إهمال وتعنيف وخطر على سلامة الأطفال: ربع الحضانات لا تستوفي الشروط

كتبت زينب حمود في الأخبار:
من بين 460 حضانة مرخّصة في لبنان، تفتقر 120 حضانة إلى الحد الأدنى من معايير الجودة التي نصّت عليها مبادرة «كارول»، ما يعني عملياً أن ربع الحضانات المرخصة لا تستوفي الشروط المطلوبة.
وفيما منح وزير الصحة ركان ناصر الدين هذه الحضانات مهلة زمنية للتدريب تحت طائلة إقفالها، تنتشر كالنار في الهشيم أعداد غير قليلة من الحضانات غير المرخّصة التي تفتقر بدورها إلى أبسط معايير السلامة العامة الضرورية لرعاية الأطفال، وهو ما يعكسه ارتفاع عدد الشكاوى المقدّمة ضد الحضانات إلى دائرة الأمومة والطفل في وزارة الصحة.
وتوضح رئيسة الدائرة باميلا منصور أن «غالبية هذه الشكاوى تتعلق بإهمال الأطفال، أو إيذائهم بدرجات متوسطة». وتُحال هذه الحالات إلى إحدى الجمعيات الثلاث المعتمدة من وزارة العدل (حماية، كرامة، UPEL)، فيما تُحال فوراً إلى القضاء الحالات التي تسجَّل فيها وفيات داخل الحضانات.
ويرى النائب بلال عبد الله أن «الوضع العام في الحضانات يفرض تدخلاً عاجلاً، إذ تحوّلت دور الحضانة في لبنان إلى قطاع واسع ومتشعّب، لم يعد ممكناً ضبطه بمجرد قرارات أو مراسيم فحسب. المطلوب قانون واضح ينظّم القطاع على مستوى التراخيص، وآليات للمراقبة، ورفع مستوى الخدمات، بما يضمن حماية الأطفال وتأمين رعاية صحية وغذائية واجتماعية ونفسية لهم في غياب ذويهم، ويعطي في الوقت نفسه الطمأنينة للأهالي، وخصوصاً النساء العاملات».
بناءً على ذلك، تقدّم عبد الله في 2 أيلول الجاري باقتراح قانون لتنظيم الحضانات، مؤكداً أن «القانون سيحال قريباً إلى اللجان النيابية المختصة، وفي مقدمتها لجنة الصحة والعمل، وربما لجنة الإدارة والعدل». ويضيف: «لو لم تلمس وزارة الصحة خطورة الوضع والحاجة إلى معالجة سريعة، لما تفاعلت معنا بإيجابية خلال صياغة اقتراح القانون».
لكن، يبقى السؤال: هل المشكلة فعلاً في غياب النصوص القانونية، في ظل وجود تعاميم وقرارات تنظّم عمل دور الحضانة من حيث التراخيص والتجهيزات والإجازات والفئات المستهدفة؟ أم أن الإشكالية الأساسية تكمن في المرسوم 4876 المتعلق بفتح واستثمار دور الحضانة، والذي ترتكز عليه وزارة الصحة، وفي ضعف الإرادة أو القدرة على تطبيقه؟ وأليس الأجدى معالجة ما يحول دون تطبيق المراسيم والقرارات مثل النقص في الكوادر المسؤولة عن الرقابة والتفتيش مثلاً؟ إذ تشير منصور إلى أن «لدينا 26 طبيباً موزعين على الأقضية، أي مراقب صحي واحد فقط في كل منطقة عليه الكشف على جميع المؤسسات ذات الصلة، وبالتالي لا يستطيع القيام بأكثر من زيارة سنوية لكل حضانة، باستثناء الحالات التي تردنا بشأنها شكاوى».
في هذا السياق، شدّد عبد الله على أن «التشريع لا يأخذ في الاعتبار دائماً الجانب التنفيذي. فبعد إقرار القانون، على وزارة الصحة أن تصدر المراسيم والقرارات التطبيقية. وإذا كنا بحاجة إلى مفتشين إضافيين، فليكن». ولفت إلى أن القانون «يتناول نقاطاً جديدة لم تتطرّق إليها القرارات السابقة، لجهة تأسيس دور الحضانة وتنظيمها وآليات الرقابة عليها، مع تركيز خاص على الإشراف الطبي». ففي ما يتعلّق بالشق الصحي، ينصّ اقتراح القانون على إلزام كل حضانة بوجود ممرض مجاز بدوام كامل يتابع الوضع الصحي للأطفال، على أن تتم الاستعانة بممرض إضافي عند تجاوز عدد الأطفال الخمسة. كما يفرض القانون التعاقد مع طبيب للقيام بزيارات دورية إلى دار الحضانة.
أما في الجانب الرعائي، فيشترط القانون توفير حاضنة أو مقدّمة رعاية تكون مسؤولة عن تلبية الحاجات اليومية للأطفال من نظافة وغذاء ونوم، فضلاً عن تنظيم الأنشطة التربوية والتفاعلية ومراقبة سلوك الأطفال، على أن تعاونها مساعدة إضافية كلما زاد عدد الأطفال عن عشرة، بما يضمن الحدّ الأدنى من شروط الرعاية الآمنة والفعّالة.
ويسهب اقتراح القانون في تحديد الشروط القانونية والمعايير الصحية الواجب توافرها للترخيص بإنشاء دار حضانة. فعلى صعيد الموقع، يشترط أن تكون بعيدة من المناطق الصناعية والأماكن المسبّبة للضجيج أو التي قد تشكل خطراً على السلامة العامة أو في الطوابق العليا. أما من الناحية الهندسية، فيحدّد الاقتراح المساحات الدنيا للصفوف وغرف الألعاب بما يتناسب مع القدرة الاستيعابية والفئات العمرية، فضلاً عن الحد الأدنى لارتفاع الأسقف.
ويُلزم القانون بمراعاة شروط التهوئة والإضاءة الجيدة، وأن تكون أرضيات الغرف والصالات مغطاة بمواد لدنة للحد من الإصابات عند السقوط، وتقسيم الدور إلى قاعة طعام منفصلة عن المطبخ، وأخرى للعب والأنشطة، مع توفير غرفة للعزل الصحي، وغرفة مخصصة للرضاعة الطبيعية، ومكان مهيأ لتحضير زجاجات الحليب بطريقة صحية وآمنة من التلوث، إضافة إلى ركن خاص بتغيير الحفاضات.
ويخصص اقتراح القانون الفصل السابع للحضانات الدامجة، حيث تخضع عملية الدمج لرقابة وزارة الصحة التي تضع دليلاً مفصلاً بالمواصفات الفنية والإجرائية للمبنى، والمؤهلات المطلوبة للعاملين، والبرامج المعتمدة، ونسب الدمج المسموح بها. ويُشترط في دور الحضانة الدامجة تهيئة المبنى بما يضمن سهولة وصول الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وإعداد خطة فردية للرعاية والتربية لكل طفل بالتعاون مع الأهل والاختصاصيين.
كما يمنع استيفاء أي رسوم إضافية لقاء الدمج، إلا بموافقة مسبقة من الوزارة وبالاتفاق مع الأهل.
من حيث الشكل، يُعدّ القانون خطوة بالغة الأهمية، إذ يُغني عن كمّ كبير من المراسيم والقرارات النافذة، إلا أن التحدي الحقيقي يبقى في تطبيقه. فالمسؤولية الأساسية ستقع على عاتق دائرة الأمومة والطفل في وزارة الصحة، فيما يتوجّب على وزارة الداخلية والبلديات مؤازرتها في ضبط القطاع وإقفال الحضانات غير المرخّصة. كما إن على وزير الصحة التشدّد في إحالة أي مخالفة تتعلق بإساءة معاملة الطفل – لفظياً أو جسدياً أو معنوياً – أو معاقبته بأي شكل، أو إهماله، إلى القضاء المختص.
غير أنّ العقوبة وحدها لا تكفي. إذ تشير منصور إلى أن التوعية غالباً ما تكون أكثر فاعلية في الحدّ من العنف ضد الأطفال داخل الحضانات، لافتة إلى أن «80% من المعتدين لا يدركون أنهم يرتكبون خطأ، ولا يعرفون السلوكيات المحظورة، مثل الامتناع عن تقديم الطعام للطفل». لذلك، «تولّت الوزارة تدريب النقابات المعنية وتوعيتها بالمحظورات والعقوبات عبر سياسة الصون التي أطلقت بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) قبل شهرين، للحدّ من الأذى الذي قد يتسبب فيه موظفو دور الحضانة تجاه الأطفال».