عودة حديث التهجير تعكّر المفاوضات.. هدنة غزة: الخلافات تتقلّص

كتبت الأخبار:
تدخل مفاوضات الدوحة غير المباشرة بين حركة «حماس» والاحتلال الإسرائيلي يومها الرابع، في ظل حالة من الترقّب والتكتّم، ووسط إشارات متزايدة إلى أن هذه الجولة مختلفة عن سابقاتها من حيث «الطول والدقة»، وفقاً لما تحدّث به مسؤولون في الدول الوسيطة. وبحسب هؤلاء، فإن «ما تبقّى من تفاصيل لا يتجاوز 20% من مجمل الملفات المطروحة، لكنه يُعدّ الأكثر تعقيداً»، وفي مقدّمه مسألة إدخال المساعدات الإنسانية خلال وقف إطلاق النار، وتحديد مواقع انتشار قوات الاحتلال خلال فترة الستين يوماً المنصوص عليها.
مع ذلك، تشير مصادر مطّلعة على وقائع المفاوضات، إلى أن تل أبيب لا تزال تتعامل مع المحادثات بـ«عقلية أمنية بحتة»، تتّسم بالمراوغة والتكتيك، لا بنية التوجّه نحو تسوية متكاملة. وتلفت المصادر إلى أن «إسرائيل تسعى لخلق أزمات جديدة، ولا سيما في ما يخص آلية فتح معبر رفح، عبر الإصرار على السماح فقط بخروج الحالات الإنسانية، ورفض عودة أيّ فلسطيني إلى القطاع». كما تتعامل تل أبيب بانتقائية حادّة في ملف تبادل الأسرى، حيث ترفض الإفراج عن شخصيات فلسطينية بارزة مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات، وتتمسّك بمعادلات قديمة لا تتناسب مع الوقائع الجديدة، وتُصنّف بعض الأسرى كـ«مجرمين» لا تنطبق عليهم شروط التبادل.
وفي خضمّ ذلك، يكتسب الحراك الأميركي على خط وقف إطلاق النار زخماً جديداً، مع ترقّب زيارة المبعوث الخاص، ستيف ويتكوف، إلى الدوحة، والتي توصف بأنها «محاولة أخيرة لتقليص الفجوات المتبقّية»، ووضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق. وتستمدّ الزيارة المنتظرة أهميّتها من النجاح السابق الذي حقّقه ويتكوف في كانون الثاني/ يناير الماضي، حين تمكّن من الدفع نحو اتفاق هدنة، وهو ما يعوّل عليه الوسطاء الإقليميون مجدداً، على الرغم من الصمت الرسمي الإسرائيلي، الذي تقابله تسريبات إعلامية عبرية «محسوبة»، تُلمّح إلى قرب التوصل إلى صفقة «غير مضمونة».
وفي مقابل هذه التحركات، يلوح خطر جدّي يعكّر مناخ المفاوضات، ويتمثّل بإعادة طرح ملف تهجير سكان غزة، سواء تحت مسمّيات إنسانية أو بدعوى إقامة «مناطق آمنة» خالية من «حماس». وبحسب مصادر دبلوماسية مصرية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، بشأن «التعاون مع دول مجاورة لإيجاد حلول للفلسطينيين»، إلى جانب ما تسرّب عن خطة أميركية لرصد ملياري دولار لإنشاء مخيمات، «تعكس نوايا مقلقة بهذا الشأن».
ويُنظر إلى إعادة فتح هذا الملف في ظل مفاوضات تهدف إلى وقف الحرب، كخطوة ذات أبعاد مزدوجة: فهي من جهة أداة ضغط وتشويش يستخدمها نتنياهو داخلياً لاسترضاء اليمين الإسرائيلي المتطرف؛ لكنها في الوقت نفسه تمثّل اختباراً حقيقياً لمصداقية الوساطة الأميركية، وللموقف العربي عموماً، في حال تمّ تحويل التهدئة المؤقتة إلى مدخل لهندسة ديموغرافية جديدة في القطاع.
وجاءت تصريحات نتنياهو من العاصمة الأميركية لتوضح جزءاً من ملامح المرحلة المقبلة؛ إذ قال من على منبر «الكونغرس» إنه يأمل تجاوز العقبات والتوصل إلى صفقة، مشدّداً على أن أي اتفاق لن يُفضي إلى بقاء «حماس» في غزة، ومشيراً إلى «وجود خطة لإنهاء الحرب وفق هذا التصوّر».
وأكّد خلال لقائه ترامب أن حكومته قبلت مقترح ويتكوف، وهي تقترب من الاتفاق. لكنه في الوقت نفسه، عبّر عن تشكّكه في تجاوب «حماس» الكامل، مشيراً إلى أن «الفجوات المتبقّية صغيرة، لكنها تحتاج إلى وقت لتُردم». وتؤكد مصادر إسرائيلية رفيعة، بحسب التقارير العبرية، أن «الاحتلال لن ينسحب من محور فيلادلفيا، حتى في حال التوصّل إلى اتفاق، في حين يعتبر محور موراغ ومنطقة رفح من الخطوط الحمر التي تصرّ إسرائيل على البقاء فيها خلال التهدئة»، ما يفتح الباب أمام جدل واسع بشأن خريطة إعادة الانتشار، التي تمثّل العقبة الأكبر حالياً في المحادثات.
وتتمحور الخلافات الرئيسية حالياً، حول أربعة بنود:
1. رفض «حماس» ربط المساعدات الإنسانية بـ«مؤسسة غزة الإنسانية» الأميركية – الإسرائيلية، والرغبة في إعادة آلية توزيع المساعدات التابعة لمنظمات «الأمم المتحدة».
2. عدم التوافق على خرائط إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي خلال فترة وقف إطلاق النار، البالغة ستين يوماً.
3. اشتراط الاحتلال الحصول مُسبقاً على أسماء 10 من الأسرى الإسرائيليين المُزمع الإفراج عنهم، وهو ما ترفضه «حماس» قبل تسلّم قائمة الأسرى الفلسطينيين المقابِلة، وحسم خريطة الانتشار.
4. غياب الضمانات الأميركية بعدم استئناف الحرب بعد انتهاء الهدنة، حيث يعرض الجانب الأميركي وعوداً غامضة بأن يعمل ترامب على وقف الحرب من دون التزام رسمي.
وفي هذا السياق، كشف المبعوث الأميركي عن تقلّص نقاط الخلاف من أربع إلى نقطة واحدة فقط، مُعرباً عن أمله في الوصول إلى اتفاق في نهاية الأسبوع. ووفقاً لما نُقل عن مصادر أميركية، فإن ويتكوف لن يتوجّه إلى الدوحة قبل «تحقيق توافق كامل بين الطرفين»، مع احتمال إنهاء المحادثات خلال الأيام القليلة المقبلة. وفيما ذكرت «القناة 12» العبرية أن النقطة المتبقّية تتعلّق بمكان بقاء الجيش الإسرائيلي خلال التهدئة، وتأثير ذلك في توزيع المساعدات، أكّدت «القناة 15» أن العائق الوحيد أمام إعلان الاتفاق هو «خرائط الانتشار».