لبنان

مطمر الجديدة يبلُغ حدَّه الأقصى: النفايات إلى الشوارع مجدّداً؟

كتبت رجانا حمية في الأخبار: 

مرة جديدة، «فاضت» النفايات في مطمر الجديدة (قضاء المتن)، الممدّد له منذ عام 2016. لكنّ الفرق هذه المرة بلوغه القدرة الاستيعابية القصوى، بعد مراكمة ثلاثة ملايين طن من النفايات فيه، عبر قرارات وزارية، كانت توسّعه إلى الأعلى، كلّما ضاقت الحلول.

والمتوقّع نتيجة لذلك خروج المكبّ من الخدمة مطلع تشرين الأول المقبل، لا سيّما بعد إعلان الشركة المتعهّدة «SJK» التوقّف عن استقبال النفايات، مع ما يعنيه ذلك من استعادة سيناريو غرق الشوارع بالنفايات، الذي يكاد يصبح مشهداً مألوفاً، منذ الأزمة الشهيرة عام 2015.

لم يصل المطمر فجأة إلى حافة الامتلاء، كما غيره من المطامر المؤقّتة المنتشرة على امتداد البلاد، فخلال السنوات الخمس الماضية، كان الوصول إلى هذه النتيجة محسوماً، بسبب اعتماد سياسة الترقيع، بدل إيجاد حلول جذرية ومستدامة.

ورغم أنّ الحكومة طلبت في أثناء هذه المدّة من وزارة البيئة العمل على خارطة طريق لإدارة للنفايات الصلبة (2020 – 2025)، إلّا أنّ المهلة انقضت، وتوسّع المطمر ثلاث مرات، آخرها قبل ثلاثة أشهر، من دون خروج الدخان الأبيض لخطّة النفايات المتكاملة التي كانت تقضي بإيجاد 25 موقّعاً للطمر وبناء ثلاثة معامل تفكيك حراري، إضافةً إلى عدد من معامل الفرز.

وإذا كانت الأزمة المالية قد فرملت العمل في مجمل الملفات، بما فيها النفايات، إلا أنه مع استعادة التوازن، لم يُعمَل جدّياً على المعالجة. فبعدما دقّ فيضان مطمر الجديدة مجدّداً في عام 2023، جرس الإنذار، تمّ التوافق حينها على البدء بتجهيز خليّة طمر صحي جديدة. وكُلّف مجلس الإنماء والإعمار بذلك. ثمّ دقّ جرس الإنذار مجدّداً قبل ثلاثة أشهر، مع تنبيه الشركة المتعهّدة إلى قرب الوصول إلى حافة الانفجار، وتشديدها على ضرورة تجهيز خلية الطمر الجديدة. فوضع بند توسعة المطمر على جدول مجلس الوزراء في أيار الماضي. حينها، عرضت وزارة البيئة تقريراً عن وضعية المطمر، مطالبةً بإيجاد بديل لتفادي أزمة نفايات في بيروت وجبل لبنان. إلّا أنه لم يُناقش في تلك الجلسة، ليُعاد وضعه في الجلسة التالية ويسقط مرةً أخرى، مع معارضة عدد من الوزراء له، باعتبار أنّ «المتن كفّى ووفّى».

لكنّ الخيارات اليوم ضيّقة، فـ«إمّا التوسعة، وإمّا إيجاد بديل آخر، وإمّا تتكدّس النفايات في الشارع»، يقول مدير الموقع ومسؤول الشركة المتعهّدة، توفيق قزموز.

ولذلك، كُلّف مجلس الإنماء والإعمار بالعمل على إعداد دراسة متكاملة للمطمر، وأعدّها بالفعل الاستشاري «رفيق خوري وشركاه»، وهي الشركة التي تتولّى مهمّات الإشراف على تنفيذ مشروع إنشاء وتشغيل خلايا طمر صحّي جديدة في الأراضي المستحدثة مقابل منطقة الجديدة.

وخلصت إلى أنه «يمكن إنشاء خليّة الطمر الجديدة الرقم 8 بمساحة 40 ألف متر مربع في المنطقة المواجهة لمنطقة الجديدة، وبقدرة استيعابية تبلغ 750 ألف طن، بما يسمح بزيادة عمر المطمر 16 شهراً إضافياً».

وعلى هذا الأساس، تستوعب الخليّة المزمع إنشاؤها 1500 طن من النفايات المنزلية الصلبة يومياً كمعدّل وسطي، مع إمكانية أن تمدّد هذه الصلاحية أربعة أشهر إضافية، عبر إقرار مبدأ «المبادلة» بين مطمري الجديدة والكوستابرافا، في أثناء العمل على تجهيز الخليّة. وهو حلّ انتقالي، لتعويض النفايات التي نُقلت سابقاً من الكوستابرافا، إلى الجديدة.

غير أنّ هذا الحلّ – المؤقّت – مشروط بأمرين أساسيّين، أولهما استصدار مرسوم لإعطاء بلدية الجديدة حق استثمار المساحات المستحدثة بالرّدم سابقاً، لكون المساحة المتبقّية التي يمكن إنشاء خليّة الطمر الجديدة الرقم 8 عليها، هي نفسها التي أعطى مجلس الوزراء في عام 2022 للبلدية الحقّ في استثمارها. وثانيهما السماح بنقل الرّدميّات الموجودة على قطعة الأرض التي ستستخدم كخليّة طمر جديدة إلى الأرض المحاذية جنوباً.

وإذا كان الشرط الثاني قابلاً للتلبية، عبر «العمل، ريثما تجهز الخليّة في حال الموافقة على التوسعة، على وضع النفايات بشكل Parking أو العمل على خلق مكان مؤقّت في المطمر، لوضع النفايات، ثم نقلها إلى الخليّة عندما تجهز»، وفقاً لقزموز. فإنّ الشرط الأول أشعل مواجهة مع البلدية، التي تعتبر إقامة خليّة الطمر الجديدة فوق العقار المُحدّد «سحباً لحقوق الاستثمار منها»، على ما يقول رئيسها أوغست باخوس.

ودفع هذا الأمر بالبلدية إلى المطالبة، قبل منحها الضوء الأخضر للمضي في خيار التوسعة، بإعطائها «حق الاستثمار لكامل سطح المطمر»، على أن يستتبع ذلك بمطالب أخرى، منها الإفراج عن التعويضات المستحقّة وإنشاء منظومة طاقة شمسية، والتنسيق مع كل الجهات المعنية لتحمّل مسؤوليّاتها تمهيداً للتخلّص من المطمر نهائياً. وفي هذا السياق، أشار باخوس إلى أنّ البلدية بصدد العمل «على تقديم دراسة معدّة من قبل شركة اختصاصية تدرس خيارات الحلّ الأمثل لمعالجة النفايات».

وحتى اللحظة، لا توافق على حلّ التوسعة في ظلّ رفض المتنيين لهكذا قرار وربط البلدية والاتحاد الأمر بتنفيذ مجموعة من المطالب. وفي حال التوافق، من المتوقّع أن يتمدّد المطمر أكثر قبل أن يصل إلى الفيضان ثمّ الانفجار.

لتجنّب ذلك، تقع المسؤوليات على الجميع، بدءاً من الحكومة التي تستسهل قرارات التوسعة في المطامر من دون العمل على إيجاد حلول نهائية، وصولاً إلى البلديات والاتحادات التي تتقاعس عن القيام بدورها.

وفي مسألة مطمر الجديدة، لم تجب البلديات المعنية من بلدية الجديدة إلى بيروت إلى اتحاد بلديات المتن الشمالي وكسروان الفتوح وغيرها، على طلب وزارة البيئة تحديد مواقع طمر جديدة وبديلة. كما تقع على عاتق وزارة البيئة مسؤولية الانتهاء من إعداد خطّة مستدامة لمعالجة أزمة النفايات، سواء لناحية اعتماد اللامركزية في المعالجة أو تفعيل الفرز من المصدر وغيرها من القرارات التي تحتاج إلى إرادة في البداية، قبل الوصول إلى معضلة التمويل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى