حَجَرٌ قضائي في المياه الراكدة.. هل تبدأ عودة الأموال المحولة؟

كتب عماد مرمل في الجمهورية:
اختار المدّعي العام المالي القاضي ماهر شعيتو أن يكون القرار الأول له بعد تعيينه في منصبه الجديد، متصلاً بملف الأموال المحولة إلى الخارج، الأمر الذي انطوى على دلالات وإشارات عدة، بعد سنوات من المراوحة في هذا الملف.
وَرَدَ في قرار القاضي شعيتو قبل أيام، انّه «بناءً على تحقيقات حالية، كلّف الأشخاص الطبيعيين والمعنويين ومنهم مصرفيون، بإيداع مبالغ في مصارف لبنانية تساوي المبالغ التي قاموا بتحويلها إلى الخارج خلال الأزمة المصرفية والمالية التي مرّت فيها البلاد وبذات نوع العملة، بهدف إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني، وذلك خلال مهلة شهرين، بإشراف النيابة العامة المالية ووفقاً للشروط التي تضعها».. فهل يفعلها النائب العام المالي ويتمكن من إلزام مهرّبي أموالهم بإعادتها إلى لبنان؟ أم سيكون قراره ممنوعاً من الصرف؟
الأكيد أنّ من شأن حجر شعيتو، على الأقل، أن يحرّك المياه الراكدة في «مستنقع» الأموال المحولة، التي تعكس بالدرجة الأولى مخالفة أخلاقية أكثر منها قانونية، في اعتبار أنّ أصحابها استثمروا نفوذهم وسلطتهم لإخراج مبالغ طائلة عائدة اليهم من سفينة القطاع المصرفي عندما كانت تغرق في تشرين الأول 2019، وتحويلها إلى ملاذ آمن في الخارج، فيما المودعون الآخرون لم يملكوا هذا الإمتياز، وبقيت ودائعهم محتجزة على متن السفينة الغارقة التي ارتطمت بقعر عميق، ما ينسف مبدأي المساواة والعدالة، ويفرز أصحاب الودائع بين من هم بسمنة ومن هم بزيت.
اما على المستوى القانوني المحض، فإنّ تحويل الأموال إلى الخارج ليس مصنّفاً كجرم مكتمل الأركان في ظل غياب قانون «الكابيتال كونترول»، الذي كان يفترض أن يصدر غداة الانهيار الكبير في تشرين الأول 2019 للجم أي تحويلات بالعملة الصعبة إلى حسابات مصرفية خارج لبنان ومحاسبة الفاعلين، الّا انّه لم يولد لا في الوقت المناسب ولا في وقت لاحق، بحيث لم تعد له أي جدوى.
ويوضح المطلعون، أنّ قرار القاضي شعيتو يبدو موجّهاً بالدرجة الأولى إلى أصحاب ومديري مصارف وأعضاء في مجالس إداراتها ومالكي شركات، ممن أساؤوا استعمال السلطة والموقع لتهريب اموالهم، في حين انّ حقوق المودعين لدى تلك البنوك لا تزال عالقة او تُعطى لهم بالقطارة الشهرية.
ويبدو انّ القاضي شعيتو استند في الإجراء الذي اتخذه إلى تحقيقات سبق أن تمّت مع مصرفيين وعززت لديه شبهات معينة. فيما يلفت المطلعون إلى أنّ القرار القضائي لم يلحظ «مصادرة» الأموال المحولة، للافتقار إلى السند القانوني الكافي، بل طلب إعادة إدخالها في النظام المصرفي اللبناني للاستفادة منها لاحقاً في تضييق الفجوة المالية وإنصاف المودعين.
وما أعطى القرار نوعاً من الفعالية، هو انّه منح محولي الأموال مهلة شهرين لإعادتها إلى قواعدها سالمة، ما يشكّل ضغطاً على الأشخاص المعنيين، خصوصاً انّ عدم التجاوب ضمن المهلة المحددة سيدفع النيابة العامة المالية إلى التوسع في التحقيق والتدقيق في أصل أموالهم ومشروعيتها.
ويعتبر المرتاحون لقرار شعيتو انّه ينطوي على الدلالات الآتية:
ـ إعطاء إشارة إلى عزم النيابة العامة المالية على اعتماد مقاربة جدّية للقضايا المرتبطة بالفساد وإساءة استعمال السلطة وسوء صرف النفوذ والإثراء غير المشروع، مع ما يرتبه ذلك من إسقاط لأي حصانات او حمايات كان يحظى بها البعض في السابق.
ـ توجيه رسالة إيجابية إلى المجتمع الدولي الذي يلحّ على لبنان لاستكمال تطبيق الإصلاحات، وبالتالي فإنّ الدفع في اتجاه استعادة الأموال المحولة يلاقي إقرار قانوني إلغاء السرّية المصرفية وإعادة هيكلة المصارف ويمهّد لمشروع الفجوة المالية.
ـ منح المودعين بارقة أمل وسط التعقيدات التي تحوط بقضيتهم العادلة.
ـ المساهمة في محاولة إخراج لبنان من اللائحة الرمادية التي أدرجته عليها مجموعة العمل المالي (FATF).
أما التحدّيات التي تواجه قرار شعيتو فهي متعددة ومنها: إثبات القدرة على تنفيذه في المهلة المحددة، مساءلة كل مخالف له ومحاسبته، عدم التأثر بأي ضغوط سياسية محتملة، تفادي الاستسابية والانتقائية في التطبيق، البناء عليه لتفعيل دور القضاء في الإصلاح المطلوب.