بعد أموال الدعم.. جاء دور “صيرفة”: “المال” تطلب من “المركزي” معلومات عن المستفيدين

كتبت سلوى بعلبكي في النهار:
تحاول الدولة من خلال وزارة المال، استعادة ما يمكن من الأموال المهدورة، سواء من خلال الدعم المشؤوم، أو بالاستغلال الذي أصاب “دولارات” صيرفة، متحدية البيروقراطية “المشبوهة” التي تضع العصي في دواليب تنفيذ القوانين ذات الصلة، وتؤخر استعادة الدولة لمئات الملايين من الدولارات التي أفاد منها تجار ومصارف وشركات كبرى.
الرهان على عامل الوقت، أو احتمال نسيان الدولة للموضوع، كانا الدافع وراء عدم استجابة الغالبية الساحقة من المكلفين الذين لم يبادروا إلى التصريح عن حجم استفادتهم من “صيرفة”، تمهيدا لدفع ضريبة الـ17 في المئة المفروضة على الأرباح.
الاستمرار في تغاضي الدولة عن تحصيل حقوقها لم يدم، وها وزارة المال أعادت تفعيل القانون وبادرت إلى مراسلة مصرف لبنان، لتنسيق عملية بناء الـ”داتا” الشاملة الموجودة لدى المصارف، والتي تقاعست سابقا عن تقديم أسماء المستفيدين من زبائنها إلى وزارة المال، وحركة العمليات التي نفذتها لمصلحتهم عبر منصة “صيرفة”.
مصرف لبنان بدوره، سيعكف على التحقق من المعلومات مع المصارف، واستخراج “داتا” منصة “صيرفة” المخزنة في ذاكرة النظام التقني والتكنولوجي الذي أديرت المنصة من خلاله، لتزويد الدوائر الضريبية في وزارة المال لوائح أسماء المستفيدين، وقيمة الإفادة ووجهتها.
عند إقرار موازنة 2024 التي تضمن قانونها ضريبة 17% على المستفيدين من “صيرفة”، كانت أقصى التوقعات تقدّر العائد بنحو نصف مليار دولار، فيما تشير معظم التقديرات حاليا إلى أنه لن يتعدى 200 إلى 250 مليون دولار، اللهم إذا التزم المكلفون تسديد ما عليهم من دون مواربة بالأرقام أو التهرب، توازيا مع حزم الدولة والدوائر المعنية في مصرف لبنان ووزارة المال أمرها، والمبادرة إلى تفعيل التدقيق والتحصيل على حد سواء.
فبعد تحرك وزارة المال المتعلق بإخضاع المستفيدين من دعم الحكومة للدولار الأميركي، أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية، للتدقيق الجنائي الخارجي، تستعد الوزارة ليشمل قرارها استعادة أموال الدولة والمودعين المستفيدين من “صيرفة” التي وجدت أصلا لتحسين أوضاع موظفي القطاع العام، وضبط الانفلات في سعر الصرف في ذلك الوقت.
والمعلوم أن أبرز المستفيدين من “صيرفة” هم التجار وأصحاب المهن والمتمولون وكل من كان لديه فائض بالعملة اللبنانية في ذلك الوقت، كما استفاد موظفو القطاع العام (330 ألف موظف وعسكري ومتقاعد)، إذ دُفعت رواتبهم على سعر صيرفة.
وفي التفاصيل أنه بعد إقرار موازنة 2024، أصدرت وزارة المال قرارا حددت فيه “الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي تتناوله الـمادة 93 أعلاه، على أن يتم جمع قيمة كل العمليات التي نفذها ذلك الشخص على منصة “صيرفة” استنادا إلى التعميم رقم 161 الصادر عن مصرف لبنان خلال سنة 2021، والعمليات التي نفذها خلال عامي 2022 و2023. ويعتبر مشمولا بهذه الضريبة كل شخص تجاوز مجموع قيمة مشترياته من الدولارات على سعر الـمنصة الإلكترونية (صيرفة)، مبلغ 15 ألف دولار”.
وألزم القرار “الـمصارف التجارية العاملة ومؤسسات الصيرفة، التي تم تنفيذ عمليات وفقا للتعميم رقم 161/2021 من خلالها، أن تزود الإدارة الضريبية إلكترونيا المعلومات عن عمليات الصيرفة التي تمت لدى كل منها ضمن مهلة شهر من تاريخ نشر القرار، على أن تشمل المعلومات الاسم الثلاثي للشخص، ورقمه الضريبي، وعدد العمليات التي قام بها، وقيمة كل عملية وتاريخ تنفيذها”.
واستثنيت من الضريبة الاستثنائية الإضافية الفروق الـمرتبطة بالرواتب والأجور التي نتجت من عمليات شراء الدولارات وفقا للتعميم 161/2021.
إلا أنه بعد نحو عام ونصف عام من صدور القرار، تبين أن من صرح لوزارة المال عن الأرباح التي حققها عبر منصة “صيرفة” كان عددا محدودا جدا، كذلك لم تتجاوب المصارف كما يجب مع طلبات وزارة المال حيال تفاصيل هذه العمليات بحجة السرية المصرفية. لذا، لجأت الوزارة إلى مصرف لبنان لطلب كل المعلومات المتوافرة عن “صيرفة”. ووفق المعلومات فقد أبدى مصرف لبنان استعداده للتعاون السريع وإعطاء كل المعلومات التي سيتم طلبها من وزارة المال لتتمكن من فرض هذه الضريبة، وفقا للقوانين المرعية.
وقد شمل التعاون أيضا ملف الدعم، حيث تتعاون وزارة المال مع الوزارات المعنية ومصرف لبنان من أجل تحصيل الضريبة على كل من أفاد من الدعم.
ويتوقع أن ترفد هذه الضرائب الخزينة بملايين الدولارات، وهي في حاجة إليها من أجل تطوير القطاع العام والبنى التحتية، وإعادة رسملة مصرف لبنان ولو على مراحل، ليتمكن من استعمال هذه الأموال في إعادة حقوق المودعين تدريجا.
وفي حين لا تتوافر أرقام دقيقة، يتوقع أن يتخطى الربح الصافي الذي سيخضع للضريبة الاستثنائية والذي تم تحقيقه عبر منصة صيرفة (باستثناء موظفي القطاع العام ومن لديه عمليات دون 15 ألف دولار على صيرفة) المليار دولار، وتاليا يمكن أن يبلغ مجموع الضريبة التي سيتم استيفاؤها نحو 200 مليون دولار “فريش”.