لماذا قاد بري المواجهة؟

كتب عماد مرمل في الجمهورية:
تجاوز الخلاف في مجلس النواب حول نمط تصويت المغتربين في الانتخابات النيابية إطار البحث التقني والعلمي، واتخذ ابعاداً أوسع بكثير، تتصل بهندسة التوازنات في المجلس المقبل وحسابات الأفرقاء السياسيين للمرحلة المقبلة.
بهذا المعنى، يتمّ التعاطي مع أي نقاش يتصل باستحقاق 2026 كما لو انّه أقرب إلى أن يكون خط دفاع متقدّماً، تتموضع عنده القوى السياسية منذ الآن، لحماية مصالحها الاستراتيجية ومنع تقليص أحجامها في المجلس المقبل.
وما زاد من حساسية النقاش حول التعديلات المقترحة على قانون الانتخاب، هو انّه يحصل فوق صفيح محلي وإقليمي ساخن، وعلى وقع المعادلات التي أفرزتها الحروب الأخيرة في لبنان والمنطقة، وسط قراءات متفاوتة لتلك المعادلات ومفاعيلها.
وليس خافياً في هذا الإطار، انّ هناك جهات لبنانية تعتبر أنّ الحرب الإسرائيلية على «حزب الله» وإيران بدّلت موازين القوى لمصلحة معارضي محور المقاومة والممانعة، وانّ المطلوب تسييل هذا التبدّل في انتخابات السنة المقبلة، وصرفه نيابياً في اتجاه إنتاج أكثرية نيابية تعكس التحولات التي طرأت على الواقع الجيوسياسي.
ولم يعد سراً كذلك، انّ الفريق المناهض لـ«الثنائي الشيعي» يأمل في أن يستطيع توظيف زخم التحولات لاختراق «القلعة النيابية» لـ«الثنائي» ولو عبر مقعد واحد سيكون كافياً من أجل استخدامه في المعركة على الرئاسة الثانية وفي كسر حصرية تمثيل «حزب الله» وحركة «أمل» للتمثيل الشيعي في المجلس النيابي، وهي حصرية منحتهما القدرة على استعمال سلاح الميثاقية في مواجهة كل محاولات خصومها لكسر قواعد الاشتباك الداخلي وفرض خيارات او قرارات غير مقبولة منهما. بناءً عليه، فإنّ التجاذب الحاد الذي سُجّل خلال الجلسة التشريعية حول اقتراع المغتربين، لا ينفصل عن الحسابات البعيدة المدى للكتل الأساسية، وعن نياتها المعلنة والمضمّرة، وبالتالي فإنّ الأمر المطروح يتعدّى حدود الشعارات البرّاقة حول حقوق المغتربين إلى محاولة نصب مكامن سياسية في معركة تحديد الأحجام والأوزان التي يبدو أنّها بدأت على الورق قبل نحو 11 شهراً من اندلاعها رسمياً في صناديق الاقتراع.
وربطاً بكل هذه الاعتبارات، كان الرئيس بري مصرّاً على قيادة الهجوم المضاد وعدم إبداء أي تهاون او تساهل حيال مسعى «القوات اللبنانية» وحلفائها لفرض إدراج اقتراح قانون تعديل بند تصويت المغتربين في قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة التشريعية، عبر سلوكها خط عسكري تمثل في إضفاء صفة المعجّل المكرّر على المشروع تسانده عريضة نيابية ضمّت عشرات التواقيع.
ومن المعروف انّ «القوات» وحلفاءها يريدون عبر اقتراح القانون المعجّل المكرّر إلغاء المادة التي تلحظ حصر انتخاب المغتربين بستة مقاعد إضافية قي قارات انتشارهم، وبالتالي منحهم حق الاقتراع للنواب الـ128 جميعاً، شأنهم شأن المقيمين، الأمر الذي يعارضه «الثنائي» في الظرف الراهن لأسباب عدة، من بينها انتفاء تساوي الفرص بين المكونات السياسية في ظل امتلاك خصوم خط المقاومة القدرة على خوض الحملات الانتخابية بكل أريحية في دول الانتشار، بينما يفتقر «الثنائي»، خصوصاً «حزب الله»، إلى هذا «الامتياز»، نتيجة العقوبات والتعقيدات التي يواجهها هو وأنصاره في عدد واسع من البلدان التي توجد فيها جاليات لبنانية كبيرة.
انطلاقاً من ذلك، يعرف كل من بري و«حزب الله» انّ المعركة الانتخابية في الخارج على 128 مقعداً لن تكون متكافئة، وانّ خصومهما سيسعون إلى الاستفادة من هذا الخلل لتغيير توازنات المجلس والبلد، في حين أنّ حصر التمثيل الإغترابي بستة مقاعد إضافية تتوزع على القارات، تبعاً لمحتوى القانون الحالي، هو طرح أكثر عدالة وتوازناً.
وإلى جانب المخاطر السياسية التي يحملها طرح «القوات» في المضمون وفق مقاربة معارضيه، يعتبر بري، أقله من حيث الدفوع الشكلية، انّه لا يجوز حرق المراحل وسلق تعديلات قانون الانتخاب سلقاً تحت ضغط التهويل السياسي او التهديد بفرط نصاب الجلسة النيابية، خصوصاً انّ هناك لجنة فرعية تدرس اقتراحات تعديل القانون، وبالتالي يجب أن يمرّ مشروع «القوات» في غربالها لمناقشته في هدوء، قبل أن يستكمل رحلته نحو الهيئة العامة، خصوصاً انّ قانون الانتخاب هو مفصلي، والّا ما كان ليحتاج لإقراره في مجلس الوزراء إلى ثلثي الأصوات.
وتلفت أوساط قريبة من «الثنائي»، إلى انّ طرح «القوات» قد يدفع آخرين إلى التمسك في المقابل بمطلب تحويل لبنان دائرة واحدة على أساس النظام النسبي، وغيره من التعديلات التي قد لا تناسب معراب. ولذلك فإنّ هذا الملف هو من النوع الذي يُفترض أن يُعالَج بالتفاهم وليس بالتحدّي.