لبنان

أسعار اليوروبوندز تقفز إلى 22 سنتاً.. هيركات على الودائع بـ30 مليار دولار!

كتب محمد وهبة في الأخبار: 

فجأة قفزت أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية إلى 22 سنتاً لكل سند، أي ما يوازي 22% من قيمتها الاسمية، مقارنة مع 18.75 سنتاً في حزيران الماضي. وبحسب معلومات مستقاة من مصادر سوقية، فإن مصرف «غولدمان ساكس» هو مصدر هذا الطلب وفق مبرّرات مرتبطة بأمرين: الرؤية الخارجية للمخاطر السياسية في لبنان في ضوء القرارات المتّخذة بشأن مسألة «حصر السلاح»، وارتقاب صدور ما يُسمّى مشروع قانون «الفجوة المالية» أو «إعادة التوازن المالي» أو «توزيع الخسائر» الذي يسعى إلى هيركات على الودائع بقيمة 30 مليار دولار.

قفزة اليوروبوندز

تحمل تطوّرات الأسبوع الماضي، الكثير. ففيما كان مجلس الوزراء يناقش موضوع خطّة الجيش لـ«حصر السلاح» والتي انتهت إلى توزيع الأرباح والخسائر بشكل منظّم ومدروس، كان حاكم مصرف لبنان كريم سعيد يلتقي وفداً من جمعية المصارف لإطلاعه على تقدّم الخطوات المتعلقة بمشروع قانون «الفجوة المالية» أو مشروع «توزيع الخسائر».

في الأسواق الخارجية كانت مفاعيل هذا الأمر إيجابية، نسبياً، على أسعار سندات اليوروبوندز التي سجّلت قفزة كبيرة إلى 22 سنتاً لكل سند مقابل 1 دولار قيمة اسمية مقارنة مع 18.75 سنتاً في حزيران الماضي. والسبب المباشر لهذا الارتفاع، كما قالت مصادر سوقية، أن «غولدمان ساكس» اشتمّ رائحة «طبخة ما» في الأفق قد تؤدي إلى ارتفاع في السعر قد يصل إلى 27 سنتاً بحلول مطلع السنة المقبلة، ما يحقّق له أرباحاً من شراء السندات.

وبحسب تقرير صادر عن مصرف «جي بي مورغان» في الأسبوع الماضي، فإن تقديرات الخبراء لديه تفيد بأن نسبة التعافي في سندات اليوروبوندز يُتوقع أن تصل إلى 27 سنتاً وأن سعر التداول بحلول نهاية السنة الجارية سيرتفع إلى 23 سنتاً، وأنه في كل الأحوال لن تزيد نسبة التعافي عن 30 سنتاً. وكانت أسعار هذه السندات قد ارتفعت على مراحل في الأشهر الماضية، أبرزها حين قفزت الأسعار من 13 سنتاً في نهاية 2023 إلى 17.8 سنتاً، ثم عاودت الانخفاض وارتفعت لاحقاً مع انتظام العمل السياسي في لبنان بانتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة، وأخيراً بعد إقرار قانون معالجة أوضاع المصارف وبدء الحديث عن إنجاز قريب لقانون الفجوة المالية لتبلغ 19.5 سنتاً في تموز الماضي.

بالطبع كان مفاجئاً أن ترتفع الأسعار في ضوء النقاشات الجارية في مجلس الوزراء بشأن «حصر السلاح»، ولا سيما أن التوتر كان في مستوى مرتفع مع انسحاب وزراء حزب الله وحركة أمل من الجلسة بعد حضور قائد الجيش ليعرض خطّته لحصر السلاح، إلا أنه سرعان ما تكشّف وجود تسوية أدّت إلى خفض التوتّر تظهر أن الجميع خرج رابحاً من جلسة مجلس الوزراء، كما لو أنه تمّ تأجيل المشكلة الأساسية لوقت طويل، أو على الأقل هكذا تعاملت الأسواق الخارجية مع هذه التطورات.

ملامح من خطّة الحاكم

بالتزامن، كان حاكم مصرف لبنان يلتقي جمعية المصارف. أتى اللقاء في ضوء توقيع الجمعية عقداً مع شركة «انكورا» لتمثيلها تجاه مصرف لبنان والدولة اللبنانية في مفاوضات «إعادة الهيكلة» التي تركّز بشكل أساسي على مشروع قانون الفجوة المالية والتداعيات المترتّبة عليه. توقيع الجمعية مع الشركة جاء بناءً على طلب من الحاكم بضرورة تمثيل المصارف من جهة واحدة، علماً أن مصرف لبنان وقّع عقداً مع شركة «روتشيلد» لتمثيله تجاه الدولة والمصارف، والدولة لديها عقد منذ عام 2020 مع شركة «لازار» لتمثيلها في هذه المفاوضات. وفي هذا اللقاء، أبلغ سعيد المصارف، أنه يعمل على تجزئة التعامل مع انهيار وإفلاس القطاع المالي في لبنان بما في ذلك مصرف لبنان والمصارف.

تركيز الحاكم ينصبّ في الأساس على إحياء ملاءة مصرف لبنان ثم إحياء السيولة. وهذا المسار يتطلّب إبقاء دين الدولة البالغ 16 مليار دولار في ميزانيته، وشطب 30 مليار دولار من التزاماته تجاه المصارف وبالتالي شطب ما يوازيها من التزامات المصارف تجاه المودعين. وسيتم هذا الشطب من خلال إجراءات مختلفة، من أبرزها «إثبات مصدر الأموال»، وشطب «الفوائد الإضافية التي تفوق الفوائد السوقية»، والتعامل مع الودائع على أساس ثلاثة أقسام على أساس حسابات مؤهّلة وحسابات غير مؤهّلة: الحسابات التي فيها ما لا يزيد عن 100 ألف دولار، والحسابات التي تراوِح بين صفر ومليون دولار، والحسابات التي تراوِح بين صفر وأكثر من مليون دولار.

وبهذا التقسيم، فإن من يملك في حسابه 100 ألف دولار ستُدفع له نقداً خلال فترة تراوِح بين 4 و6 سنوات، أما تلك التي تُصنّف في القسم الثاني، أي من يملك لغاية مليون دولار، فسيتم تحويلها إلى سلّة من السندات، وتلك التي تُصنّف في القسم الثالث سيتم تحويلها إلى أسهم في المصارف.

إذاً، ما الفرق بين هذه الأقسام الثلاثة، والتصنيفات السابقة للودائع المؤهّلة وغير المؤهّلة؟

في التصنيفات السابقة كان الدفع سيتم لغاية 100 ألف دولار، أي إن كل الحسابات المؤهّلة ستحصل على 100 ألف دولار أولاً، ثم ما يزيد عن ذلك سيتم تحويله إلى سندات (سندات دائمة، سندات بصفر في المئة….) وأسهم في المصارف. أما في خطّة سعيد الأخيرة، فمن لديه 100 ألف دولار ودولار واحد، مثلاً، سيتم تصنيفه في القسم الثاني ولن يحصل على الـ100 ألف دولار نقداً، بل ستتحوّل قيمة المبلغ في حسابه مباشرة إلى سندات، ومن لديه أكثر من مليون دولار سيتحوّل مباشرة إلى الأسهم.

ثمّة فرق ثانٍ يتعلق بتصنيف الودائع، وهو أنه لن يُعتمد مبدأ المودع في كل مصرف، بل سيُعتمد مبدأ المودع في كل القطاع المصرفي. ومبرّرات هذا الأمر أن الأزمة نظامية، وبالتالي فإن توزيع المخاطر الذي قام به المودع الذي لديه حسابات مختلفة في أكثر من مصرف أو نقل بعض أو أجزاء من حسابه في مصرف إلى مصارف أخرى، لن يكون نافعاً، إذ سيتم التعامل معه على أساس جمع كل ما في حساباته في كل المصارف، بدلاً من التعامل مع هذه الحسابات في كل مصرف على حدة.

طبعاً، هناك إجراءات إضافية سيتم اتخاذها على صعيد ميزانيات المصارف والتدقيق فيها، والتعامل مع الزيادات الرأسمالية، بالإضافة إلى تقدير السيولة التي يفترض بالمصارف ضخّها لتسديد الـ100 ألف دولار للمودعين والمقدّرة بنحو 8 مليارات دولار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحسابات غير المؤهّلة ستخضع لهيركات كبير، إذ ستُدفع على أساس سعر صرف يراوِح بين 25 ألف ليرة و30 ألف ليرة لكل دولار.

كما أنه ليس واضحاً كيف سيكون مصير الودائع بالليرة، ولا مصير الحسابات التي يمكن استثناؤها من الهيركات مثل أموال الضمان والصناديق التعاضدية ومدّخرات التقاعد، خصوصاً التي تقاضاها أولئك الذين تقاعدوا من القطاع العام في عزّ الأزمة بالليرة، وغيرها من الحسابات التي يمكن أن تندرج في هذا الاستثناء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى