أصابع لاريجاني وسلام: تشابك… واشتباك

كتب عماد مرمل في الجمهورية:
تكاد تكون الزيارة الأخيرة للأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبيروت مغايرة في الشكل والمضمون عن كل ما سبقها من زيارات له أو لمسؤولين إيرانيِّين آخرين، وذلك بفعل ما واكبها من «مؤثرات» بصرية وسمعية في لحظة مفصلية يمرّ فيها لبنان.
هذه المرّة، أتى لاريجاني على وقع أصداء قرار مجلس الوزراء بسحب سلاح «حزب الله» وحصره في يَد الدولة، ووسط حملة حادة تتعرّض لها طهران من جهات سياسية ورسمية على حدٍّ سواء، إلى درجة أنّ وزير الخارجية، المعني انطلاقاً من موقعه الديبلوماسي بإبقاء خيوط التواصل ممدودة مع الآخرين، كان في طليعة المعترضين على مجيء نظيره الإيراني إلى لبنان.
وإذا كانت القوى المعارضة لطهران قد حاولت محاصرة مهمّة لاريجاني بمواقف تصعيدية وغير مرحّبة به، فإنّ القوى المؤيّدة لها، خصوصاً «حزب الله» وحركة «أمل»، بادرت إلى فرض وجودها وتظهير مشهد مضاد من خلال تنظيم استقبالات شعبية للضيف الإيراني في أكثر من مكان ومحطة، وكأنّ المقصود إيصال رسالة إلى مَن يهمّه الأمر مفادها أنّ «الكلمة على الأرض لنا ولكم الكلام على المنابر».
وانعكاساً لهذا الإنقسام الداخلي حول تعريف الدور الإيراني، سمع لاريجاني من مضيفَيه الرسميَّين لغتَين مختلفتَين، الأولى عكسها رئيسا الجمهورية والحكومة اللذَان أبلغا إليه امتعاضهما من التصريحات الإيرانية الأخيرة، وتمسكهما بتنفيذ قرار الحكومة حصر السلاح في يد الدولة في اعتباره قراراً سيادياً. أمّا اللغة الثانية، فسمعها لاريجاني من «صديقه وأستاذه» رئيس مجلس النواب نبيه بري، وفق توصيف الزائر الإيراني.
والأكيد أنّ رئيس المجلس النيابي تلاقى مع ضيفه على مقاربة المخاطر التي تهدّد المنطقة ولبنان بفعل العدوانية الإسرائيلية المتمادية والمتفلّتة، كذلك شرح له كواليس اتخاذ قرار سحب السلاح وموقف «الثنائي الشيعي» منه.
ولعلّ اللقاء الأهم هو الذي عقده لاريجاني مع الأمين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم بعيداً من الأضواء وعدسات الكاميرات، فتشاور الحليفان في تحدّيات هذه المرحلة وفي خيارات التعامل معها.
لكنّ اللافت في سلوك لاريجاني خلال وجوده في ببروت، أنّه بدا حريصاً على احتواء العاصفة التي واجهته، ولو من خلال إشارات رمزية وشكلية، إذ تعمّد أن ينشر عبر صفحته على منصة «إكس» صورتَين وديّتَين له مع الرئيس نواف سلام، تُظهر تشابك أصابع أيديهما أثناء توجّههما إلى قاعة الاجتماع، فيما ركّز خصوم إيران في المقابل على تعميم صورة «الإشتباك» التي يبدو سلام فيها عابساً ومتجهّماً.
وأبعد من دلالات الشكل، حملت زيارة لاريجاني رسائل سياسية واستراتيجية عدة، أهمّها أنّ طهران ترفض الإستفراد بالمقاومة في لبنان أو محاصرتها، وهي تريد عبر إعادة تفعيل حضورها على الساحة اللبنانية تحقيق نوع من التوازن مع الدور الأميركي المتعاظم، الذي عكسته بوضوح ورقة الموفد توم برّاك.
ويلفت العارفون إلى أنّ التصريحات المتلاحقة التي صدرت عن مسؤولين إيرانيِّين أخيراً دعماً لـ«حزب الله» ورفضاً لسحب سلاحه، إنّما كانت في سياق ترجمة قرار سياسي إيراني بالعودة القوية إلى ساحات الإقليم من بوّابتَي العراق ولبنان، بعد فترة من الإنكفاء فرضتها الحرب الإسرائيلية – الإيرانية وتداعياتها.
ويشير هؤلاء إلى أنّ سكوت طهران أو سكونها لبعض الوقت، أعطى انطباعات مغلوطة عن حقيقة وضعها، وشجّع على تصعيد الحملة ضدّ حلفائها وفي طليعتهم «حزب الله»، فكان الخيار بالهجوم السياسي المضاد عبر التصريحات العالية السقف وحضور لاريجاني شخصياً إلى لبنان لمحاولة تصحيح الخلل في ميزان القوى.
ويُنقل عن أوساط قريبة من طهران تأكيدها أنّ إيران لم تخسر الحرب مع تل أبيب، بل خرجت منها منتصرة ربطاً بصمود النظام في مواجهة محاولة إسقاطه، وقدرته على استعادة المبادرة وإيلام الكيان الإسرائيلي، ولذا توجّب على الإيرانيِّين، في رأي تلك الأوساط، «تسييل» هذا الإنجاز في استراتيجيّتهم الديبلوماسية، ولعلّ هذا ما سعى لاريجاني إلى فعله في لبنان.