لبنان

“الكتائب” في اختبار المتن: إعادة ترتيب الأحجام

كتبت رلى ابرهيم في الأخبار: 

الكذب ملح السياسة، هذا معروف، لكن أن يكذب السياسيون ويصدّقوا أكاذيبهم فهذا أمر نادر الحدوث. يوم أول أمس، وقبل دخولها إلى مكتب قائمّقام المتن الشمالي للإدلاء بصوتها في انتخاب رئيس اتحاد المتن الشمالي، أهدت رئيسة بلدية بكفيا نيكول الجميل «نصرها» إلى رئيس الجمهورية. بدت الجميل واثقة جداً من فوزها، إلى درجة أن حزب الكتائب طبع صوراً كبيرة لها مذيّلة بعبارة «رئيسة اتحاد المتن الشمالي الشيخة نيكول الجميل»، وُضعت فوق مبنى بيت الكتائب في البوشرية، انتظاراً للحظة الفوز التي كان من المفترض أن تُعلن بعد تصويت 33 رئيس بلدية.

كانت المفرقعات النارية جاهزة لإضاءة سماء بكفيا وساحل المتن فور انتهاء التصويت وإعلان النتيجة النهائية. فيما تجمّع الكتائبيون في الساحة استعداداً للاحتفال، وبدأوا يحسبون أصوات الرؤساء الذين اعتقدوا أنها في «الجيبة». لكنّ المفاجأة كانت أن 11 فقط من أصل 33 صوّتوا للجميل، مقابل 22 صوتاً لرئيسة بلدية بتغرين الرئيسة السابقة لاتحاد البلديات ميرنا المر. وعلى وقع الصدمة، وضّب الكتائبيون صور «الشيخة» قبل أن يتفرّقوا بسرعة، وسط اتهامات رئيس حزب الكتائب سامي الجميل للبعض بـ«الخيانة» و«الطعن في الظهر» و«الانقلاب على إرادة الناس».

مشهد سوريالي لا يحدث إلا في حزب آل الجميل، إذ ليست هذه المرة الأولى التي يروّج فيها حزب الكتائب لأوهام يصدّقها ويتعامل معها كحقائق حتى يثبت العكس، ثم يعيد الكرة من جديد.

الأمر هذا، بحسب مخضرمين سابقين في الحزب، «أسوأ مراحل الممارسة السياسية، حين يتوقف السياسي عن الكذب على خصومه، ليبدأ بالكذب على نفسه».
ففي وقت خرج الوزير السابق إلياس المر بعد الانتخابات ليؤكد أن تحالف التيار الوطني الحر – المر يحظى بتأييد 19 بلدية وأن الاتحاد بات «في الجيب»، كان رئيس حزب الكتائب يفسّر «مسايرة» رؤساء البلديات على أنها تأييد للتغيير، ودعم محسوم لنيكول الجميل، مدّعياً تأييد رئيس الجمهورية له، ما تبيّن أنه عكس الواقع.

هذه المراهقة السياسية كثيراً ما تقود الحزب إلى طريق مسدود، خاصة عندما تقترن بسوء تقدير واضح لخصمين يتمتعان بخبرة واسعة في العمل السياسي والبلدي. يُضاف إلى ذلك وعود بعض النواب «المستقلين» المضلِّلة، إذ أوهموا الكتائب بأن خمسة أو ستة رؤساء بلديات مضمونون تماماً. كما فشلت محاولات «القوات اللبنانية» التأثير سياسياً على بعض الرؤساء الآخرين. وفي خضمّ هذا الاطمئنان الزائف، بدا سامي الجميل مرتاحاً جداً لمجريات الأمور، إلى درجة أنه سافر إلى باريس يوم الانتخابات، مطمئناً شقيقته إلى أن الكفّة راجحة لصالحها منذ أكثر من أسبوع. وكان يمكن أن يصحّ الأمر لو خاض الكتائب معركة «على المنخار»، لكنّ خسارته بفارق كبير لا تترك مجالاً للشك بوجود خلل جسيم في حسابات الماكينة الكتائبية وماكينة القوات، أو أن الحسابات الكتائبية نفسها مغلوطة بشكل عام.

في المتن الشمالي تحديداً، يُفترض أن يكون الجميل قد أدرك حجم خسارته في معقل آل الجميل التاريخي، ما يستدعي مراجعة جدّية. وينطبق الأمر نفسه على القوات اللبنانية التي لم تفز سوى ببلدية واحدة على امتداد قرى المتن، رغم تحالفها الوثيق مع الكتائب. ورغم أن استراتيجية «القوات» تقوم على تبنّي الفوز كإنجاز في حال نجاح التحالف، والتنصل من الخسارة في حال الفشل، لم يكن سامي وحده من فشل أول أمس، بل كان فشل تحالفه مع «القوات» في مواجهة تحالف المر والتيار الوطني الحر واضحاً. المفارقة أن المر، الذي تعلّم من والده ألف باء العمل البلدي، وجد التيار إلى جانبه يدعمه لاستمالة البلديات التي يسيطر عليها.

أما سامي فلم يتعلّم من تجارب والده، ولم يجد حليفاً يضيف إلى رصيده، بل على العكس، أصبح الحليف في موقف يسمح له بالاستفادة في كل الأحوال: إذا ربح سامي يتبنّى الفوز، وإذا خسر يتحوّل ضعف الكتائب إلى ربح صافٍ لمعراب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى