لبنان

الجيش ينقذ الحكومة من الانفجار بطرح أفكار عامّة

كتبت الأخبار: 

«ربط نزاع». قد يكون هذا هو الوصف الأنسب لما خرجت به جلسة الحكومة أمس. فلا الثنائي تراجع عن موقفه الرافض للإقرار بحق الحكومة في بحث مصير سلاح المقاومة قبل الحديث عن استراتيجية دفاعية. ولا الحكومة ومعها رئيس الجمهورية تخلّيا عن حقهما في أصل البحث في الموضوع. والناجي الوحيد من التجربة، كان الجيش اللبناني، الذي لم يتمرّد على السلطة السياسية، ولكنه وضع القواعد التي تمنع استخدامه في مشروع قد يقود إلى خراب البلاد.

عملياً، انتهت جلسة مجلس الوزراء، إلى إطار «إيجابي» لجولة سياسية كانَ بالإمكان أن تأخذ البلاد إلى نقطة التصادم. وجاء بيان الحكومة الذي تلاه وزير الإعلام بول مرقص، معبّراً عن التسوية السياسية التي جرت قبل انعقاد الجلسة بين الرئيسين جوزيف عون ونواف سلام من جهة، وبين الثنائي أمل وحزب الله من جهة ثانية. فيما بدت «القوات اللبنانية» الطرف المنزعج من النتيجة الإجمالية. على أن المهم، هو مراقبة ردّة فعل القوى الخارجية المعنية بالملف، من الولايات المتحدة إلى السعودية إلى إسرائيل نفسها.

الثابت في ما حصل في الأمس، هو خطوة حكومية تجعل الكلّ يتصرف على أنه رابح. وقد أثمرت المفاوضات التي دارت بينَ الثنائي ورئيس الجمهورية وقائد الجيش رودولف هيكل، عودة السلطة الحالية عن المسار الذي رسمته لنفسها، ولا سيما أن تطوّر الموقف عند حزب الله وحركة أمل في ما خصّ الانسحاب من الحكومة سجّل تطوراً لجهة البحث ولأول مرة في فكرة الاستقالة منها، على الرغم من قناعة الرئيس نبيه بري بأن المرحلة ليست شبيهة بعام 2006.

وحسب المعلومات، فقد حملَ موفدو الثنائي في لقاءاتهم مع عون وقائد الجيش رسائل حسمت سقف الموقف، ما جعل رئيس الجمهورية يستشعر خطورة ما هو مقبل على البلاد، يُضاف إلى ذلك، الكلام الذي سمعه عون من مقرّبين منه عملوا على خط الوساطة، عن عدم إيفاء الأميركيين بوعودهم، وعدم تقديم أي مساعدة للعهد، بل محاصرته وإحراجه، وكانت النتيجة: تجميد أي خطوة جديدة يمكن أن تتخذها الحكومة ضمن الإملاءات الخارجية، مثل إجبار الحكومة على عدم تحديد مهل زمنية، والالتزام بإعداد استراتيجية أمن وطني وتأكيد حق لبنان بالدفاع عن النفس وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

قبلَ أيام كان عون وسلام ينويان تكرار ما حصل في جلستَي 5 و 7 آب، حين صادقت الحكومة على أهداف الورقة الأميركية، بعدما أخلّ عون باتفاقه المُسبق مع الثنائي. إلا أن وقائع الأمور ومجرياتها عدّلت في الخطة. وسمع عون وسلام من قائد الجيش 3 نقاط أساسية:
أن لا إمكانية لوجستية للجيش اللبناني على تنفيذ الخطة، ثم إن مهمته هي ضبط السلم الأهلي وليس افتعال المشاكل مع أي طرف داخلي تحت أي ظرف من الظروف، وأخيراً أن الجيش وبناءً على وضع المؤسسة، المالي والإداري واللوجستي، لا يمكنه تحديد مهلة زمنية لتنفيذ الخطة وفق الجدول المطروح أميركياً. وقد سبقَ ذلك حصول اجتماعين بين ممثّلين عن حزب الله، وقائد الجيش، أكّد فيه الحزب أنه ليس في صدد المس بالسلم الأهلي وافتعال إشكالات كما أنه لا يريد الصدام مع المؤسسة العسكرية، مع الإشارة إلى أن أي تحركات ستكون موجّهة ضد الحكومة حصراً، ليؤكّد قائد الجيش أيضاً أنه ملتزم بالسلم الأهلي. أما تبادل الرسائل مع بعبدا، فأظهر أن أزمة الثقة مع عون أكبر من الظاهر، مع دحض الثنائي لادّعاءات عون بأنه قدّم اقتراحات وينتظر أجوبة عليها، بالتأكيد أن هناك اتفاقاً وعليه أن يثبت قدرته على تنفيذ ما تعهّد به، رابطاً موقفه بخطوة الحكومة.

جلسة الحكومة

عند الساعة الثالثة بعد الظهر، التأم مجلس الوزراء في بعبدا، مسبوقاً بتكهّنات كثيرة حول كيفية تعاطي الثنائي مع الجلسة، علماً أن انسحاب الوزراء الشيعة الخمسة لم يكن مفاجئاً بقدر ما كان عليه البيان. ووفقَ ما كان مُتفقاً عليه، انسحب الوزراء بعيد انضمام قائد الجيش لعرض الخطة التي طُرحت بعد الانتهاء من مناقشة البنود الأربعة الأخرى. فدقائق معدودة بعد انطلاق الجلسة، كانت كفيلة بانتهاء الوزراء من النظر في أربعة بنودٍ مُدرجة على جدول أعمال الجلسة، والانتقال إلى بند حصر السلاح في يد الدولة.

بينما كان قائد الجيش رودولف هيكل ينتظر في قاعة جانبية، وبخلاف ما أُشيع انتظر وزراء الثنائي «حركة أمل» و«حزب الله» دخوله، وبحضوره أكّدوا أنّ انسحابهم من الجلسة ليس موجهاً ضد الجيش اللبناني، إنما هو موقف سياسي رافض لمناقشة خطة حصر السلاح، انطلاقاً من رفضهم لقرار الحصر نفسه المُتّخذ في جلستَي 5 و7 آب، قبل أن يتوالى خروج الوزراء الخمسة واحداً تلو الآخر، بدءاً بوزير الصحة ركان ناصر الدين، وانتهاءً بوزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية فادي مكّي، الذي حرص قبل خروجه على تثبيت موقفه المتمايز عن الثنائي، في تأييده لمناقشة خطة الجيش، دون أن يعني ذلك، إفساح المجال لإحداث خرقٍ على مستوى التمثيل الشيعي.

وكشفت مصادر وزارية أن «الخطة التي عرضها الجيش لم تتضمّن أيّ مُهلٍ زمنيّة، وحدّدت خمس مراحل لحصر السلاح بيد الدولة. تبدأ هذه المراحل باستكمال عمل الجيش في منطقة جنوب الليطاني، ثم الانتقال إلى المنطقة بين نهر الليطاني ونهر الأولي، وبعدها إلى بيروت وضواحيها ومحيطها، ثم إلى البقاع، على أن تكون المرحلة الخامسة لحصر السلاح بيد الدولة على الأراضي اللبنانية كاملةً».

وقالت المصادر إن «الخطة لحظت القدرات التي يمكن للجيش أن يعمل في إطارها، كما المعوقات والصعوبات»، مشيرة إلى أن «الجيش هو الذي سيقرّر كيفية التحرك في مختلف المناطق وفق ما يراه مناسباً لإمكاناته، مع تقديم تقرير مفصّل عمّا يقوم به شهرياً إلى الحكومة». ووفق الخطة، فإنّ وقف الاعتداءات الإسرائيلية والانسحاب هما من الشروط الأساسية لتحقيق خطة انتشار الجيش الكاملة على كامل الأراضي اللبنانية، كما تنصّ الخطة على تعزيز الانتشار العسكري والحواجز في مناطق عديدة لمنع عمليات نقل الأسلحة أو تهريبها، وضبط الحدود اللبنانية ـ السورية، وإغلاق المعابر غير الشرعية، ومنع تهريب الأسلحة والمخدّرات، إضافةً إلى استكمال إجراءات سحب السلاح من مخيّمات اللاجئين الفلسطينيين.

هذه الخلاصة، وفقَ ما تؤكّد المصادر هي نتاج مفاوضات حصلت في الساعات الأخيرة، دعمها موقف الثنائي الصلب ونزع الجيش فتيل اللغم الحكومي، إذ تقول المصادر إن البيان الذي خرج صيغَ قبل ليلة بين عون وبري ووافق سلام عليه، وهو ما انعكس على لسان بري الذي قال في أول تعليق له على المقرّرات إن «الأمور إيجابية، وأعتقد أن الرياح السامة بدأت تنطوي»، معتبراً أن «ما حصل في موضوع الخطة العسكرية للجيش يحفظ السلم الأهلي».

وعلمت «الأخبار» أن مقرّرات الجلسة لم تكن على خاطر وزراء «القوات» داخل الحكومة، خصوصاً أنها أخذت في الاعتبار الكثير مما طالب به حزب الله وحركة أمل، وكانت لدى الوزراء أنفسهم نية في تسجيل تحفّظ، قبل أن يتراجعوا نتيجة إصرار قائد الجيش على أنه «لا يمكن تحديد مهل زمنية لأنه لا يعلم كيف تتطور الأمور على الأرض»، بينما ادّعت مصادر «القوات» أن «معراب مرتاحة لمجريات الجلسة بما أن الأمور أصبحت في عهدة الجيش».

هذه الأجواء، لم تلغِ حالة الالتباس التي أحاطت بالبيان، ولا سيما في ما يتعلق بالنقاط التي تتحدث عن رهن الخطوات بخطوات مقابلة من قبل العدو الإسرائيلي، إذ انقسمت الآراء حول ما إذا كان ذلك يتعلق بحصر السلاح أم بالورقة الأميركية، علماً أن الشيء البارز كان في أن «الحكومة رحّبت بالخطة ولم تقرّها».

وبتقطيع هذه الجولة، تبقى الأمور رهن الموقف الخارجي مما حصل، ولا سيما الرياض التي تقول المعلومات إن موفدها يزيد بن فرحان سيزور بيروت خلال أيام، وواشنطن التي ستزور موفدتها مورغان أورتاغوس برفقة قائد القيادة الوسطى الأميركية (CENTCOM) بيروت نهاية الأسبوع، حيث ستُعقد لقاءات أمنية سريعة مع القيادات العسكرية والأمنية فقط، من دون أي اجتماعات مع المسؤولين السياسيين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى