لبنان

خطة أميركية لتجميد الحرب: هل يفعلها ترامب هذه المرة؟

كتب محمد دبوق في الأخبار: 

مجدّداً، طرحت إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خطة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مكوّنة من 21 بنداً، تُنسب إلى ترامب نفسه، وإن كانت في الحقيقة نتيجة تنسيق وتخطيط مشترك بين واشنطن وتل أبيب، ما يعني أنها قد لا تختلف عن سابقاتها، لناحية إمكانية العودة إلى نقضها لاحقاً، وباتفاق الطرفين أيضاً. ذلك أن استمرار الحرب أو تأجيل نهايتها، ظلّ يخدم حسابات خاصة ما زالت تطغى على أي رغبة حقيقية في التوصّل إلى تسويات.

وفي الأصل، لم يكن شنّ الحرب قراراً إسرائيلياً خالصاً، بل بدا منذ البداية مقروناً بموافقة أميركية صريحة أو ضمنية. وعلى الرغم من وجود الإرادة والقدرة العسكرية والدافع السياسي لدى تل أبيب، بقي تنفيذ أي حملة واسعة النطاق معلّقاً على شرط حاسم، هو الضوء الأخضر من واشنطن.

فهل تؤشر التصريحات الصادرة عن ترامب أخيراً، والتي تضمنت عبارات من مثل: “لا أسمح لإسرائيل” و “كفى”، و”حان الوقت للتوقّف”، إلى تغير في نهج واشنطن التي كانت دأبت على تقديم دعم غير مشروط لإسرائيل وتغطية كل جريمة ترتكبها؟
الواقع أن المصالح الأميركية، وحتى الشخصية منها، تدفع إدارة ترامب إلى تبنّي موقف أكثر “معقولية”، خاصة الآن، من أجل احتواء تداعيات الحرب قبل أن تصل إلى مستوى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة، ليس فقط في الإقليم، بل أيضاً على المستوى العالمي – وهو واقع تلمّسه ترامب جيداً، خلال لقاءاته الأخيرة مع زعماء دول على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث كانت الحرب على غزة وضرورة إنهائها، بنداً أساسياً -.

وفي المقابل، تسعى إسرائيل، أو على الأقل حكومة بنيامين نتنياهو، إلى مواصلة الحرب لتحقيق أهداف تتجاوز تلك المعلنة، وتشمل تثبيت هيمنة اليمين الداخلية وتأجيل حسابات سياسية وقضائية، والأهم، لدى مكوّنات وازنة في الحكومة نفسها، رسم خريطة ديموغرافية مغايرة لقطاع غزة.

لكن النتيجة لا تتحدّد بين الحليفين وفقاً لمعادلة “أراد الأميركي، فحصل له ما أراد”، بل وفق مشاورات وتنسيق، خاصة أن إنهاء الحرب في ذاته ليس مصلحة وجودية لأميركا، ما يعني أن بإمكان الأخيرة التعايش معها ومع تبعاتها طويلاً؛ فيما استمرارها أيضاً، ليس مصلحة وجودية لإسرائيل، التي بإمكانها التخلي عنها، والبحث عن بدائل لها. ولهذا، قد يتم التوصل إلى نتيجة تسووية من خلال اللقاءات المكثّفة، سواء بين ترامب ونتنياهو، أو بين كبار المسؤولين في واشنطن وتل أبيب. وإذا كانت هناك جدية أميركية هذه المرة، فستكون المفاوضات صعبة بين طرفين يختلفان الآن في أولوياتهما، ويتباينان في التوقيت.

ذلك أنه إذا صحّ ما يرد من تسريبات، سواء من الإدارة الأميركية أو من أوساط مقربة من نتنياهو، فمعنى ذلك أن واشنطن لم تعد تنظر إلى الحرب كوسيلة لتعزيز الحليف الإسرائيلي، بل كعبء متزايد يهدّد صورتها الدولية، ويُعقّد خططها واستراتيجياتها، ويستنزف مواردها الدبلوماسية والعسكرية. أما تل أبيب، فترى في أي تسوية مبكرة تهديداً لقيادتها ومؤسستها السياسية وسرديتها الأمنية ونيّاتها التوسّعية في “استعادة الأرض اليهودية” في غزة. ولذا، فإن الخطة الأميركية لم تلق ترحيباً من تل أبيب التي سجّلت “تحفّظات” عليها – وإن كانت هي التي بلورتها مع الجانب الأميركي – تطاول أكثر من بند، يعتبرها مقرّبون من نتنياهو مضرة بـ”المصالح الأمنية الوجودية” لإسرائيل.

ومن بين التحفّظات الإسرائيلية، أن واشنطن لا تشترط نزع سلاح “حماس” أولاً، كمقدّمة لمواصلة تنفيذ بنود الخطّة، بمعنى أنها لا تربط عملياً وقف إطلاق النار بشكل صريح، بإنهاء وجود “حماس” العسكري في غزة، بل تنظر إلى نزع السلاح كعملية طويلة الأمد تتم بالتوازي مع ترتيبات سياسية وأمنية أخرى. وهذا يعني من ناحية تل أبيب، إنهاء الحرب بلا تحقيق أهدافها المعلنة وغير المعلنة.

لكن ما صدر عن ترامب أخيراً، ربما يوحي بأن الدعم الأميركي لرؤية نتنياهو لم يعد بلا شروط؛ إذ قال ترامب أمام الصحافيين في نيويورك: “لن أسمح لإسرائيل بضمّ الضفة الغربية. كفى، حان الوقت للتوقّف”، وهي كلمات أحدثت “زلزالاً” لدى اليمين الإسرائيلي، الذي تعامل حتى الأمس مع موقف واشنطن باعتباره فرصة ذهبية لإحداث واقع في الضفة لا رجعة فيه.

مع ذلك، يُنظر إلى خطّة ترامب الجديدة على أنها ستخضع لتعديلات، تجعلها أكثر ملاءمة للتسويق داخلياً لدى تل أبيب، وقد تشمل تسوية لمسألة وقف إطلاق النار، أو انسحاباً تدريجياً من مناطق محدّدة، أو صفقة أسرى على مراحل ودفعات؛ لكنها على الأرجح لن تلامس القضايا الجوهرية، لأن المبادرة نفسها، على الرغم من كل بنودها وإشكالياتها من الناحية التنفيذية، ليست مبادرة لإنهاء الحرب، بل لتجميدها.

وعلى أي حال، فإن السؤال الأساسي هو: هل يملك ترامب الإرادة الكافية لفرض تغيير حقيقي في حال قرّر نتنياهو أن يتملّص مما يُطلب منه، بل ومما يلتزم به؟ وهل يملك الأخير في ضوء الحصار الداخلي والخارجي الذي يواجهه، القدرة على الرفض في حال فشله في المماطلة والتسويف؟ الإجابة لا تكمن فقط في إرادة واشنطن وتل أبيب الابتدائية، بل في موازين القوة الحقيقية بينهما؛ فما دام كل طرف يراهن على أن الآخر لن يذهب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى