من عين التينة إلى بعبدا… سلاح بيد الدولة

كتب جو رحال في نداء الوطن:
في مشهد نادر في السياسة اللبنانية، التقى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري على مبدأ سيادي حساس: حصرية السلاح بيد الدولة. هذا التقاطع السياسي لم يأتِ من فراغ، بل يعكس تحوّلًا عميقًا في مقاربة الملفات المصيرية، وقراءة متقدمة لمتطلبات المرحلة. فالرئيس عون، في استقباله رئيس مجلس العلاقات العربية والدولية محمد جاسم الصقر في قصر بعبدا، نوّه علنًا بـ ”دور الرئيس بري في تثبيت الاستقرار، ودعم إعادة بناء الدولة، وتحقيق مبدأ حصرية السلاح”، في رسالة ذات أبعاد سياسية داخلية وخارجية، تؤشر إلى أن صفحة جديدة قد فُتحت بين الرجلين.
وبالرغم من التباين الذي ساد علاقتهما عشية الاستحقاق الرئاسي، حيث وقفا على ضفّتين متقابلتين، إلا أن حكمة الرجال تتجلى في لحظة الترفّع عن الحسابات الضيقة، ووضع مصلحة الدولة فوق الاعتبارات الشخصية. هذا التلاقي السياسي اليوم لا يُقاس فقط بتبدّل النبرة، بل بمضمون الرسالة التي أراد الرئيس عون إيصالها بوضوح: إنه قائد البلاد الشرعي، يقود السفينة بحكمة واتزان، وعلى طريقته، لكن بثبات نحو برّ الأمان، دون أن يسمح لأحد أن يزايد عليه في السيادة أو الإصلاح.
في خلفية هذا اللقاء، تبدو الضغوط الدولية حاضرة بقوة. فالمجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يضع بند حصرية السلاح على رأس أولوياته تجاه لبنان. وقد جاءت زيارة المبعوث الأميركي توم براك، وما تسرّب عن مضمون ورقته، لتؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد ربطًا صريحًا بين أي دعم خارجي وبين قدرة الدولة اللبنانية على الإمساك بقرارها السيادي والأمني. وعليه، فإن التفاهم بين عون وبري، ولو بالحد الأدنى، على هذا العنوان، يُعدّ نافذة نادرة نحو تسوية لبنانية تبدأ من الداخل، وتحظى بغطاء خارجي مرحّب.
الرئيس بري، بخبرته الطويلة في إدارة الأزمات، يدرك حساسية الملف، ويعرف أن الزمن لم يعد لصالح الصيغ الرمادية. والرئيس عون، الآتي من خلفية عسكرية ومؤسسية، يدرك في المقابل أن استعادة الدولة تبدأ من ضبط السلاح واحتكار استخدامه الشرعي. وعندما يتقاطع الرجلان على هذا العنوان، فذلك لا يعني بالضرورة اتفاقًا نهائيًا، لكنه بالتأكيد يؤسس لمسار سياسي جديد يتقدّم بهدوء، ويتجنّب الصدام.
الرهان اليوم هو على البناء فوق هذا التفاهم، وتوسيعه ليشمل سائر القوى السياسية، وعلى رأسها “حزب الله”، من خلال طمأنة متبادلة، وضمانات سيادية، لا تستهدف أحدًا بل تُنقذ الجميع. فحصرية السلاح ليست شعارًا، بل شرط وجود لأي دولة قابلة للحياة.
باختصار، ما حصل بين عون وبري ليس تفصيلاً سياسيًا، بل لحظة تأسيسية قد تعيد تعريف موازين القوى، وتضع لبنان على سكّة الخروج من أزمته العميقة. إنها رسالة مزدوجة: للداخل بأن الرئيس يتصرّف كقائد مسؤول لا كطرف، وللخارج بأن لبنان مستعد للانتقال من المراوحة إلى القرار.