جوزاف عون: في نصف عام إنجازات تحاكي التحديات

كتب جو رحال في نداء الوطن:
منذ انتخابه في 9 كانون الثاني 2025، والرئيس جوزاف عون يُعيد تشغيل ما توقّف في الدولة اللبنانية. لا الشعارات حضرت، ولا الوعود الحالمة، بل سلسلة خطوات دقيقة وحذرة بدأت بكسر الفراغ السياسي، مرورًا بالإصلاح المالي، وتثبيت الأمن، وانفتاح لبنان مجددًا على العالم. في ستة أشهر فقط، عاد القصر الجمهوري إلى كونه مركز قرار، وعاد اللبنانيون إلى مراقبة أداء الرئاسة، بعدما ظنّوا لسنوات أن ذلك الموقع لم يعد يقدّم أو يؤخّر.
أول الخروقات السياسية جاءت بسرعة: حكومة جديدة برئاسة القاضي نواف سلام في غضون 28 يومًا فقط، وهي أسرع عملية تأليف منذ سنوات. حملت الحكومة برنامجًا إصلاحيًا تمثّل بإعادة فتح قنوات التفاوض مع صندوق النقد الدولي، والشروع بتعديلات قانونية ومالية حيوية.
في الميدان الأمني، تمّ تعيين قائد جديد للجيش ومدير عام للأمن العام، وإطلاق خطة تجنيد 4,500 عنصر جديد لتعزيز السيطرة على الحدود والجنوب. في المواجهات المحدودة مع إسرائيل في آذار ونيسان، ظهر التنسيق الفعلي بين الجيش و”اليونيفيل”، فيما التزمت كل القوى اللبنانية بقرار الدولة، دون انزلاق إلى معركة مفتوحة. الرسالة كانت واضحة: الدولة، وليس الساحة، هي التي تدير الأمن.
وكان الحدث المالي الأبرز هو إقرار تعديل قانون السرية المصرفية في 24 نيسان، ما أتاح للجهات الرقابية الوصول إلى الحسابات المصرفية لعشر سنوات سابقة. خطوة فتحت الباب أمام التدقيق الجنائي الحقيقي، وأعادت الثقة النسبية بجدّية الدولة. بحسب بيان لوزارة المالية، “هذا التعديل لا يُعدّ إنجازًا شكليًا، بل شرطًا لعودة المفاوضات الجدية مع المجتمع الدولي”.
في ملف السلاح غير الشرعي، قدّم الرئيس خطابًا واقعيًا مختلفًا. لا استفزاز ولا إنكار، بل تأكيد أن “السلاح لا يمكن أن يبقى خارج سلطة الدولة، لكن انتزاعه لا يكون بالشعبوية، بل بتفاهم وطني شامل”، في إشارة إلى فتح الباب أمام حوار داخلي حول هذا الملف من دون تفجير الداخل.
دبلوماسيًا، أعاد الرئيس عون ربط لبنان بالعالم. فزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أيار أنهت عزلة بعبدا، وأسفرت عن حزمة دعم تقني بقيمة 100 مليون يورو، وإرسال بعثة تقنية فرنسية تضم 80 خبيرًا. كما شهدت بيروت زيارات رسمية من دبلوماسيين خليجيين وأوروبيين، مع إعادة تفعيل قنوات التواصل مع السعودية وقطر. وقد أشار مصدر دبلوماسي فرنسي إلى أن “بيروت استعادت موقعها في النقاش الإقليمي، بفضل اتزان خطاب الرئاسة الجديدة”.
في الشأن الحياتي، أُعيد تفعيل أكثر من 20 مركز رعاية صحية بالشراكة مع المنظمات الدولية، وأُطلقت خطة دعم للمدارس الرسمية بالتعاون مع البنك الدولي. أما في ملف النزوح السوري، فقد تبنّت الرئاسة مقاربة جديدة قوامها: العودة الآمنة، التنسيق الدولي، واحترام السيادة. تحرّكت بيروت باتجاه بروكسل ودمشق لوضع هذا الملف على الطاولة مجددًا، وسط دعم جزئي من بعض الدول الأوروبية.
ومع كل ذلك، تبقى التحديات كبيرة. فالكهرباء ما زالت في دائرة الجمود، والقضاء يخضع للشلل بفعل التدخلات السياسية، والتضخم تجاوز 200 %، والبطالة قاربت 36 %، ونحو 80 % من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر بحسب أرقام البنك الدولي. بعض القوى المعارضة تعتبر أن الرئاسة تتحرّك ببطء، وتُحجم عن اتخاذ قرارات كبرى”.
الناس بدورهم بدأوا يلمسون تغييرًا في النبرة والأداء. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته Information International في حزيران أن نسبة الرضى عن أداء الرئاسة ارتفعت من 11 % في كانون الأول 2024 إلى 36 % بعد ستة أشهر فقط. عودة الثقة هذه، وإن كانت نسبية، تعكس تبدلًا في المزاج العام، الذي بدأ يتلمّس حضور الدولة مجددًا.
الرئيس عون لم يَعِد بانقلابات كبرى، لكنه حرّك المؤسسات. لم يُطلق وعودًا مستحيلة، بل أعاد تشغيل الحد الأدنى من القرار الوطني. وفي بلد أنهكته الانهيارات والانقسامات، يكفي أن تعود الدولة لتكون بداية ممكنة لجمهورية ثالثة تقوم على المؤسسات، لا على تقاطع المصالح.
ستة أشهر مرّت. لم تُحلّ الأزمات كلها، لكن التوقف انتهى. والعهد بدأ يسلك طريقًا هادئًا وصعبًا في آن. خاصة مع تصاعد الانتقادات والهجمات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد أسلوب عمل العماد جوزاف عون، يبرز تساؤل جوهري: هل يخشى بعض الأطراف ما ينجزه الرجل بصمت، أم أن الشعب، وسط التراكمات السياسية والمعيشية، لم يعد قادرًا على التمييز بين الأداء الجدي والاصطفافات السياسية التي تحرّك الحملات المنظمة؟ ما من شك أن القائد الذي حافظ على استقرار المؤسسة وسط الانهيار، وأبقى الجيش خارج لعبة المحاور، لا بد أن يثير القلق، كرئيس للجمهورية، لدى من يرى في الانضباط والهيبة تهديدًا لمصالحه.
وربما للمرة الأولى منذ سنوات، صار بالإمكان أن نسأل بجدية: هل بدأ لبنان يستعيد نفسه؟