“اليونيفيل” مهددة: هل ينخفض العديد إلى النصف؟

كتبت الأخبار:
للمرة الأولى، تواجه مهمة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفل) تهديداً جدياً قانونياً وعملانيّاً، بفعل الظروف التي تشكّلت بعد عدوان أيلول 2024 (المستمر) على لبنان، والأجندات الدولية المتضاربة، والتهديد الأكبر بفعل سياسة التقشف الأميركية.
وبانتظار امتحان التجديد لمهمة القوّة في أواخر آب المقبل، كما في كل عام خلال الاجتماعات السنوية للأمم المتحدة ومجلس الأمن، تبدو الأضواء مسلّطة على الجنوب، لا لوقف العدوان والاعتداءات الإسرائيلية على السيادة والشعب والدولة، بل لاستكمال نزع السلاح جنوب الليطاني ومواكبة مستقبل وجود أكثر من 10 آلاف جندي أممي في لبنان.
منذ تشكيلها بصيغة مهمتها الجديدة بعد عدوان تموز 2006، بقيت الحاجة إلى وجود قوات أممية في لبنان مصدراً لاستقرار عمل القوّة وثباتها، بعدما وجدت كل من إسرائيل والمقاومة في الجنود الغربيين والشرقيين في سنوات الهدوء النسبي، حاجزاً أمام طموحات الأُخرى.
إلا أن هذه المعادلة تغيّرت شيئاً فشيئاً مع تبدّل الحسابات الإسرائيلية وتصاعد قوّة المقاومة مع أفول الحرب السورية، وصولاً إلى شعور إسرائيل بالحاجة إلى تغيير مهمات القوّة الأممية من دون إخراجها من لبنان.
وفي عام 2017، نجحت إسرائيل في الحصول على تعديل مهم في مهمة القوّة، عبر إدخال وظيفة «التحقق» إلى عملها، ثم كثّفت ضغوطها خلال الأعوام الماضية من دون أن تنجح في إدخال تعديلات جوهرية.
لكنّها تمكّنت عام 2022، من العبث بالنصّ الأصلي لتظهير مبدأ حرية الحركة للـ «يونيفل»، والذي تتمتّع به القوات أصلاً، في محاولة لزيادة الضغوط على حزب الله والدولة اللبنانية من جهة، ولإحراج القوة الدولية من جهة أخرى، لتقوم بمهمات من دون مواكبة الجيش اللبناني وتقديم خدمات لمصلحة إسرائيل.
اليوم، تبدو الديبلوماسية الإسرائيلية عازمة على التحضير منذ الآن لمعركة التجديد للقوة الدولية، مدعومة كالعادة من الأميركيين، ولكن مع شحنة دعم إضافية من الإدارة الأميركية الجديدة الناقمة على الأمم المتحدة ومؤسساتها، وذلك من أجل إدخال تغييرات على مهمة القوّة أو تهديد وجودها من أساسه.
فإسرائيل التي لا تقيم وزناً لأي مؤسسة دولية وتعرّض حياة الجنود الدوليين للخطر وسبق أن قتلت وجرحت منهم عن عمد، غاظها أن حزب الله تمكّن من بناء قوّة عسكريّة هائلة في جنوب الليطاني في سنوات ما بعد حرب تمّوز خلال وجود الـ«يونيفل»، وبات وجود القوات الدولية بالنسبة إليها عديم الفائدة ومرهوناً بسلوكها وبالخدمات التي تؤدّيها للاحتلال.
ويمكن القول إن إسرائيل باتت تفضّل رحيل الـ«يونيفل» ما دامت تتحرك بأريحية في الجو والبر والبحر، وآخر ما تحتاجه من يسجّل الخروقات، حتى لو كان بعض الكتائب أو الأفراد يقدم لها خدمات غير مباشرة.
لكن، رغم أن الأجواء الدولية مشحونة ضد سلاح المقاومة في لبنان لا سيّما الغربية والخليجية منها، إلا أن تغيير مهمة الـ«يونيفل» أو إلغاءها داخل مجلس الأمن ليس بالأمر السهل. خصوصاً أن في ظل الانقسام العمودي داخل المجلس بين روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا من جهة ثانية، حول غالبية الملفّات الدولية.
وبالتالي يصعب فرض أي تغيير من دون انتزاع موافقة الروس والصينيين الذين يقولون إنهم يتمسكون بما يتمسك به لبنان. حتى أن التمايز الفرنسي عن موقف الولايات المتحدة وبريطانيا، يزداد تصلباً في ما يخصّ مهمة الـ«يونيفل» التي تمسك فيها القوات الفرنسية بقيادة رئاسة الأركان وقوة عسكرية مع الفنلنديين، ولديها حرية حركة أوسع من بقية القوات الخاضعة لسلطة قائد اليونيفيل الجنرال الإسباني أرلندو لازارو حالياً.
ففرنسا التي خرجت عسكرياً من ستّ دول إفريقية تمثّل عماد تأثيرها الكولونيالي تاريخياً، لن تفرّط بسهولة بحضورها العسكري على شواطئ المتوسط، وفي لبنان الذي تقاتل باستماتة من أجل تثبيت الحضور العسكري فيه، في ظلّ المنافسة الشديدة من البريطانيين.
من هنا، تبدو العدائية والجرأة اللتان تتعامل بهما القوات الفرنسية والفنلندية في جنوب لبنان، خصوصاً في الأسابيع الأخيرة، جزءاً من لعبة إثبات الحضور وتأكيداً لجدوى الوجود في الجنوب، كما تستغل تراجع حزب الله وقبوله بسحب السلاح من جنوب الليطاني، لتجاوز الأعراف التي كانت سائدة، كعدم استخدام الطائرات المسيّرة للـ«يونيفل» والفرنسيين كما بات يحصل الآن.
فضلاً عن محاولة فرنسا أيضاً تثبيت دورها في آلية وقف إطلاق النار التي يرأسها جنرال أميركي. أما بريطانيا، فستكون محرجة من المطالبة بتغيير الصيغة الحالية، والظهور كعامل ضغط إضافي على لبنان في ظلّ الموقف الفرنسي. وربّما تكون بريطانيا قد وجدت أن مشروعها لبناء أبراج مراقبة قرب الحدود مع فلسطين المحتلة على نموذج الحدود الشرقية، قد فقد أسبابه إذا اهتزت مهمة الـ «يونيفل»، خصوصاً مع رفض العدو الإسرائيلي. فضلاً عن أن إدخال أي تعديلات إضافية تعطي مهمات عدائية للقوة الدولية، يغيّر في أساس قرار وجودها كقوة حفظ سلام دولية لديها مهمات محددة، وليس كقوة تدخّل دولية تعمل تحت الفصل السابع. ومما تسرب من معلومات عن زيارات الديبلوماسيين الفرنسيين والبريطانيين للبنان أخيراً لنقاش ملف الـ«يونيفل»، فإن الصيغة الحالية المعتمدة هي الأكثر قرباً للواقع، حتى الآن، والدولتان أكدتا دعمهما للبنان في مواقفه.
لكن هذا لا يعني أن أدوات الضغط الأميركية والإسرائيلية معدومة. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب واضح ومصمم على وقف تمويل الأمم المتحدة، وقد بدأت آثار قراراته بالتفاعل لدى قوات حفظ السلام في مالي والسودان ومناطق أخرى من بينها لبنان. فحصّة الولايات المتحدة من تمويل قوات حفظ السلام الأممية تبلغ حوالى 27%، تليها الصين التي تسدّد أكثر من 20%.
وبالتالي، إن مهمة الـ «يونيفل» مهددة جديّاً في تمويلها، ولم تظهر بعد في الأفق الدول الأوروبية التي ستعوّض هذا النقص، أو إن كانت الصين سترفع من نسبة دعمها لمهمات حفظ السلام.
من هنا، تبدو إحدى أوراق الضغط القويّة التي تملكها إسرائيل هي تقليص عديد القوّة إلى النصف، إذ يتلاقى ذلك مع الأهداف الأميركية. وتقليص العديد ليس فكرةً جديدة، بل سبق أن ناقشتها الجيوش الأوروبية المشاركة في الـ«يونيفل» بعد حرب أوكرانيا، خصوصاً إسبانيا وإيطاليا بشكل رئيسي (وليتوانيا)، مع حاجة هذه الجيوش إلى استنفار كل قواها وتدعيم الجبهة الشرقية ضد روسيا في البلقان وشرق أوروبا.
لكن يبقى أن الاهتمام الإيطالي العسكري بلبنان وفلسطين المحتلة، قد ظهر واضحاً خلال العام الأخير، عبر الزيارات المتكررة لرئيس أركان الدفاع الإيطالي ووزير الدفاع إلى فلسطين المحتلة ولبنان، وانخراط إيطاليا في تحالف دعم إسرائيل بعد 7 أكتوبر.
وتبدو إيطاليا الأكثر حظاً بوصول مرشّحها الجنرال ديوداتو أبانارا، قائد القطاع الغربي السابق في الـ«يونيفل»، إلى قيادة القوة مكان لازارو الذي يفترض أن يغادر منصبه بداية حزيران المقبل. ويتقدم أبانارا على مرشحين آخرين من بينهم جنرال سويدي (امرأة)، وجنرال نمساوي، بالإضافة إلى ترؤس إيطاليا للجنة التقنية العسكرية «MTC4L» المخصصة لدعم الجيش اللبناني.
وعدا عن الضغوط الخارجية، خسرت الـ«يونيفل» أيضاً بعضاً من دورها السياسي/ التقني لمصلحة النشاط الذي تقوم به المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين بلاسخارت، ولمصلحة الدور المتقدم للجنرال الأميركي مايكل جي ليني رئيس لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار، ونشاط اللجنة التقنية العسكرية، وانتفاء الحاجة إلى اجتماعات الناقورة في ظل وجود قنوات أخرى، لا سيّما لجنة الإشراف على وقف إطلاق النار.
لكن يبقى كل هذا مرهوناً بسرعة التحرّك والنشاط اللبناني. فقرار الموافقة على التجديد للقوّة في مجلس الوزراء، من المفترض أن يترجم بنصّ متين من الجانب اللبناني ترسله وزارة الخارجية إلى مجلس الأمن تطلب فيه تجديد عمل القوّة، والتشديد على إدانة العدوانية الإسرائيلية على لبنان وانسحاب العدوّ من الأراضي المحتلة من دون قيد أو شرط، ومنع أي تحوير في قرار التجديد السابق، والمطالبة بمواقف وتحركات أكثر تشدداً من الأمم المتحدة واليونيفيل ضد إسرائيل التي تعتدي على القوة أيضاً.
خصوصاً أن أكثر من بعثة ديبلوماسية لاحظت أن الخارجية اللبنانية تتمهّل أو تتأخر في التحرك المضاد للتحركات الإسرائيلية.
تيننتي: دورنا أكثر أهميةً من أي وقت مضى
تعليقاً على قرب موعد التجديد للـ«يونيفل»، قال المتحدث الرسمي باسم القوة الدولية أندريا تيننتي لـ«الأخبار» إن «اليونيفل أداةٌ يمكن للأطراف استخدامها لتهيئة الظروف اللازمة لترسيخ الديبلوماسية، وإعادة بناء الثقة، ووجود دولي محايد لدعم تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701».
وأضاف: «خلال النزاع (عدوان أيلول) قررنا البقاء، حتى عندما طلب منا الجيش الإسرائيلي المغادرة، لأننا كنا مسؤولين عن التواجد وتقديم مراقبة محايدة لما يحدث».
وتابع أنه «مع تجديد التفويض المرتقب، أصبح دورنا أكثر أهميةً من أي وقت مضى. لا تزال التوترات على طول الخط الأزرق قائمة. وانسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع المواقع التي يتواجد فيها حاليًا في جنوب لبنان، وإعادة الانتشار الكامل للجيش اللبناني في الجنوب، شرطان أساسيان لاستعادة الاستقرار. ويبقى القرار الرقم 1701 الإطار الأكثر فعالية لتحقيق أهدافنا. ويجب أن يبقى نشاط حفظ السلام أداةً سياسيةً في خدمة السلام».