سيادة لبنانية “برو ماكس”؟

كتب جو رحال في نداء الوطن:
في مشهد إقليمي متحوّل، يواجه لبنان تقاطعاً حساساً بين ملفين محوريين يعيدان طرح أسئلة الدولة والسيادة والقرار المستقل بقوة: ملف حصر السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، وملف رفع العقوبات الأميركية عن سوريا. كلا الملفين، رغم اختلاف السياقات، يرتبطان مباشرة بأمن لبنان، وحدوده، واستقراره الاقتصادي والسياسي.
زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى بيروت ولقاؤه الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون في قصر بعبدا، أخرجت إلى الواجهة مجدداً قضية السلاح الفلسطيني في المخيمات، لا سيما في الجنوب. وفي البيان المشترك، شدّد الطرفان على احترام السيادة اللبنانية، وضرورة حصر السلاح بيد الدولة، بما يتوافق مع اتفاق الطائف والدستور اللبناني. ويكتسب هذا المطلب أهمية خاصة بعد أحداث عين الحلوة في 2023، التي أكّدت أن استمرار وجود هذا السلاح خارج سيطرة الشرعية يُهدد الأمن الوطني، ويُعرّض المخيمات وسكانها للاشتباك الدائم.
ولفهم حساسية هذا الملف، لا بد من العودة إلى جذوره التاريخية؛ فقد شكّل الوجود المسلح الفلسطيني قبل عام 1982 عنصراً مركزياً في الصراعات الداخلية، وأسهم في اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، ما يجعل أي حديث عن معالجة هذا السلاح اليوم مشحوناً بإرث سياسي وأمني عميق.
بالتوازي، حمل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من العاصمة السعودية الرياض، رفع العقوبات عن سوريا، انعكاسات إقليمية فورية. جاء القرار بعد تشكيل حكومة انتقالية سورية جديدة، ما فتح الباب أمام انفتاح عربي ودولي على دمشق، وخلق فرصاً اقتصادية قد يستفيد منها لبنان إذا أُديرت بحذر.
الحدود اللبنانية – السورية، التي شكّلت لسنوات شرياناً اقتصادياً مهماً، يُنتظر أن تعود إلى نشاطها الطبيعي، عبر تنشيط التصدير الزراعي، وإحياء مشروع الربط الكهربائي والمائي، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين تدريجياً.
إلا أن هذا التطور لا يخلو من مخاوف. فالشارع اللبناني، المنقسم في رؤيته للعلاقة مع سوريا، يرى في رفع العقوبات احتمالاً لإعادة النفوذ السوري بوسائل جديدة. وهناك من يُحذّر من استغلال الانفتاح الاقتصادي لتوسيع نفوذ بعض الفصائل المرتبطة بمحور الممانعة داخل المخيمات وخارجها، ما يعيد لبنان إلى دوامة التدخلات.
في هذا السياق، التنسيق الاقتصادي مع دمشق يجب أن يكون مشروطاً بإطار قانوني واضح، يضمن احترام السيادة اللبنانية، ويمنع تكرار تجربة الوصاية السابقة. كما أن ملف السلاح الفلسطيني يجب ألا يُترك مرهوناً بالتحولات الإقليمية، بل يُعالج بخطة وطنية تنطلق من مبدأ أن لا سلاح إلا بيد المؤسسات الأمنية الشرعية، وفق اتفاق الطائف وقرارات الحوار الوطني السابقة.
في المحصلة، لبنان أمام لحظة مفصلية:
هل ينجح في الاستفادة من التحولات الإقليمية لصالح استقراره؟ أم أن هذه التحولات ستُستثمر داخلياً لتعميق الانقسام والسيطرة غير الشرعية؟
لكي يُثبت نفسه كدولة ذات سيادة، عليه أن يمضي بخطى ثابتة نحو تثبيت سلطته على أراضيه، وتنظيم علاقاته الإقليمية بما يخدم مصالحه أولًا، دون الانجرار إلى محاور أو مساومات تُعيد إنتاج أزمات الماضي.