآحادي الجانب، أن الحزب وافق على التخلّي عن قوته العسكرية.

من هنا، صمّم الحزب على أن يتحرّر من بعض الضوابط الطوعية التي كان قد وضعها لنفسه في المرحلة السابقة، وأن يشنّ هجوماً مضاداً بدأ مع القياديين محمود قماطي ووفيق صفا، وتوجّه الأمين العام الشيخ نعيم قاسم بخطابه الأخير المرتفع السقف، وذلك بقصد إيصال رسالة واضحة إلى الخصوم والمحبين والدولة على حدّ سواء، مفادها أنّ نزع السلاح مرفوض وممنوع مهما كان الثمن.

وإذا كان الحزب قد اختار التصويب العلني والصريح على «القوات اللبنانية» رداً على تصعيدها ضدّه، الّا أنّه يبدو حريصاً في الوقت نفسه على مسألتين، الأولى عدم الخلط بين «القوات» والمسيحيين، ولعلّ زيارة وفد من الحزب للبطريرك الماروني بشارة الراعي في المستشفى للاطمئنان إلى صحته حملت دلالة مهمّة في هذا السياق.

أما المسألة الثانية التي يوليها الحزب أهمية أيضاً، فتتمثل في تحييد الرئيس جوزاف عون، على قاعدة ملاقاة إشاراته الايجابية بإيجابية مماثلة من جهة، واستيعاب أي تمايز او تباين يمكن أن يحصل معه من جهة أخرى.

وبهذا المعنى، تركت المواقف الأخيرة التي أطلقها عون من بكركي في أول أيام عيد الفصح ارتياحاً في أوساط الحزب، خصوصاً لناحية رفضه البحث في مستقبل السلاح عبر الإعلام و»السوشيل ميديا»، او تحت وطأة الضغوط والمهل الزمنية، وتمسكه بالحوار والتفاهم لمعالجة هذا الملف حين توافر الظروف الملائمة.

بناءً عليه، يعتبر الحزب أنّ هناك أرضية مشتركة مع رئيس الجمهورية يمكن البناء عليها، والانطلاق منها في أي حوار ثنائي مستقبلي حول الاستراتيجية الدفاعية بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من الأماكن التي لا تزال تحتلها في الجنوب ووقف اعتداءاتها على الأراضي اللبنانية.

يعرف الحزب بطبيعة الحال أنّ هناك قوى في الداخل والخارج تتمنى وقوع مواجهة مباشرة بينه وبين عون، بما يمثله ويرمز إليه كرئيس للجمهورية، وذلك من أجل إطباق الحصار على المقاومة ونزع آخر أوراق مشروعيتها.

ولذا، يؤكّد العارفون أنّ الحزب مصمم على تفادي الانزلاق إلى فخ هذه المواجهة، خصوصاً أنّه يعلم أنّ من بين متطلبات تعطيل زخم المشروع الكبير الذي يستهدفه، بناء علاقة جيدة بالرئيس تحت سقف تحقيق التفاهم حيث أمكن، وتنظيم الخلاف حيث يتعذّر الاتفاق.

ويلفت المطلعون إلى أنّ حزب الله منفتح جدّياً على بدء النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية في الظرف المناسب، غير أنّ هذا شيء وسحب السلاح شيء آخر. ويشدّد هؤلاء على أنّ السلاح أصبح له الطابع الوجودي بالنسبة إلى الحزب في ظل التهديدات الاستراتيجية المحيطة، وبالتالي هناك انطباع لدى القريبين منه بأنّ الهدف من نزع سلاحه ليس حصره في الدولة، وإنما استهداف مجمل الحضور الذي صنعه الحزب خلال العقود الأخيرة على المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية والشعبية.

ويتساءل أصحاب هذا الرأي: هل هناك بين المتحمسين لنزع السلاح من يملك أجوبة على تساؤلات اليوم التالي ومن ضمنها:

ـ هل سيتمّ تسليح الجيش اللبناني بعتاد نوعي ومتطور يسمح له بحماية البلد والشعب؟

ـ هل سيتوقف الكيان الإسرائيلي عن خرق السيادة اللبنانية وشن الاعتداءات؟

– هل سيتمّ الانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة؟

ـ هل ستتخلّى «إسرائيل» عن أطماعها التاريخية المعروفة في لبنان؟

ـ وهل ستفرض على السلطة اللبنانية ترتيبات أمنية وسياسية تتناسب مع مصالحها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى