لبنان

بطريرك اللاتين في قداس من إهدن: أملنا قوي بالقيامة القريبة وعودة السلام والطمأنينة

ترأس بطريرك اللاتين فؤاد طوال قداس الأحد في كنيسة مار جرجس – إهدن، بمشاركة المونسنيور اسطفان فرنجية ، وخدم القداس المرنّم باسكال اسكندر، في حضور حشد من المؤمنين.

بعد الإنجيل، ألقى عظة قال فيها: “شكرا على هذه المناسبة الحلوة نجتمع معكم نلتقي مع بعضنا البعض، نصلي لبعضنا البعض. قرأنا في إنجيل القديس لوقا كلمات جميلة معزية عندما يقول السيد المسيح لكل واحد منا ولنا جميعا: لا تخف أيها القطيع الصغير، لا تخف، حسبنا لدى أبيكم أن ينعم عليكم بالملكوت. بالفعل نحن قطيع صغير مقارنة بالشعوب التي تحيط بنا. قطيع صغير وعددنا يزداد قلة بسبب الهجرة وبسبب الظروف الصعبة التي نواجهها. عدد قليل الأمناء لله، الأمناء للكنيسة، الأمناء للعائلة والصداقة، حتما دوما عددهم قليل. حتى في الدول الغربية التي تسمي نفسها دول مسيحية، القطيع الصغير هو القطيع الأمين لله والكنيسة والعائلة والصداقة. أهمية المواطن والمواطنين الأمينين لا تقوم على كثرة أو قلّة عددهم بل على النوعية والسلوك وإصالة المعدن والإنسان. نحن هنا قوتنا ليس بالعدد، قوتنا بالنوعية والسلوك والإيمان والأمانة لله والعائلة والكنيسة”.

وتابع: “ما سمعناه من يسوع بكلمة “لا تخاف أيها القطيع الصغير” يبعث في كل واحد منا الأمل في زمن الضياع والخوف حاليا، الأمل بزمن أفضل، بوقت أفضل، وسياسة أفضل. لا تخاف. الخوف كان وما زال خبزنا اليومي، الخوف كان وما زال علامة زماننا وعصرنا. اليوم الخوف مسيطر على عقولنا وعلى قراراتنا اليومية. الحكومة تخاف من المواطنين، والمواطنون يخافون من الحكومة ومن المحاكمة وإلى آخره. الأخبار اليومية تزيد من وطأة الخوف عند المواطنين، الحروب الدائرة في أوروبا وغزة، وجو الحرب والخوف والضغط في لبنان هنا في فلسطين والأردن يزيد المواطن المسيحي خوفا من حاضر صعب ومستقبل مجهول”.

أضاف: “الإنسان خائف من أزمات المناخ الذي فلت من أيدينا وما ينتج عنها من كوارث طبيعية كالحرائق العديدة أو ذوبان الجليد أو اختلاف الطقس أو الحرارة كما وضعنا هذه الأيام. الإنسان خائف من نوبات وأمراض جديدة معدية، ومن النتائج المتأخرة لمرض الكورونا، خائف من الحاضر الصعب، خائف من المستقبل المجهول، خائف على مصيره وعلى مصير أبنائه. خائف من غلاء الأسعار والمعيشة. نعم، من منا لا يخاف؟ نكبر في الخوف، نسير ونفرح وفي داخلنا جرس خوف يقرع”.

وقال: “في ظل هذه المخاوف على أنواعها نفتش عن سند، عن دعم، عن قوة تحمينا، عن ملجأ حماية نختبىء فيه. فهل هذا الملجأ موجود وفي متناول اليد؟ نعم، هناك ملجأ حصين للمجموع ككل، ولكل عائلة، ولكل فرد، ولكل أم وأب، عندنا ملجأ حصين يمكننا الاحتماء به ألا وهو حضور الله في حياتنا. الله هو القائل: لا تخاف أيها القطيع الصغير. وحضور من يضعهم أمامنا في طريقنا من كهنة وقديسين ومن الناس الطيبين. وهنا في لبنان عندنا أفضل ملجأ: سيدة حريصا، سيدة لبنان، سيدة زغرتا. يكفينا أن ننشد “يا أم الله يا حنونة” كي نشعر بالحماية والقوة لنتابع الطريق، لنتابع المسيرة مهما كانت الظروف صعبة ومهما كبر الصليب على عاتقنا”.

وتابع: “لقد قلت أكثر من مرة إن كنيستنا، كنيسة الشرق الأوسط، كنيسة لبنان، كنيسة القدس، كنيسة الأردن، هي كنيسة الجلجلة، هي كنيسة الآلام. والقيامة والقبر الفارغ لا يبعدان عن الجلجلة، وأملنا قريب وأملنا قوي أنه عن قريب ستأتي القيامة ويرجع السلام وترجع الطمأنينة ويرجع حب الأخوة ونعيش بالسلام كما طلب منا السيد المسيح: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والمثقلين وأنا أريحكم”. كلنا متعبون وكلنا مثقلون بالهموم. لا تخف أيها القطيع الصغير، تتكرر كلمة “لا تخف” في الكتاب المقدس حوالى 360 مرة، أي تقريبا كل يوم لدينا وصية لا تخف. وهذا يعني أن الله يقف إلى جانب حياتنا، يقف إلى جانبنا كلما ثقل الصليب علينا، وإن كان الله يحبنا من جهة، وإن كنا نحن متحدين معه وتحت ستر حماية العذراء سيدة لبنان، فإذا كان الله معنا ونحن معه فلا خوف علينا”.

أضاف: “لنستمع من الإنجيل بعض آيات تعطينا الأمل والرجاء والفرح. نقرأ بالإنجيل: لا تخف يا زكريا، لا تخافي يا مريم، لا تخف يا يوسف أن تأخذ امرأتك مريم. ويسأل المسيح تلاميذه ويسأل كل واحد منا: لماذا أنتم خائفون يا قليلي الإيمان؟ لا تخافوا أنا هو، لا تخافوا أنا غلبت العالم، غلبت الشر. لا تخافوا أنتم أفضل من عصافير كثيرة، لا تخافوا أنا معكم حتى انقضاء العالم. فمن كان الله معه فمن عليه؟ مما لا شك فيه أن الصلاة والالتجاء إلى الله وإلى أمنا مريم العذراء إبان المحن هما حبل النجاة من الغرق في الخوف اليومي الذي يترصدنا في كل زاوية”.

وقال: “سمعنا في القراءة اليوم العطايا الكثيرة، الوزنات الكثيرة التي يعطينا الله. ومن أعطي كثيرا يطلب منه الكثير، ومن ائتمن على الكثير يطالب بأكثر. تركز هذه الكلمات على فكرة المسؤولية والمساءلة، فالشخص الذي أعطي مواهب أو قدرات أو موارد أكثر من غيره، يتوقع منه أن يستخدمها لمصلحة الخير العام ويقدم أكثر للعائلة وللمجتمع، لأن الوزنات الإلهية التي أعطيت لكل شخص منا ليست مجرد امتيازات بل هي أمانات يجب استخدامها بحكمة ومسؤولية”.

وتابع: “وزنات أعطيت في العالم السياسي، وأعطيت في الكنيسة، وأعطيت في الدولة. من أخذ هذه الوزنات يتحمل مسؤولية هذه السلطة واستخدامها في خدمة الآخرين. الرب يفرح عندما يقابل الأمانة بأمانة، عندما نقابل أمانته ومحبته وغفرانه بأمانتنا من جهتنا. يفرح الرب عندما يرى أن من سلمهم الرعاية في الكنيسة أو الحكومة أو العائلة يقومون بما عليهم من واجبات بحب وغيرة وكرم. يفرح الرب ويقيم الخادم الصادق الأمين على جميع مقتنياته لأنه لم يتأخر في إنجاز العمل الذي أؤتمن عليه. كنت أمينا في القليل، أنت فلان وفلان وفلان، كنت أمينا في القليل، أدخل إلى فرح ربك”.

وختم: “يا رب أنا فلان وفلان وفلانة وكل واحد منا سلمتني أمانة، سلمتني وزنة، وضعتني في مكان مسؤولية مهما كانت بسيطة، في الكنيسة، في المجتمع، في العائلة، في بيتي، في عملي، كل من اؤتمنا على خدمتهم مهما كانوا هم ثمينون في عينيك يا رب وغاليون على قلبك كما أنا، مهما كان ضعفي وحدودي، أنا غال عليك، متّ لأجلي. أعطني اللهم أن أعمل بصدق وجدية وأمانة لأتمم ما علي بحسب إرادتك وأمجد اسمك القدوس وخلاص كل أفراد العائلة. أيها الإخوة، بالأخير نترك اليوم أهدن وقلبنا مليء بأجمل الذكريات. نترك لبنان بعد ثلاثة أيام، إن شاء الله نبقى على سنة متواصلة بالصلاة. نصلي لله، نصلي لأم الله كي يعم السلام في البلد ويعم السلام في قلوبنا وفي عائلتنا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى