السيد فضل الله: على اللبنانيين أن يكونوا أكثر حرصًا في هذه المرحلة على الوحدة الداخلية

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
“عباد الله أوصيكم أوصي نفسي بما أوصى به الله سبحانه وتعالى داوود (ع) عندما قال له: اذهب إلى خلادة بنت أوس وبشرها بالجنة وأعلمها أنها قرينتك في الجنة، فذهب إليها فقرع الباب عليها فخرجت وقالت: هل نزل في شئ؟ قال: نعم، قالت: ما هو؟ قال: إن الله تعالى أوحى إلي وأخبرني أنك قريني في الجنة، وأن أبشرك بالجنة، قالت: أو يكون اسم وافق اسمي؟ قال: إنك لأنت هي، أريدك أن تخبريني عما أوصلك إلى ما وصلت إليه، فقالت: أخبرك أنه لم يصبني وجع قط نزل بي كائنا ما كان، ولا نزل ضر بي وحاجة وجوع كائنا ما كان إلا صبرت عليه، ولم أسأل الله كشفه عني حتى يحوله الله عني إلى العافية والسعة، ولم أطلب بها بدلا، وشكرت الله عليها وحمدته، فقال داود (ع): فبهذا بلغت ما بلغت.
أيها الأحبة إننا أحوج ما نكون إلى هذه القيمة التي تجعلنا نصبر على بلاء الله ونرضى بقضائه ولا نرى له بدلا وبذلك نكون أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحديات.
أضاف :” والبداية من العدوان الصهيوني المستمر على لبنان من سنة والذي لم يتوقف ولا يبدو أنه سيتوقف رغم الاتفاق الذي جرى معه والذي تم بضمانات دولية والتزام الدولة اللبنانية ومعها المقاومة بكل بنوده بل يسعى العدو من خلاله إلى أن يحقق من خلاله ما لم يستطع تحقيقه في الحرب من احتلال وتدمير منهجي للقرى الحدودية وعمليات الاغتيال والقصف للمواقع، وهو ما شهدنا نماذج منه في الأسبوع الماضي في المجزرة التي أودت بحياة عائلة جنوبية فاستشهد منهم ثلاثة أطفال مع أبيهم، في سياق الضغط على أهالي هذه المنطقة ومنعهم من عودة الحياة الطبيعية إليها، بعدما رأى اصرارهم على التشبث والبقاء فيها، مما يراه العدو تحديا له”.
وتابع : “وهنا لا بد أن نحيي هذا الصمود والثبات لأهالي الشريط الحدودي والذين يؤكدون ولمرة جديدة مدى تعلقهم بأرضهم وحبهم لها واستعدادهم لتحمل التضحيات من أجلها. وأن ننوه بكل الجهود التي تبذل من أجل ضمان هذه العودة في الوقت الذي نجدد فيه دعوتنا للحكومة اللبنانية إلى أن تولي هذه المنطقة اهتمامها والقيام بالدور المطلوب منها لتأمين كل المستلزمات التي تضمن لهؤلاء الأهالي العودة إلى أرضهم والثبات فيها وإعمارها.
ونبقى على هذا الصعيد، لنتوقف عند الكلام الخطير الذي صدر عن المبعوث الأميركي الذي وجه كلامه إلى الحكومة اللبنانية واتهمها بالتقصير وتغاضيها عن سعي المقاومة لاستعادة قدراتها وأنها تكتفي بالكلام من دون أفعال لعدم قيامها بالإسراع بنزع سلاح المقاومة من دون أن يأخذ في الاعتبار تداعيات ذلك على الداخل اللبناني وعلى السلم الأهلي، ومن دون أن يقوم بأي جهد لإلزام العدو بالقيام بما عليه لإيقاف اعتداءاته وانسحابه من الأراضي التي احتلها طبقا للاتفاق، وبإعلانه العداء لفريق وازن من اللبنانيين له دوره وحضوره داخل الدولة وعلى الصعيد الشعبي، ما يشير إلى الضغط الذي قد يمارس على الدولة اللبنانية لإخضاعها وإلى التغطية التي تم منحها وفي منحه للكيان الصهيوني لإطلاق يده في ممارسة الاعتداء على لبنان”.
ورأى السيد فضل الله ان “على اللبنانيين أن يكونوا أكثر حرصا في هذه المرحلة على الوحدة الداخلية ولا سيما من هم في مواقع المسؤولية، لقد كنا نأمل ألا تصدر أي قرارات تسهم في حصول توتر داخلي لا نريده، وأن يؤخذ في الاعتبار خصوصية الفعالية التي حصلت على صخرة الروشة من طبيعة المناسبة وخصوصيتها وموقع من لأجلهم كانت المناسبة وعدم المس بمعنويات من اكتووا ولا يزالون يكتوون بنار العدو الصهيوني واعتداءاته، في الوقت الذي ندعو أن لا يخرج ما حصل عن حدوده ونحن على هذا الصعيد سنبقى نراهن على العقلاء والواعين والحريصين على هذا الوطن لمعالجة تداعيات ما حصل في وقت نحن أحوج ما نكون إلى تعزيز الوحدة الإسلامية والوطنية منعا لاستغلال ما حصل ممن لا يريدون خيرا بهذا البلد”.
ودعا فضل الله اللبنانيين الى “أن يكونوا أكثر وعيا للمخاطر التي تترتب على ما يجري في المنطقة والتي يسعى العدو فيها للاستفادة من قدراته العسكرية وموقعه المتفوق والتغطية الأميركية التي يحظى بها لفرض شروطه على دول المنطقة وإدخالها ضمن اتفاقيات أمنية تكون لحسابه وعلى حساب المنطقة كلها”، معلنا ان “هذا لا يتم إلا باستحضار مواقع قوتهم وعدم التفريط بوحدتهم التي تبقى صمام الأمان لهذا البلد”.
وتوقف “عند الذي جرى أخيرا في الأمم المتحدة من تأييد واسع لدولة فلسطين والذي أدى إلى مزيد من العزلة الدولية على الكيان الصهيوني”، ورأى فيه “ولادة لمناخ سياسي دولي مؤيد للقضية الفلسطينية، ونأمل أن تؤدي هذه الخطوة إلى تحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني الصابر بالعيش بحرية وكرامة وعزة يستحقها وذلك في ظلال دولة كنا وسنبقى نراها في كل فلسطين من البحر إلى النهر”.
وتطرق فضل الله الى الوضع في فلسطين المحتلة، داعيا الدول العربية والإسلامية “إلى الضغط، بكل ما تستطيع لوقف حرب الإبادة التي تشن على الشعب الفلسطيني ولتهجير من يبقى منه، ونحن على ثقة أن هذه الدول تستطيع القيام بخطوات عملية من شأنها وقف إجراءات العدو واعتداءاته في غزة والضفة على السواء، بعد شبه الإجماع العالمي الذي حصل بتأييد دوله للشعب الفلسطيني”.
وقال :”في الوقت الذي نحيي فيه صمود هذا الشعب الذي يقدم في كل يوم أنموذجا يحتذى في مواجهة هذا العدو رغم قلة الإمكانات والقدرات، وهنا نرحب بالمواقف الداعمة لهذا الشعب وخصوصا من يسعون اليوم لكسر الحصار عن غزة من خلال الأسطول الكبير من السفن والذي يواصل مسيرته رغم استهدافه من قبل العدو ما يشير إلى وجود ضمائر لا تزال حية في هذا العالم والتي ينبغي أن يراهن على تعزيزها”.
وتوقف السيد فضل الله عند ذكرى مرور عام على الحرب الصهيونية العدوانية على لبنان وما ألحقته من دمار كبير في الجنوب والبقاع والضاحية. لنستذكر ونحن نستعيدها آلاف الشهداء الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من نصرة المظلومين في أرضهم وفي حماية وطنهم والحفاظ على عزته وكرامته وألا يكون للعدو موقعا فيه وعلى رأسهم الشهيدين العزيزين سماحة السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين الذين قدموا بشهادتهم أنموذجا في البسالة والتضحية والفداء، والذي يشهد على ذلك ما صنعوه من انتصارات وعزة للوطن والأمة والمواقع التي ثبتوا فيها ولم يغادروها حتى الشهادة، ولا ننسى الشهداء الأحياء من الجرحى والصابرين وعوائل الشهداء وشعبنا الأبي المضحي والصابر الذي بقي محافظا على مبادئه وعزيمته وقيمه وإرادته الصلبة رغم ما عانى ولا يزال يعاني منه من التهجير والتدمير”.