لبنان

البساط: لا شطب ودائع… رؤية اقتصادية قريباً وإلغاء لـ”الكاش”

كتب البيسري في الجمهورية: 

شدّد وزير الاقتصاد اللبناني عامر البساط في حديثه لـ«الجمهورية»، على أنّ حماية المودعين وإعادة الاستقرار المالي والنقدي هما الأولوية، وأنّ الإصلاحات المطروحة ليست استجابة لشروط خارجية بل نابعة من الحاجة الوطنية. وكشف عن رؤية اقتصادية شاملة بعنوان «لبنان 2035»، وعن مؤتمر استثماري في الخريف تحت شعار «لبنان عاد إلى ساحة الأعمال»، مؤكّدًا أنّ الهدف هو استعادة الثقة وإعادة إدماج لبنان في الاقتصاد الدولي.

مشروع قانون الفجوة المالية

وأوضح الوزير البساط لـ«الجمهورية»، أنّ الفجوة المالية موضوع «بالغ التعقيد. رئيسا الجمهورية والحكومة (جوزاف عون ونواف سلام) أبديا رفضاً واضحاً لأيّ مساس بودائع الناس وستُشطَب كلمة شطب، وأصرّا على أنّ حماية المودعين هي الأولوية. الرئيس سلام أكّد على ضرورة أن نصحّح الخلل من دون تحميل المودعين الأعباء. بالنسبة إلينا، هذه هي النقطة الجوهرية».

وأضاف البساط: «في وزارة المال، وبالتعاون مع مصرف لبنان، تجري دراسات تقنية معمّقة مع استخدام نماذج محاسبية وإسقاطات مختلفة. وأنا شخصياً أواكب هذه العملية من الناحية التقنية. لكن لا يمكن أن أدخل في تفاصيل الأرقام، لأنّ المسودة لم تكتمل. العمل يَسير بجدّية وسرعة، لكنّ حجم الملف مالياً وقانونياً كبير، ويتطلّب نقاشات واسعة. لذلك لم نضع مهلة نهائية، إنّما نأمل إنجازه في أوائل الخريف».

ويؤكّد البساط على أنّ تقاسم الخسائر (كبار المساهمين في المصارف، الدولة ومصرف لبنان)، والأموال المحوّلة إلى الخارج بعد عام 2019 «قضايا قضائية بحتة، خصوصاً أنّ قراراً قضائياً صدر أخيراً بشأن الأموال المحوّلة» عبر القاضي المالي ماهر شعيتو.

المفاوضات مع صندوق النقد

بالنسبة إلى صندوق النقد، يشدّد وزير الاقتصاد على أنّ «هناك نقاشاً مستمراً وتعاوناً متكاملاً. لا يوجد رفض أو تصادم، بل حوار دائم. وفد من الصندوق سيزور لبنان في أواخر أيلول، ومن المؤكّد أنّ الملف سيكون بنداً أساسياً على جدول أعماله».

أيضاً، يُجدّد البساط التأكيد على أنّ المفاوضات مع صندوق النقد هي حول مبلغ يتراوح بين 3 و3,5 مليارات دولار، مضيفاً: «الأهم أنّ العلاقة مع الصندوق ممتازة. لا توجد شروط مفروضة علينا. نقوم بالإصلاحات لمصلحة لبنان لا لإرضاء الصندوق. هذه قناعة سياسية ومجتمعية. تاريخياً، الدول التي تقوم بإصلاحات فقط لإرضاء الخارج تفشل، لذلك نحن ملتزمون بإصلاحات نابعة من مصلحة وطنية».

في 7 نيسان 2022، حدّد صندوق النقد إطار التمويل باتفاق المستوى الفني (SLA) لبرنامج مدّته 46 شهراً، وقد علّقه إلى حين تنفيذ «الإجراءات المسبقة» أي الإصلاحات التي تشمل إعادة هيكلة المصارف، الابتعاد عن اقتصاد «الكاش»، تأمين استدامة مالية-دَينية، إصلاح الحَوكمة ومؤسسات الدولة والمؤسسات المملوكة من الدولة، مع تلميح إلى ضرورة خطة واضحة لإعادة هيكلة الـ»يوروبوندز» المتعثّرة.

التعيينات وشفافيّتها

ويُشدّد الوزير على أنّ ملف التعيينات يَسير «بجدّية وفق آلية أقرّها مجلس الوزراء قائمة على الشفافية والكفاءة. نجري مقابلات مباشرة مع المرشحين، ونضع لوائح طويلة ثم قصيرة، كما هو معمول به عالمياً. خلال 4 إلى 5 أشهر، أجرينا أكثر من 10 تعيينات أساسية، منها في مجلس الخدمة المدنية، مجلس الإنماء والإعمار، لجنة الرقابة على المصارف، ونواب حاكم مصرف لبنان. كل أسبوعَين تقريباً هناك تعيين جديد».

موازنة 2026 ومالية الدولة

أمّا بالنسبة إلى مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2026 الذي أحاله وزير المال ياسين جابر يوم الجمعة إلى مجلس الوزراء، فيوضح البساط لـ«الجمهورية»، بأنّ «الوزير جابر يقود العملية وفق منهجية «من الأعلى إلى الأسفل»، أي تقدير الإيرادات والنفقات العامة ثم جمعها مع موازنات الوزارات. الجديد أنّ كل وزارة طُلِبَ منها وضع رؤية اقتصادية متوسطة المدى (من 3 إلى 5 سنوات)، لا الاكتفاء بأرقام سنوية. الهدف بناء إطار مالي متوسط المدى (Medium-Term Fiscal Framework)، وهو معتمد عالمياً، ويُتيح ربط السياسة المالية برؤية اقتصادية أشمل».

وعُرِف ذلك، باعتماد إطار مالي متوسط المدى (MTFF)، فوزارة المال تعمل، بدعم تقني من METAC/IMF، على إدخال إطار متوسط المدى يربط الموازنة بأهداف الإيرادات والإنفاق على 3-5 سنوات لبناء انضباط مالي تدريجي.

وكشف البساط لـ«الجمهورية» عن أنّه «نعمل في وزارة الاقتصاد على وثيقة استراتيجية بعنوان «لبنان 2035». هي رؤية اقتصادية متوسطة وطويلة المدى تمتد بين 5 و10 سنوات، تصل إلى نحو 200 صفحة، مع رؤية تنفيذية واضحة. الهدف أن تكون لدينا خطة متكاملة تُناقَش في مجلس الوزراء وتُطلق رسمياً في الخريف. لا يمكن أن نضع سياسات مالية فقط من دون رؤية اقتصادية شاملة».

في هذه الرؤية، يعتقد البساط أنّ الدولة ستكون قادرة على تحديد وظائف وأدوار محدّدة لاقتصادها وماليّتها، بناءً على إمكاناتها، لتُصبح دولة ذات اقتصاد طبيعي ومنتج.

وبينما تعرّضت سلسلة من الموازنات السابقة إلى طعون دستورية بسبب أخطاء قانونية وغياب قطوع الحسابات، يلفت وزير الاقتصاد إلى أنّه «لا يمكن التنبّؤ بإمكانية الطعن بالموازنة المقبلة، لكنّ العمل جارٍ لتفادي أي ثغرات. صحيح أنّ الموازنة لا يرافقها قطع حساب كامل بسبب عجز ديوان المحاسبة عن إنجاز قطوع الحسابات عن السنوات المتأخّرة في الوقت المناسب، لكنّ وزارة المال تعتمد إجراءات قانونية لتفادي أي طعن».

وكشف الوزير البساط عن أنّ «مؤتمراً استثمارياً سيُعقَد في تشرين الثاني. الهدف منه أن يرى المستثمرون منذ البداية الاتجاه الإصلاحي الجديد في لبنان، لاستقطاب الاستثمارات. رسالتنا: «لبنان عاد إلى ساحة الأعمال». وقد لمسنا تجاوباً إيجابياً من المستثمرين الذين يرَون أنّ هناك رؤية جديدة وخطوات جدّية».

لماذا رُفِعَت أسعار المحروقات؟

بمبدأ الإيراد المقابل للإنفاق، وأنّ القرار كان عودة إلى أسعار سابقة، يشرح الوزير البساط قرار فرض زيادات على أسعار المحروقات، بأن «أعدنا السعر إلى ما كان عليه بين شهرَي شباط وأيار، بعد هبوط الأسعار عالمياً. استُخدمت العائدات الإضافية لتأمين رواتب العسكريِّين ورجال الأمن. وهناك التزام أخلاقي وإجماع شعبي على دعم هذه الفئات. صحيح أنّ القرار أثار اعتراضات، وهناك طعن أمام مجلس شورى الدولة، لكنّ الأساس أنّ الإنفاق يحتاج إلى إيرادات، ولا يمكن أن ندفع من دون موارد. علماً أنّ السعر المعتمد وفق الزيادة لم يتجاوز السعر السابق للمحروقات في شباط، فلم يكن لها تأثير سلبي على الأسعار».

الإصلاح الضريبي واقتصاد «الكاش»

ويؤكّد البساط، أنّ العمل جارٍ على قدمٍ وساق مع وزارة المال ومصرف لبنان أولاً لإجراء إصلاح ضريبي شامل، لأنّ النظام الحالي خليط من قوانين ومراسيم، ويحتاج إلى تبسيط وتنظيم، لكنّ التركيز أولاً سيكون على تحديث الجباية، تطوير الجمارك، واعتماد إدارة أكثر فعالية. فيما هناك قرار استراتيجي من الدولة لتحسين الوضع المالي ومكافحة التهريب وتبييض الأموال، عبر محاربة اقتصاد «الكاش» لنصل إلى مرحلة لا يُعتمَد فيها «الكاش» أبداً.

وأضاف: «صحيحٌ أنّ محاربة اقتصاد «الكاش» صعب اجتماعياً وإدارياً وسياسياً، لكن ليس لدينا خيار. إذا أردنا إعادة الاقتصاد إلى طبيعته، علينا تقليص الاعتماد على الكاش واعتماد وسائل الدفع الإلكترونية كما في كل دول العالم. قد تكون هناك انتقادات، لكن لا بديل آخر».

وفي سياق محاربة الاقتصاد الأسود وإحقاق العدالة للمودعين الذين خسروا جزءاً من أموالهم نتيجة ما يُعرَف بسياسة الدعم في أول الأزمة الاقتصادية، ممّا كبّد الدولة والمودعين خسائر بأكثر من 20 مليار دولار، يؤكّد الوزير بأنّ التدقيق الجنائي بهذا الخصوص «شأنٌ قضائي، لكنّ موقفنا واضح: نحن مع الشفافية الكاملة. أي مستند أو ملف يُطلب نقدّمه (مثلما جرى التعاون مع القضاء في ملف وزير الاقتصاد السابق أمين سلام). ملف الدعم كان مكلفاً جداً، وكل الاحتمالات واردة. المهم أن يكون هناك التزام بحماية المال العام».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى