مقالات

“تكليفٌ لا تشريف”

يخطئ من يظنّ أنّ النجاح هو الوصول إلى القمة. النجاح هو رحلةٌ من التحدّي والصبر، حيث تُبنى العزيمة حجرًا حجرًا، وتُكتسب الخبرة عبر السقوط والنهوض. فما أروع النجاح حينما يأتي بعد عرق الجبين، وبعد خيباتٍ تعلّمنا التواضع، وفشلٍ يمنحنا الحكمة! لكنّ آفة النجاح تكمن في الغرور والاتكاليّة، في ذلك الوهم بأنّ القمّة غايةٌ وليست بدايةً لمسؤوليةٍ أعظم.

الحقّ أن المناصب لا تصنع العظماء، بل العظماء هم من يصنعون للمناصب قيمتها. فالموقعُ “تكليفٌ لا تشريف”، لكنّ الكثيرين يرفعون هذه العبارة شعارًا بينما تُخفي قلوبُهم شهوةَ الظهور والسلطة. كم من شخصٍ يتظاهر بالتواضع وهو يختال بكبرياء خلف كرسيّه؟ هذه ليست إدانةً، بل واقعٌ مرير نعيشه في عالمٍ يخلط بين الجوهر والمظهر.

والأكثر إزعاجًا أولئك الذين يلهثون وراء المراكز، ثمّ إذا حصلوا عليها، بدأ التذمّر يحلّ محلّ الشكر. وكأنّ النجاح لم يعد نعمةً، بل عبئًا! لكنّ الحكمة تقول: “اشْكُرُوا فِي كُلِّ شَيْءٍ” (١ تسالونيكي ٥: ١٨)، لأنّ الشكر يغلق باب السخط ويُبعد شرّ الحسد، بينما التذمّر يفتح أبوابًا للشرّ لا تُغلق بسهولة.

ولا ننسى أنّ بعض المناصب تُمنح كـ”مكافأة” أو مجرّد تشريفٍ دون اعتبارٍ للكفاءة، بينما يُختار آخرون لِمَا يحملونه من نزاهةٍ وقدرةٍ على العطاء. وهنا يأتي دورك أنت: لا تنتظر أن يُصنع لك النجاح، بل اصنعه بيديك! فمَن لم يخطّط لحياته، ووضِعَ خطّته في يد الآخرين، ربّما دفع الثمن غاليًا. التخطيط ليس رفاهيةً، بل ضرورةٌ لِمن يريد أن يترك أثرًا لا يُنسى.

لكنّ أعظم مفتاحٍ للنجاح هو الاتّكال على الله، لا على البشر. فمهما بلغت قوّة الإنسان، فهو ضعيفٌ بدون عون السماء. اِحتمِ بالله، واثقًا أنّه وحده القادر أن يُتمّ عملك، ويُبارك خطواتك، ويجعل نجاحك نورًا يُضيء للآخرين. فالحياة ليست سباقًا للوصول إلى القمة، بل رحلةٌ نعيشها بإيمانٍ، ونُنهيها بقلبٍ شاكرٍ، لأنّ النجاح الحقيقيّ هو أن تبقى إنسانًا طيبًا حتى في عزّ المجد.

الأب الياس كرم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى