اتفاق باكو – يريفان: “وصاية” أميركية على القوقاز

محمد نور الدين- الأخبار:
أكّد الرئيس الآذربيجاني، إلهام علييف، أن الاتفاق الموقّع بين باكو ويريفان وواشنطن، ليس اتفاق سلام؛ وأنه لبلوغ ذلك، ثمّة شروط تضعها بلاده، ينبغي أن تتحقَّق. ومع أن علييف عدَّ الاتفاق «تاريخياً»، فهو رأى أنه ينقصه «قيام أرمينيا بعمل ما، ليتحوّل إلى اتفاق سلام فعليّ»، أي أن «تحذف من دستورها كلّ ما يشير إلى مطامع في أراضي آذربيجان». وفي هذا الجانب، تلفت صحيفة «آغوس» الأرمنية الصادرة في تركيا، إلى أنه لا يرد ذكر لقره باغ في الدستور الأرمني، بل في نصّ إعلان الاستقلال. ومع ذلك، «يستعدّ (رئيس الوزراء الأرميني نيكول) باشينان لتعديل الدستور، متذرّعاً بمبرّرات مختلفة، ولإجراء انتخابات نيابية السنة المقبلة لتجديد شرعيته».
وفي حين تتباين التعليقات في الصحافة التركية والأرمنية حول الاتفاق، يقول محمد علي غولر، في «جمهورييات»، إن الإعلان الذي وقّعه زعماء الدول الثلاث هو بمثابة «خارطة طريقِ إدخال الولايات المتحدة إلى القوقاز». فالمادة الثالثة منه، والتي تنص على تحويل «ممرّ زينغيزور» إلى «ممرّ ترامب، هي، بحسب الكاتب، «إسفين في القوقاز، وقيد على أرمينيا وآذربيجان. أمّا ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام بسبب هذا الإسفين والقيد، فهو عيب تاريخي»، فضلاً عن أن الإعلان نفسه «تخريب لصيغة 3+3 القائمة، والتي اقترحتها طهران منذ التسعينيات ومن ثمّ اقترحتها تركيا حديثاً، وتضمّ آذربيجان وأرمينيا وجورجيا+روسيا وتركيا وإيران».
ويلفت غولر إلى أن خريطة الطريق تقطع الصلة بين الشمال والجنوب، أي بين روسيا وإيران، فضلاً عن أنها تستهدف التشويش والتخريب على مبادرة «الحزام والطريق» الصينية. كذلك، «تسعى الولايات المتحدة، عبر هذا الإعلان، لتعزيز الرابطة الأذربيجانية – الإسرائيلية، وبالتالي التحالف التركي – الإسرائيلي – الآذربيجاني، في سياق مشروع الشرق الأوسط، وهدفه النهائي تطويق إيران، كما سيعزز الاتفاق تحويل نظر تركيا إلى الشرق ليكون الممرّ طورانيّاً – أميركيّاً».
أيضاً، سيتدفّق عبر الممرّ النفط والغاز في آذربيجان وبحر قزوين، إلى أوروبا وسوريا وإسرائيل، لتكون الأخيرة مركز طاقة بالنسبة إلى القوقاز والخليج وشرق المتوسط. باختصار، يصبح الاتفاق، وفقاً للكاتب، «جسر سلام إمبريالي تأسَّس من أجل الحرب الكبرى القادمة».
من جهته، يرى إبراهيم كيراس، في صحيفة «قرار»، أن حلّ قضيّة «ممرّ زينغيزور»، بعد تحرير آذربيجان لقره باغ، يُعتبر «صدعاً جيوسياسيّاً كبيراً»، إذ إن الممرّ «هو كل شيء، وهو أهمّ لكلّ الدول من مسألة قره باغ. الآن، وبهذا الإعلان، انكسر القفل الذي كان يغلق الطريق بين تركيا وآسيا الوسطى، وتحرّرت أرمينيا من الهيمنة الروسية، وانفتحت على العالم»، مذكّراً بأن روسيا وافقت، في عام 2020، على فتح الممرّ تحت إشرافها، ولكنها ماطلت في ذلك. أمّا ترامب، «فقد استغلّ اللحظة الإقليمية والعالمية وأطلق اسمه على الممرّ، الذي ستحتكره الشركات الأميركية لمدّة 99 عاماً».
أما الكاتب في «آغوس»، يتفارت دانزيكيان، فيعتقد أنه «عمليّاً، أصبحت روسيا خارج المعادلة، وحلّت محلّها أميركا عبر شركاتها الخاصة. وهذا الحلّ أعاق خطّة آذربيجان للهجوم على أرمينيا بذريعة الممرّ»، في حين يقول يالتشين باير، في صحيفة «حرييات» الموالية، إن «البعض يرى في اتفاق السلام الأوّلي، مبادرةً أميركية – إسرائيلية تهدّد إيران. لكنّ آخرين يرونه مدفعاً أميركياً موجّهاً نحو حدود تركيا الشرقية، وفخاً نُصب لتركيا من دون أن تشارك في الاتفاق. وبالتالي، هي لعبة تلحق الضرر بأنقرة التي كانت وراء فكرة فتح الممرّ بعد حرب عام 2020».
وأخطر ما في الاتفاق، بحسب الكاتب، «الدعوة إلى حلّ مجموعة مينسك، إذ إن ذلك يلغي التوازن القائم في المنطقة ليحلّ محلّه التفرّد الأميركي، كما أنه ينهي الاحتكار الأمني لروسيا هناك. ولكن من يظنّ أن روسيا تبخّرت من المنطقة، ينسى أنه في الجغرافيا السياسية تعود الأشباح دائماً للانتقام. لننظر الآن إلى البروتوكولات الخفيّة في الاتفاق. هذا ليس اتفاق سلام بل إعلان عن القائد الجديد في القوقاز».