إطلاق الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في القطاع الصحي 2025-2030.. مكي: لبنان في صدد الحصول على قرض بقيمة 150 مليون دولار مخصص للتحوّل الرقمي
أطلق وزير الصحة العامة الدكتور ركان ناصر الدين بالشراكة مع اليونيسف، الاستراتيجية الوطنية للتحوّل الرقمي في القطاع الصحي 2025-2030، بهدف تطوير خدمات الرعاية الصحية وتعزيز العدالة الصحية في مختلف المناطق اللبنانية، وذلك في لقاء حضره وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكي ووزير المهجرين وزير الدولة لشؤون التكنولوجيا كمال شحادة وممثل اليونيسف في لبنان ماركولويجي كورسي ومهتمين.
وقد تم تطوير الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي من خلال تعاون وثيق ودعم تقني من اليونيسف ومعهد كوبنهاغن لدراسات المستقبل، وتمثل خطوة متقدمة في مسار إصلاح النظام الصحي في لبنان.
كورسي
بداية، قال ممثل اليونيسف في لبنان: “تفخر اليونيسف بدعم هذه الرؤية الوطنية، وهي ملتزمة بتحويل الاستراتيجية إلى عمل ملموس، خصوصا في ميدان الرعاية الصحية الأولية وأنظمة البيانات للوصول إلى الفئات الأكثر ضعفا”.
أضاف: “معا، يمكننا بناء نظام لا يترك فيه أي طفل بدون رعاية، ولا عامل صحي بدون أدوات، ولا يتخذ فيه أي قرار دون الاستناد إلى بيانات موثوقة”.
مكي
بدوره، أكد مكي ان “ما تقوم به وزارة التنمية الإدارية (OMSAR) هو جهد تكميلي”، وقال: “لبنان في صدد الحصول على قرض بقيمة 150 مليون دولار أميركي من البنك الدولي مخصص للتحوّل الرقمي. وهذا القرض سيضع الأسس ليس فقط الخدمات الصحية الرقمية، بل لعدد واسع من الخدمات الحكومية. كذلك تقوم الوزارة كجزء من رؤيتنا الأوسع، بإعادة تكوين ادارات ومؤسسات الدولة ٢٠٣٠ (Reinventing Government 2030)، والتي تقوم على حوكمة جديدة، وتطوير الكوادر البشرية، وإعادة تصميم الخدمات (service redesign). هذه الرؤية ترتكز إلى حد كبير على التحوّل الرقمي (digital transformation) وإعادة هندسة الإجراءات (business process re-engineering – BPR)، أي إعادة التفكير جذريا في طريقة تقديم الخدمات وإعادة تصميمها بشكل جذري لجعلها أسرع، أبسط، وأكثر كفاءة”.
اضاف: “في OMSAR، نقود هذا الجهد عبر رسم خريطة الخدمات (service mapping) عبر الوزارات، وتحديد الأولويات، واختيار الخدمات ذات الأثر الأكبر لإعادة تصميمها”.
وأوضح أن “هناك تفاوتا كبيرا بين الوزارات في ما يخص مستوى رقمنة خدماتها، فمن بين حوالي 1560 خدمة حكومية، فقط 17% منها رقمي بالكامل أو جزئيا”.
وأشار الى أن “وزارة الصحة العامة تعتبر من الوزارات المتقدمة نسبيا في هذا المجال، حيث تبلغ نسبة الرقمنة لديها حوالي 30%”، فقد تم فيها، من خلال عملية رسم خريطة الخدمات، تحديد 146 خدمة. إلا أن 70% من هذه الخدمات ما زالت تدار يدويا، أي أكثر من 100 خدمة. ومن بين هذه الخدمات الـ146، تم إبراز 12 خدمة ذات أولوية، من ضمنها الخدمة التي تُعد ذات الأثر الأكبر وهي الهوية الصحية الرقمية أي الرقم الصحي الموحد Digital ID Health”.
وذكر أنه “بالنسبة للخدمات ذات الأولوية، يتم تطوير خرائط تفصيلية للإجراءات (process maps) لتحليل نقاط الضعف والفرص للإصلاح. ويتم دعم هذا النهج من خلال ممكنات رقمية (digital enablers) مثل: الهوية الرقمية (digital ID)، التوقيع الإلكتروني (e-signature)، وأطر التشغيل البيني (interoperability frameworks)، والتي ستوجّه الخطة الشاملة لإعادة ابتكار الدولة (Reinventing the State Blueprint)”.
وأعلن أنه “من المتوقع أن تستفيد وزارة الصحة بشكل كبير من التحوّل الرقمي (digital transformation) وإعادة هندسة الإجراءات (BPR)، نظرا لـ: عدد وتنوع الجهات المعنية في القطاع الصحي، تعقيد الأنظمة الحالية وترابطها، حجم وعدد الخدمات التي تقدمها الوزارة للمواطنين إذ يتجاوز عدد الخدمات اليدوية أكثر من 100 خدمة، كون الوزارة ثالث أكبر وزارة من حيث عدد الخدمات المقدمة، بعد وزارتي الداخلية والمالية”.
وأوضح أن “الهوية الرقمية (digital ID) ستدعم الهوية الصحية الرقمية (Digital Health ID)، التوقيع الإلكتروني (e-signature) سيمكن من إجراء المعاملات الرقمية بشكل كامل ومن دون أوراق، التشغيل البيني (interoperability) سيتيح ربط جميع الأنظمة المختلفة بشكل سلس”.
وأكد أن “الهدف النهائي هو أن تتواصل هذه الأنظمة مع بعضها البعض في الوقت الفعلي (real time)، ما يتيح تقديم خدمات سريعة وفعالة للمواطن. لذلك تتمحور الرسالة الأساسية على أن هذه الاستراتيجية لا تتعلق فقط بالرقمنة (digitization)، بل بإعادة ابتكار الدولة لعصر الرقمنة – حكومة أكثر شفافية، وكفاءة، وقربا من مواطنيها”.
شحادة
من جهته، أكد شحادة أن “مشروع الوزارة هو بناء الجمهورية الرقمية الهادف إلى بناء دولة حديثة تخدم المواطن، تسهل معاملاته، وتوفر آليات محاسبة تمنع الفساد، مع التركيز على تعزيز الاقتصاد الرقمي المنتج المبني على الكفاءات اللبنانية، وإعطاء الشباب فرصة حقيقية لصناعة مستقبل مزدهر في وطنهم”.
وذكر بأن “لبنان كان ولا يزال يُعرف بمستشفى الشرق، ولاستمرار هذا الدور الريادي لا بد من إدماج التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في القطاع الاستشفائي والخدمات الصحية، بما في ذلك تلك التي تقدمها الوزارة للمواطنين”.
وشدد على “أهمية إنشاء القاعدة الوطنية الموحدة للمعلومات الصحية، التي تتيح للمواطن الحصول على خدماته بسهولة، وتساهم في ربط شركات التأمين مع الضمان الاجتماعي وكل الجهات الممولة الأخرى مع المستشفيات والمستوصفات الطبية والمواطنين، بما يضمن المزيد من الكفاءة والشفافية”.
وأكد أن “هذه القاعدة ستوفر أيضا منصة غنية يستفيد منها الباحثون في المجال الطبي لتطوير دراساتهم وخدماتهم بما يتماشى مع تطورات العصر”.
ناصر الدين
أما وزير الصحة فقال: “النظام الصحي اللبناني تمكن من مواجهة تحديات هائلة خلال السنوات الماضية واستطاع مواجهتها والصمود إنما الصمود وحده لا يكفي، فالطموح يتطلب أكثر من ذلك في ظل الحاجة إلى الإصلاح”.
أضاف: “ان التحول الرقمي هو من أقوى أدوات الإصلاح المتوفرة لدينا: أداة للشفافية، أداة للفعالية، وأداة لإعادة بناء الثقة التي نسعى لبنائها بين الدولة والمواطنين. لذلك، فالتحول الرقمي الصحي ليس فقط إصلاحا تقنيا، بل هو إصلاح سياسي وأخلاقي أيضا”.
وتابع: “ان الاستراتيجية تحدد مسارا واضحا يشمل رقمنة الأنظمة اللوجستية، والتراخيص والتسجيل، ودمج السجلات الصحية الإلكترونية، واعتماد أنظمة معلومات صحية، وإنشاء إطار وطني لحوكمة البيانات يحترم الخصوصية والأخلاقيات والأمان. هذه الإستراتيجية لم تُطور خلف الأبواب المغلقة، بل بالشراكة مع الجهات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية والمجتمع المدني والمنظمات الدولية، خصوصا اليونيسف التي كان دعمها أساسيا”.
إذ شكر كل المساهمين، دعا إلى “عدم الإكتفاء باستيراد التكنولوجيا، بل تدريب الشباب على الابتكار والبرمجة والتحليل، وحل المشكلات من خلال الحلول الرقمية”.
وأكد أن “هذه الاستراتيجية ليست نقطة نهاية، بل بداية، ودعوة إلى الشركاء للاستثمار في الصحة الرقمية، ودعوة إلى الأكاديميا لتدريب الكوادر المستقبلية، ودعوة إلى المجتمع المدني للاستمرار بالمطالبة بالمحاسبة”.
ونوه بـ”الجهود الكبيرة التي بذلها فريق وزارة الصحة العامة والشركاء الدوليون ولا سيما اليونيسف ومعهد كوبنهاغن لدراسات المستقبل”، شاكرا لهم “الإيمان بقدرة لبنان على الإصلاح من الداخل”. وقال: “اخترنا جميعا أن نبني مستقبلا تكون فيه الصحة ليس فقط حقا، بل خدمة ذكية وشفافة ومحترمة”.
استراتيجية التحول الرقمي
يذكر أن الاستراتيجية ترتكز على ستة محاور أساسية للتحوّل:
· رعاية محورها الإنسان: من خلال أدوات وخدمات رقمية سهلة الاستخدام تستجيب لاحتياجات الناس وتجاربهم.
· تطوير الكوادر: عبر بناء القدرات الرقمية دمجها في التعليم الأكاديمي والتدريب عليها.
· وحدة المعايير والتشغيل البيني: لضمان قدرة الأنظمة على التواصل الآمن وتبادل البيانات لخدمة رعاية متكاملة.
· السياسات والتشريعات: لتعزيز حماية الخصوصية، وتمكين الابتكار، وضمان المساءلة.
· البنية التحتية الرقمية: من خلال الاستثمار في منصات وخدمات رقمية موثوقة ومتاحة للجميع.
· منظومة الابتكار: عبر خلق بيئة تعاون تجمع بين الحكومة والأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لإيجاد حلول محلية مستدامة.
وقد بُنيت هذه الاستراتيجية برؤية استشرافية وشراكة فعّالة مع الجهات المعنية، من المؤسسات الرسمية والعاملين الصحيين وصولا إلى المبتكرين الرقميين والخبراء الأكاديميين. وهي تعكس قدرة لبنان على تجاوز المسارات التقليدية للتنمية والتحوّل إلى نموذج إقليمي في مجال الصحة الرقمية.
ودعت وزارة الصحة العامة “جميع الشركاء، محليين ودوليين، إلى دعم هذه الاستراتيجية والاستثمار في تنفيذها، من أجل تحقيق وعدها: رعاية صحية عادلة، متاحة، وعالية الجودة لكل فرد في لبنان”.