لبنان

الأمم المتحدة توثّق أحداث الساحل: قتل ممنهج وجرائم حرب

عامر علي- الأخبار: 

خلص تقرير مؤلّف من أكثر من مئة صفحة، أعدّته لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة، حول المجازر التي شهدها الساحل السوري في آذار الماضي، إلى أنّ ما جرى يرقى إلى «جرائم ضد الإنسانية» و«جرائم حرب». ويشير التقرير الذي صدر أمس، إلى أنّ معدّيه أجروا أكثر من 200 مقابلة مع ضحايا وشهود، وزاروا ثلاث مقابر جماعية، ووثّقوا أكثر من 1400 حالة قتل «خارج نطاق القانون»، استهدفت في معظمها رجالاً وشباباً من مجموعات إثنية محددة.

ويؤكد أن ما سماه القوات الحكومية، إلى جانب جماعات مسلحة غير حكومية، شاركت في انتهاكات ممنهجة، لافتاً إلى تورّط مقاتلين أجانب وعناصر من «فرقة السلطان سليمان شاه» و«فرقة الحمزة» و«أحرار الشام»، وفصائل كانت مرتبطة سابقاً بـ«هيئة تحرير الشام»، في تلك الانتهاكات، علماً أن جميع الفصائل المذكورة تتبع فعلياً لهيكلية وزارة الدفاع الناشئة. وفي الوقت نفسه، يتحدث التقرير عن تورّط مسلّحين موالين للنظام السابق، وأفراد مجهولي الهوية يتحدث بعضهم بلهجات سورية في هذه الأعمال. كما يذكر أن قوات الحكومة الانتقالية تدخلت، في بعض الحالات، لوقف الانتهاكات وإجلاء المدنيين، غير أنّ عناصر من فصائل معيّنة، دُمجوا لاحقاً في قوات الأمن، تورّطوا في ممارسات مخالفة للقانون.

ويحاول التقرير تتبّع تسلسل الأحداث منذ بدايتها، مبيّناً أنّ بعض أعمال العنف سبقت الاشتباكات التي وقعت في السادس من آذار، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن هذه الأخيرة تسبّبت في مقتل عدد من عناصر الأمن، قبل أن تستنفر قوات الحكومة الانتقالية وتنضم فصائل عدة إليها للمشاركة في الهجوم على القرى الساحلية، التي شهدت عمليات قتل على خلفية طائفية. وإلى جانب ذلك، يركّز التقرير، بشكل واضح، على الانتهاكات بحقّ النساء والأطفال، ولا سيما عمليات خطف النساء العلويات، مبيناً أنّ الأسابيع التي سبقت أحداث آذار وتلتها شهدت اختطاف ما لا يقلّ عن ست نساء علويات في محافظات عدة، ما يزال مصير اثنتين منهن مجهولاً، وسط تلقّي تقارير موثقة حول اختطاف عشرات النساء العلويات الأخريات.

ويذكر أنّه «في إحدى الحالات اختطف ملثمون يرتدون ملابس وعصائب مكتوباً عليها “لا إله إلا الله” امرأة من الشارع، وعرّضوها للاغتصاب الجماعي والضرب المبرح والإهانات الدينية، ثم تم “بيع” الضحية لرجل كبير في السن قام بتقييدها جسدياً ثم تزوجها قسراً، وبعدها تعرضت للاغتصاب والضرب المتكرر وشتائم من مثل: نصيرية، عاهرة وخنزيرة».

كما يتحدث التقرير عن إطلاق رجال مسلّحين على النساء العلويات أوصافاً من قبيل «عبيد» و«غنائم حرب»، أو «أُمرن بالذهاب إلى إدلب للاستعداد للجهاد». ويتابع أنه «في أحد الحوادث سُمع رجال مسلحون في تل سلحب في ريف حماة، يهتفون: اسمعوا أيها العلويون، سنقتل أطفالكم ونغتصب نساءكم، سنقتل أطفالك».

كما تم تهديد نساء في الرصافة (في ريف حماة) والصنوبر (في اللاذقية) بالعنف الجنسي وأخذهن كسبايا، بعدما أعدم المسلحون أقاربهن الذكور. ومن بين هؤلاء امرأة تعرضت للاغتصاب المتكرر والضرب المبرح والإهانات الدينية من قبل مسلحين وصفوها بأنها «غنيمة حرب»، واستمرّوا في الاعتداء عليها أياماً عدة.

ويؤكّد التقرير الأممي أن أعمال العنف استهدفت، في المقام الأول، المجتمعات العلوية، وبلغت ذروتها في مجازر وقعت في أوائل آذار. وشملت تلك الأعمال القتل والتعذيب والأفعال اللاإنسانية المتعلقة بمعاملة الموتى، والنهب على نطاق واسع وحرق المنازل، ما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من المدنيين؛ علماً أن بعض هذه الجرائم المروّعة تم تصويرها ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويذكر التقرير في وصفه ما جرى أنه «تم تحديد الرجال الذين ينتمون إلى الطائفة العلوية، ثم فصلهم عن النساء والأطفال قبل اقتيادهم إلى الخارج لإطلاق النار عليهم وقتلهم». ويتابع: «تركت الجثث في الشوارع لأيام، ومُنعت العائلات من دفنها وفقاً للطقوس الدينية، بينما دُفن آخرون في مقابر جماعية من دون توثيق سليم». ويزيد أن ذوي الضحايا لم يتمكنوا من الحصول على وثائق رسمية تثبت وفاة أقربائهم، وذلك بسبب توقف العمل في السجل المدني.

ويقلّل التقرير الأممي، بشكل غير مباشر، من أهمية التقرير الذي أعدته لجنة تحقيق خاصة شكلها الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، وقامت بنشر نتائجها الشهر الماضي؛ إذ ذكر أنه «باستثناء بعض الشهود الذين قابلتهم لجنة التحقيق الوطنية التي أنشأتها الحكومة المؤقتة، فإن معظم الشهود لم يكونوا على علم بأي تحقيقات أو اعتقالات من قبل السلطات المحلية لمن يُزعم أنهم مسؤولون عن هذه الجرائم».

ومن جهته، أكد رئيس جنة التحقيق الأممية، باولو سيرجيو بينهيرو، أن «حجم العنف الموثق في تقريرنا ووحشيته أمر مقلق جداً»، داعياً «السلطات المؤقتة إلى ملاحقة جميع الجناة، بغض النظر عن انتماءاتهم أو رتبهم». وطالبت المفوضة لين ويلشمان، بدورها، السلطات باتخاذ «إجراءات عاجلة لتعزيز حماية» المجتمعات المتضررة، و«فصل الأفراد المشتبه في تورطهم (…) على الفور من الخدمة الفعلية في انتظار التحقيق».

وفي ردود فعل متوقعة على التقرير، رحّب وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية، أسعد الشيباني، به، ورأى أنه يتوافق مع نتائج تقرير لجنة تقصي الحقائق الوطنية المستقلة، وفق تعبيره، مشيراً إلى أن لجنة التحقيق الدولية حصلت، في آذار الماضي، على وصول غير مسبوق ومن دون قيود إلى المناطق الساحلية المتأثرة بالعنف.

كذلك، رحّب المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، بالتقرير الذي اعتبره «خطوة جادة نحو معايير قابلة للتحديد والتتبع لمسؤولية الحكومة السورية، والشفافية والمساءلة»، متابعاً أن «هذا إنجاز قابل للقياس والتحديد»، مشدداً على أن «سوريا الموحدة تتطلب العدالة». وفي منشور على منصة «إكس»، حاول برّاك امتصاص الآثار العنيفة لنتائج التقرير، وذلك في سياق الدعم الذي تمحضه بلاده للإدارة السورية الجديدة؛ إذ دعا إلى «بعض الصبر المنضبط من العالم»، وفق تعبيره.

والجدير ذكره، هنا، أن صدور التقرير، وما تضمّنه من توثيق لجرائم ممنهجة على خلفية طائفية، ثبت تورط فصائل وعناصر تابعين للسلطات الانتقالية فيها، يأتي وسط سلسلة من المتغيرات الدولية، أبرزها اشتداد الصراع التركي – الفرنسي، وذلك التركي – الإسرائيلي على الأرض السورية، إلى جانب حالة «الاستعصاء الميداني» في شمال شرق البلاد وجنوبها.

ومن شأن هذا التطور أن يضيف مطبات جديدة على طريق محاولة واشنطن تسويق إدارة الشرع، في وقت بدأت فيه الأمم المتحدة تستعيد حضورها في الملف السوري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى