لبنان

105 أضعاف ما يتقاضاه العاملون في القطاع العام: رواتب خيالية لأعضاء الهيئات الناظمة

كتبت الأخبار: 

بدلاً من العمل على تثبيت الموظفين الموجودين في القطاع العام، ودعم رواتبهم التي تهاوت قيمتها بنسبة وصلت إلى 98% بسبب الانهيار النقدي والمصرفي، تعمل الحكومة على دعم رواتب رؤساء وأعضاء المجالس والهيئات الناظمة لعدد من القطاعات قبل تعيينهم.

ورغم أنّ المهمات المنوطة بأعضاء الهيئات الناظمة يمكن أن توكل بسهولة إلى موظفين موجودين في الخدمة، إلا أنّ العقلية السائدة في مجلس الوزراء، قرّرت بيع القطاع العام بالمفرّق، لذا قرّرت دعم من سينفذ هذه السياسة، أي أعضاء الهيئات الناظمة.

في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، تقرّر رفع التعويضات الشهرية لعدد من أعضاء الهيئات الناظمة، غير المعيّنين حتى الآن، نحو 105 مرّات أكثر من أساس راتب موظف في الفئة الأولى، و10 أضعاف الراتب مع الزيادات الحكومية المقرّة منذ 2022 حتى اليوم.

وبموجب القرارات الجديدة سيتقاضى رئيس الهيئة العامة للطيران المدني مبلغ 716 مليون ليرة شهرياً، فيما سيحصل العضو في الهيئة ذاتها على 626.5 مليون ليرة شهرياً، وسيعدّل راتب رئيس مجلس الإنماء والإعمار ليصبح 805.5 ملايين ليرة، أي 9 آلاف دولار، وراتب العضو المتفرّغ 626.5 مليون ليرة، أي 7 آلاف دولار.

وفي الوقت الذي سيحصل فيه هؤلاء على هذه الزيادات، يتقاضى الموظف في أيّ مديرية أخرى كمديرية الطيران المدني مثلاً راتباً لا تتجاوز قيمته 72 مليون ليرة شهرياً مع كلّ الزيادات المقرّة عليه.

علماً بأنّ الحكومة لم تقرّ حتى الآن تعديل تعويض ساعات العمل الليلي المخصّصة لموظفي الطيران المدني، إذ لا يزالون يتقاضون 3 ملايين ليرة مقابل كلّ 100 ساعة عمل إضافية شهرياً.

أيضاً، حدّد مجلس الوزراء المخصّصات الشهرية لرئيس الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء بـ8 آلاف دولار للرئيس، و7 آلاف دولار لكلّ عضو في الهيئة، ما يعني صرف 40 ألف دولار شهرياً على الهيئة وأعضائها الخمسة بعد تعيينهم. وفي المقابل، سيطلب من الهيئة الناظمة، للكهرباء هنا، القيام بمهمات يمكن ببساطة أن توكل إلى عدد من المديرين وكبار الموظفين في الوزارة.

فبحسب القانون 462، المعروف بقانون تنظيم قطاع الكهرباء، للهيئة الناظمة 16 مهمة، منها «إعداد دراسات المخطط التوجيهي العام للقطاع في مجالات الإنتاج والنقل والتوزيع، وتشجيع الاستثمار في قطاع الكهرباء».

بالنسبة إلى مطّلعين على ملفات الهيئات الناظمة، الغرض من تعيينها هو سحب جزء من صلاحيات وزير الوصاية، سواء في الطاقة أو الاتصالات أو الأشغال.

وستتكون من مختصين في كلّ مجال يعملون بعيداً من التقلبات السياسية، فضلاً عن أنّ الهيئات تهدف إلى إبعاد التوجهات السياسية للوزراء عن وزاراتهم.

ولكن تجربة الهيئات الناظمة السابقة «ليست مشجعة»، ولا سيّما في ما يخصّ تجارب «الهيئة الناظمة لقطاع النفط، والهيئة الناظمة للاتصالات، والتي لم تفعل شيئاً».

أما لجهة الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء، «فلن يغيّر تعيين هذه الهيئات من واقع الكهرباء، لأن الحكومة هي المسؤولة عن هذا التعيين، ما يعني أنّ الأعضاء سيكونون حكماً ممثلين للقوى السياسية في مجلس الوزراء».

وما يزيد في تعقيدات تعيين هيئة ناظمة لقطاع الكهرباء هو عدد أعضاء هذه الهيئة بالتحديد، إذ يبلغ 5 بحسب القانون 462. ويتوقع المتابعون أن يقع خلاف طائفي عند التعيين، إذ «لا يمكن تطبيق قاعدة 6 و6 مكرّر على الهيئة الناظمة للكهرباء».

بمعنى آخر، «ستختلف القوى السياسية على التوزيع الطائفي لأعضاء الهيئة». وهنا، تسأل المصادر عن سبب التوزيع الطائفي لو كانت الهيئة ممثلة من تكنوقراط حصراً، وتستنتج بأنّ هذا التقاسم الطائفي دليل على أنّها هيئة سياسية حكماً. لذا، تضيف، هل نحن بحاجة إلى هيئة ناظمة، وفي حال نعم، أتُعدّ الرواتب التي تصل إلى 8 آلاف دولار شهرياً منطقية؟

في الواقع، ثمة رأي وازن يشير إلى أن «الهيئة الناظمة للكهرباء ليست ضرورية، إذ يكفي تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، وإعطاؤه الاستقلالية المالية والإدارية للوصول إلى واقع أفضل على مستوى إدارة وإنتاج الطاقة».

وهذا التعيين، تقول المصادر، لن يكلّف الحكومة نصف كتلة الرواتب الشهرية المقرّر دفعها لأعضاء الهيئة الناظمة، والذين لن يكونوا ملمّين بوضع الكهرباء مثل موظفي المؤسسة الأقدر على تحديد مكامن الخلل ومعالجته، إن وجد القرار السياسي.

وحتى لو سلّمنا بأنّ أعضاء الهيئة الناظمة هم أصحاب قدرات وكفاءات عالية، وغير موجودة في مؤسسة الكهرباء أو في وزارة الطاقة، ماذا يمتلكون من مقدّرات لمنع الهدر غير التقني، المعروف بـ«سرقة الكهرباء»، عن الشبكة.

من جهة ثانية، لا يرى متابعو ملف الهيئات الناظمة بأنّ الرواتب المقرّة أخيراً لهؤلاء في الحكومة مبالغ بها، ويعيدون السبب في ذلك إلى «نوعية الاختصاصات المطلوبة لشغل منصب عضو في أيّ هيئة ناظمة. بالنسبة إليهم، «لا تستطيع الدولة استقطاب هذا النوع من الكفاءات بقيمة الرواتب نفسها التي تدفعها للموظفين».

وحتى هذه الرواتب، «لا تعدّ مرتفعة مقارنةً بما تضعه الحكومة من شروط يجب أن تتحقق في العضو». لذا، إنّ عدداً من المتقدمين لعضوية الهيئة، يأتون رغبةً في الموقع لا التقديمات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى