الرئيس جوزاف عون يزور الجزائر: تجديد لعهد الأخوّة بعد ربع قرن من الغياب

في 29 يوليو الجاري، يقوم الرئيس اللبناني جوزاف عون بزيارة إلى الجزائر، في خطوة طال انتظارها منذ ربع قرن، إذ لم تُعقد قمم ثنائية رفيعة المستوى بين البلدين منذ أكثر من 25 عامًا. وتأتي هذه الزيارة لإعادة الزخم إلى العلاقات التاريخية بين لبنان والجزائر، ولفتح آفاق جديدة من التعاون على مختلف المستويات.
العلاقة بين الجزائر ولبنان ليست وليدة اللحظة، بل تعود جذورها إلى أزمنة بعيدة، وتتجذر في قيم العروبة والتضامن والمصير المشترك. ويذهب البعض بعيدًا في التأريخ لهذه العلاقة، إلى زمن الفينيقيين الذين ركبوا البحر ووصلوا إلى شواطئ الجزائر لا غزاة، بل ناقلين للحضارة والهوية. ولعلّ هيبون (عنابة حاليًا)، إكوزيوم (الجزائر العاصمة لاحقًا)، وتيبازة خير شاهد على ذلك.
تاريخ من الوصل لم ينقطع؛ فقد كان لبنان من أوائل الداعمين للثورة الجزائرية ونيل “بلد الشهداء” استقلاله من الاستعمار الفرنسي. وفي المقابل، ردّت الجزائر الجميل في ثمانينيات القرن الماضي حين دعمت لبنان في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي لأول عاصمة عربية، وقدّمت دعمًا على كل المستويات. ولا يعلم كثيرون أن آلاف الطلاب اللبنانيين حصلوا على منح دراسية في الجزائر خلال الحرب الأهلية، وعادوا إلى وطنهم أطباء ومهندسين وصيادلة ومهنيين في شتى القطاعات.
ولطالما كانت الجزائر داعمًا فعليًا وفاعلًا للبنان في أزماته المتلاحقة، سواء خلال الانهيار الاقتصادي، أو بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، إذ كانت من أوائل الدول التي سارعت إلى إرسال مساعدات إنسانية وطبية. كما أن تدخل الجزائر الحاسم عبر شركة “سوناطراك” كان له دور محوري في تأمين الوقود لتشغيل محطات الكهرباء اللبنانية، وسط أزمة طاقة خانقة هددت الحياة اليومية للبنانيين.
ومن أبرز محطات هذا التضامن العربي الأخوي، ما قاله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في قمة عربية سابقة، حين أكد أن “الجزائر لن تترك لبنان وحده، وستبقى إلى جانبه في كل الظروف”، مشددًا على أن وحدة لبنان واستقراره من أولويات الجزائر السياسية. هذا الموقف لم يكن استثناءً، بل تأكيدًا على نهج جزائري ثابت في دعم القضايا العربية من دون مقابل أو أجندات.
وتُعد زيارة الرئيس جوزاف عون فرصة لتفعيل الاتفاقيات الثنائية، وإحياء اللجنة العليا المشتركة بين البلدين، التي يمكن أن تفتح آفاقًا للتعاون في قطاعات الكهرباء، والطاقة، والتعليم، والثقافة، والاستثمار. كما تعكس الزيارة حرص لبنان على توطيد علاقاته بدولة شقيقة مثل الجزائر، لطالما وقفت إلى جانبه بصمت وصدق.
الجزائر اليوم تُثبت مرة أخرى أنها الحاضرة بقوة إلى جانب لبنان، من دون قيد أو شرط، خلافًا لما جرت عليه العادة مع بعض الدول الأخرى. ومن هنا، فإن هذه الزيارة ليست مجرد محطة دبلوماسية، بل هي تجديد لعهد الأخوة، وإعادة اعتبار لمسار ثنائي كان يستحق منذ زمن أن يُفعّل ويُبنى عليه مستقبل أفضل.
وتبقى الأنظار موجهة إلى ما بعد الزيارة، وكيف ستُترجم مفاعيلها على أرض الواقع، في ظل دور محوري لعبه السفير الجزائري في لبنان، كمال بو شامة، الذي عرف بيروت منذ ثمانينيات القرن الماضي، وساهم في رفع منسوب حرارة العلاقات بين البلدين، عبر زيارات متكررة إلى القصر الجمهوري في بعبدا وتنسيقٍ دقيق لتفاصيل هذه الزيارة التاريخية.
إرتكاز نيوز