لبنان

بين خطاب عون وخطة الجيش.. ما هي أولوية لبنان؟

كتبت مرلين وهبة في الجمهورية: 

فرضت التسوية السياسية الأخيرة، التي استولدها رئيس الجمهورية جوزاف عون، من رحم الواقع اللبناني، أسئلة عدة، حول مداها الزمني، حدودها، فاعليّتها، وتقبّلها عربيّاً ودولياً. وإذا كان التنسيق بين بعبدا وعين التينة، أوجد المخرج لقرار حصرية السلاح، فإنّ السرايا الحكومي وافقت، بعد اطّلاع رئيس الحكومة نواف سلام، على توجّهات الجيش في تقريره، وانسجامها مع تسوية واقعية، تُنقذ البلد من فوضى محتملة.

بقيت الاجتماعات والاتصالات قائمة طيلة الأيام والساعات التي سبقت جلسة عرض التقرير العسكري، بين رئيسَي الجمهورية ومجلس النواب، عبر معاون الرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل، ومستشار الرئيس جوزاف عون العميد المتقاعد أندريه رحّال، ومواكبة المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، بشأن التواصل بين بعبدا و»حزب الله» تحديداً.

يقول مطّلعون إنّ «مشروع التسوية انطلق من الثقة المتبادلة بين عون وبرّي. إذ تسابقا في الحرص على فرض مخرج سياسي واقعي، مهما كلّف الأمر». وشكّل خطاب القَسَم لرئيس الجمهورية قاعدة انطلاق للتسوية، ثم البيان الوزاري، والاتفاقية التي التزم بها لبنان منذ شهر تشرين الثاني الماضي، بالإضافة إلى مضمون اتفاق الطائف.

واعتبر القيّمون على صناعة المخرج، أنّ تلك المحطّات هي جامعة بين اللبنانيِّين، وتدور حول وقف الحرب وانسحاب إسرائيل وحصرية السلاح. ما يعني أنّ هناك تجاوزاً عملياً للإعتراض الذي سجّله وزراء «الثنائي الشيعي» على مقرّرات جلستَي 5 و7 آب الماضي، بشرط عدم تحديد مهل زمنية للتنفيذ.

بحسب المعلومات، فإنّ رئيس الجمهورية، لم يتحدّث يوماً عن فرض التنفيذ، من دون إلزام إسرائيل. وسبق وكرّر عون مراراً أمام الوفود الأميركية: «نحن نطبّق واجباتنا، ننتظر أن تلتزم إسرائيل ببنود الاتفاق، وإلّا لن نستطيع أن نستكمل ما هو مطلوب منّا، لسبب جوهري، يتعلّق بعدم قدرة الجيش اللبناني، على مضيّه بالانتشار جنوباً، من دون انسحاب الإسرائيليِّين، وعدم سهولة ترجمة قرار حصرية السلاح، من دون وقف النار من جانب إسرائيل».

كان رئيس الجمهورية يذكّر أنّه ملتزم بخطاب القَسَم، خصوصاً أنّ روحية الخطاب، ركّزت على «استراتيجية الأمن الوطني». ومن هنا بالذات، كانت نقطة التلاقي الجوهرية بين عون وبرّي، للوصول إلى هدف حصرية السلاح، حيث تتلاقى طروحات الرجلَين الاستراتيجية، عند مصلحة البلد واستقراره.

أدرك كل الموفدين الدوليِّين، والمعنيِّين بإستقرار لبنان، في دول عربية وغربية، أن لا إمكانية لنزع سلاح الحزب، من دون توافق لبناني، إذ تكرّرت أمامهم محطة جنوب الليطاني: لا يزال الجيش اللبناني يعمل منذ 8 أشهر تقريباً، على مهمّة حصرية السلاح، من دون أن يتمكّن من إتمام المهمّة. لا أحد يعرف عملياً كَم يحتاج لبنان من الوقت، لإنهاء ملف السلاح. فكيف إذا واصلت إسرائيل استهدافاتها واحتلالها؟

تحضر الإجابات في خطة الجيش اللبناني، الذي أبدى الجهوزية الكاملة للقيام بمهمّته، مع لحْظ إمكاناته، قدراته، والمعوقات التي تتواجد في طريقه، فاختار تقسيم خطته إلى مراحل 5، لا وجود فيها لمواقيت زمنية، سوى جنوب الليطاني، الذي لن تتجاوز مهلة المهمّة فيه 3 أشهر، في حال انسحبت إسرائيل، التي تعوق بدورها، عمل الجيش، وانتشاره الكامل على الأراضي اللبنانية.

ما بين روحية خطاب القَسَم، وخطة الجيش، تُصبح التسوية هي الحل، لملف حصرية السلاح تحديداً، بعدما تدرّجت العواصم الدولية بفهم المقاربات اللبنانية، وتداعياتها، بعيداً من الخطاب السياسي التصعيدي من كل اتجاه. ومن هنا تتقدّم طروحات رئيس الجمهورية، التي سبق وأعلن عنها في خطاب القَسَم، ثم استكملها مضمون تقرير الجيش، وهو ما دعا رئيس مجلس النواب – شريك التسوية – إلى الإشادة بمسار جلسة مجلس الوزراء، التي عُرِضَت خلالها الخطة العسكرية، باعتبارها إيجابية وواقعية، تقفز فوق النظريات، التي لا تُنتج حلاً داخلياً ولا تُنهي احتلالاً إسرائيلياً.

اجتاز لبنان قطوعه الداخلي، بمخرج وطني متكامل، لتبقى الهواجس قائمة وخطيرة من توسيع وزيادة الاستهدافات الإسرائيلية، التي لم يضمَن منعها أو الحدّ منها، لا الأميركيّون ولا غيرهم. علماً أنّ الأميركيِّين بدوا مقتنعين بضرورة قيام إسرائيل بخطوات متدرّجة في الانسحابات أو وقف العمليات العسكرية في لبنان، لإتاحة الفرصة للدولة اللبنانية لتلعب دورها.

أساساً، لا يمكن لإسرائيل أن تُنهي ملف سلاح «حزب الله»، لاعتبارات يدركها الأميركيّون:

أولاً، يحتاج الأمر إلى اجتياحات برّية، لا نيّة ولا قدرة إسرائيلية على تحقيق ذلك.

ثانياً، تشكّل غزة والضفة الغربية أولويات في أجندة إسرائيل، وهي تحتاج لسنوات إضافية، بينما تأتي العناوين الأخرى في آخر الاهتمامات.

ثالثاً، لا مصلحة لأحد في الإقليم، بزيادة مساحات فوضى التي لا تخدم إسرائيل أيضاً، إذ تبدو رغبة واشنطن في الحفاظ على استقرار لبنان.

كل ذلك، يعزّز نهائية الحل اللبناني لملف السلاح، وعبر ما أورده خطاب القَسَم، وما أوحت به خطة الجيش، انطلاقاً من تسوية تُنتجها وحدها استراتيجية الأمن الوطني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى