بلديات جبل لبنان: استفتاء القوات لبيئتها الحاضنة

كتبت رلى ابراهيم في الأخبار:
تنطلق معركة البلديات في لبنان بعد تأخير ثلاث سنوات عن موعد الاستحقاق الأصلي أي في عام 2022، وفقاً لقانون للبلديات يحتاج إصلاحاً جذرياً لناحية انتخاب المواطنين في أماكن إقامتهم ومنع رئيس البلدية من الترشح لولاية ثانية أو ولايات حفاظاً على الديناميكية التغييرية. فالواقع أن فرص التغيير أو التنافس منعدمة في بعض القرى الكبيرة التي يحكمها أباطرة منذ عشرات السنوات ويتفوقون فيها بالنفوذ والخدمات والدعم الحزبي العابر للسياسة، حتى أن بعضهم بات يعتبر البلدية ملكاً خاصاً أو إرثاً عائلياً، خصوصاً في المتن الشمالي وبعبدا.
والمعركة البلدية في جبل لبنان تُخاض يوم غد على مستوى المجالس البلدية تمهيداً للمعركة الأكبر وهي اتحاد البلديات. وكما إن التحدي في الجنوب والضاحية والبقاع إثبات أن البيئة لا تزال حاضنة لحزب الله، ثمة تحدٍّ أمام القوات لإثبات توسعها شعبياً ترجمة لما تسميه «انتصاراً» عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان، عبر فرض سيطرة كاملة على البلدات الأساسية ثم اتحادات البلديات.
جبيل: سعيد والتيار vs القوات
حتى الساعة، لا يبدو أن ميزان المعارك «يطبش» صوب القوات: في المتن الشمالي، تدور معركة الاتحاد بين حزب الكتائب وآل المر ولا وجود لأي وزن قواتي، وفي كسروان يتحكم النائب نعمت افرام برئاسة الاتحاد. أما في جبيل، فحاولت معراب خوض معركة في وجه الرئيس الحالي فادي مارتينوس قبل أن تكتشف ضعفها، فترفع الرايات البيضاء لتسقط شعار الفوز بالاتحاد معلنة تأييدها لمارتينوس الذي هو أقرب إلى التيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية جوزيف عون. هذه الإستراتيجية اعتمدتها القوات في أماكن عدة رأت فيها عدم قدرة على الفوز. ومن الاتحاد إلى قلب مدينة جبيل حيث يحسم النائب زياد حواط عادة المعركة باكراً ويفرض رئيساً ذا توجهات حزبية واضحة.
لكنه أدرك هذه المرة أن رصيده لم يعد يكفي رغم حضوره وحيداً في المدينة، فاستقدم أحد المرشحين لرئاسة لائحة «جبيل أحلى» وهو جوزيف الشامي الذي لم يكن يوماً قواتياً، بل كتلاوي الهوى، ما تسبب في مشكلة ضمنية مع القوات. إنما الجديد أن خصوم القوات لم يقدموا لها فوزاً سهلاً، بل اختاروا المواجهة تحت عنوان «تسجيل رقم لإثبات وجودهم هناك حتى لا يخرج الحواط في اليوم التالي ليعلن أن جبيل له أو أنها للقوات حصراً دون غيرهم».
فشكّلوا لائحة «القرار الجبيلي» الشبابية وتضم لويس قرداحي ابن الوزير السابق جان لوي قرداحي تدعمها العائلات والتيار. أما المفاجأة الأكبر، فتكمن في خوض القوات والنائب السابق فارس سعيد معارك حادة في كل البلدات، وهو أمر لم يكن يوماً بهذا الوضوح، مقابل تحالف للمرة الأولى بين سعيد والتيار يترجم لاحقاً في الانتخابات النيابية. وتبرز بلدة العاقورة كساحة النزاع الأبرز بين القوات في وجه سعيد والتيار وآل الهاشم. في حين أن قرطبا هي البلدة الوحيدة التي لا يتحالف فيها العونيون وسعيد جراء عدم قدرة التيار عن التراجع عن الكلمة التي أعطاها لرئيس البلدية الحالي الذي هو أيضاً رئيس الاتحاد، أي مارتينوس، في حين أن سعيد يدعم لائحة في وجههما بالتحالف مع عائلة كرم.
كسروان: التيار وحيداً ضد القوى السياسية
كان يمكن لكسروان تجنّب المعارك البلدية الضارية التي لا يرغب فيها أي طرف لولا رفض جعجع مبادرة النائب نعمت افرام لتشكيل لائحة توافقية تضم التيار من ضمن ائتلاف واسع يشمل كل الأفرقاء في جونية. وسوء إدارة جعجع للمعركة جعلته أسير تحالف الخماسي مع افرام والنائب السابق منصور البون والنائب فريد الخازن وحزب الكتائب منقلياً على كل عناوين التغيير والنضال ضد الإقطاع التي حملتها القوات منذ نشأتها.
المعركة الأبرز في المتن هي معركة اتحاد البلديات لما يشكله الاتحاد من وزن سياسي وخدماتي وتحكم في مفاصل البلديات الأساسية البالغ عددها 34 بلدية، ويخوضها الكتائب مرشحاً شقيقة النائب سامي الجميل، نيكول، إلى رئاسة الاتحاد في وجه ميرنا المر رئيسة الاتحاد الحالية والتي تشغل هذا المنصب منذ عام 1998. والطرفان يطمحان للفوز بالاتحاد عبر اكتساب دعم رؤساء البلديات الكبرى، لا سيما ساحل المتن، الذين يوالون بغالبيتهم آل المر لا لشيء سوى أن عرّابهم الأساسي وباني زعاماتهم البلدية هو النائب الراحل ميشال المر، والد ميرنا.
وقد تمكّن بعضهم ممن تخطت ولاياتهم الـ20 عاماً من الفوز بالتزكية عبر توافق كل الأحزاب عليهم كسن الفيل والدكوانة وبشبه تزكية كالزلقا، في حين أن القدرة على تغيير زميلهم رئيس بلدية أنطلياس إيلي أبو جودة محدودة رغم ارتكابه مخالفات كبيرة. فالأخير مدعوم من الكتائب والطاشناق وقد تمكّن من استمالة التيار الوطني الحر بعد انسحاب التيار من تحالفه مع المرشح الخصم جورج أبو جودة إثر تراجعه عن اتفاق بإعطاء العونيين 6 أعضاء في المجلس وعرضه عليهم 4 أعضاء مشترطاً المشاركة في تسميتهم. وثمة من يربط بين هذا الانقلاب المفاجئ ودور للقوات التي تدعم هذه اللائحة.
واللافت أنه وفيما تستخدم الكتائب كل أصوات حزب القوات في المعركة البلدية في المتن وتحظى بدعم الحزب، لا يقابل الكتائبيون القوات بالمثل. ففي أنطلياس مثلاً تدعم الكتائب لائحة الرئيس الحالي ضد اللائحة المدعومة من القوات. والأمر نفسه في بسكنتا حيث توافق التيار والقوات على المرشح طوني الهراوي بينما كانت الكتائب في صف المرشح طانيوس غانم، إنما لم تبصر لائحته النور. على المقلب الآخر، فتح تحالف التيار- آل المر آفاقاً جديدة للعونيين لربح بلديات إضافية مما كان عليه الوضع في عام 2016. وهو التحالف الأول مع الوزير السابق الياس المر.
بعبدا ربح القوات السياسي لا يؤكلها خبزاً
لم يترجم الربح القواتي المزعوم سياسياً عقب الحرب الإسرائيلية على لبنان، تأييداً واسعاً في قرى بعبدا، لا سيما تلك التي تحظى منها برمزية خاصة كالحدت والشياح وفرن الشباك. ففي الحدت معركة حادة بين التيار الوطني الحر عبر رئيس البلدية الحالي جورج عون في وجه لائحة برئاسة عضو البلدية عبدو شرفان مدعوماً من الكتائب والنائب المستقيل من التيار آلان عون، والقوات بخجل. وفي الشياح لم تتمكن القوات من تغيير رئيس البلدية ادمون غاريوس الذي فاز بالتزكية في ذروة انتصار سمير جعجع. وفي فرن الشباك يرشح رئيس البلدية ريمون سمعان غير الحزبي نجله بعد سيطرته على البلدية منذ عام 1998. وفي بعبدا، لم تجد القوات سوى رئيس البلدية هنري كاراميلو الحلو لتدعمه رغم أن ولايته اتسمت بالمشكلات التي أدت إلى استقالة المجلس البلدي وبالتالي إقالته، ضد لائحة برئاسة قواتي معلقة عضويته هو سامي معماري و أخرى برئاسة هنري ميشال الحلو مدعومة من العائلات والتيار. أما التوتر الأكبر، فتشهده بلدة حارة حريك التي يتفق فيها عادة التيار مع حزب الله وحركة أمل على مجلس يرأسه مسيحي ونائبه شيعي وفيه 10 أعضاء شيعة و8 مسيحيين. هذا العام قرر النائب آلان عون الذي عادة ما ينجز هذا الاتفاق، غداة خلافه مع التيار، دعم لائحة القوات ضد الثنائي والتيار لكسر خاله ميشال عون في بلدته وحزب الله في إحدى البلدات الأساسية.
برغوت ينسحب من المعركة
بعد عدة إشارات وصلته عبر المفاوضين بعدم إمكانية التوافق على اسمه، أبلغ المرشح لرئاسة بلديّة بيروت، بسام برغوت المعنيين، انسحابه من المعركة، فيما كان إعلانه بطريقة ملتوية، إذ أصدر بياناً موقّعاً باسم «أصدقاء برغوت» الذين «تمنّوا عليه سحب ترشيحه لأن المعركة الانتخابيّة خرجت عن مضمونها البلدي الإنمائي لتتّخذ مضموناً حزبياً وسياسياً لا يمتّ إلى الإنماء والإصلاح بصلة».
وبذلك، يكون برغوت قد أنهى تجربته البلديّة، بعدما انكبّ المعنيون خلال الساعات الماضية على البحث عن اسم مرشّح للرئاسة تتقاطع عليه القوى السياسية. وتشير المعلومات إلى أنّ اللائحة المدعومة من قبل النائب فؤاد مخزومي والوزير السابق محمّد شقير و«جمعية المشاريع الخيريّة الإسلامية»، و«حزب القوات اللبنانية» و«حزب الكتائب اللبنانية» و«حزب الطاشناق»، إضافةً إلى «اتحاد جمعيات العائلات البيروتية»، باتت شبه منجزة، والشغور يطاول فقط رئيسها.