سوريا

حركة “أحجار” الشرق السوري تتسارع.. الشرع – “قسد”: حساباتُ معركةٍ فاصلة

كتب فراس الشوفي في الأخبار: 

مرّة جديدة، كاد الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، يقع في فخ أخطائه، بعدما هاجمت قواته خلال اليومين الماضيين حييّ الأشرفية والشيخ مقصود في حلب، واللذين تديرهما «الأسايش»، وبدأت تحشيداً عسكرياً على جبهات دير حافر وريف حلب الشرقي ضد «قسد». وإذا كان اتفاق 10 آذار الذي وقّعه الشرع مرغماً مع مظلوم عبدي قائد «قسد»، غداة المجازر التي ارتكبتها قواته في الساحل السوري، محاولة للخروج من الورطة، فإن اتفاق وقف إطلاق النار الجديد الذي أُعلن أمس، ليس إلّا تهدئة مرحلية، فرضها الأميركيون خشية انفلات الوضع على مصراعيه بين دمشق و»الإدارة الذاتية».

من حيث الشكل، بدا أن الأميركيين نجحوا في إقناع عبدي باللقاء مع الشرع في دمشق، بعد أن زار الأول المبعوث الرئاسي الأميركي، توم برّاك، وقائد القيادة الوسطى الأميركي، براد كوبر، في الحسكة أول من أمس. ويأتي هذا اللقاء بعد انقطاعٍ لأشهر، وتوتّر في العلاقات بين الطرفين على خلفية التهديدات التي يطلقها الأتراك ورموز النظام الجديد ضد «قسد»، والتحشيد العسكري على الجبهات، وبعض المضايقات الشخصية تجاه قيادات من «الإدارة الذاتية»، تستخدم طريق بيروت ـ دمشق ـ الحسكة.

وتصاعدت التوترات أخيراً بعد أن حاول الشرع الالتفاف على «قسد»، عبر محاولة التحاور مع «المجلس الوطني الكردي» المحسوب على المعارضة السورية السابقة، بترتيب من الأتراك. إلّا أن إشارات واضحة وصلت إلى المجلس من الأميركيين بعدم القيام بخطوات أحادية، وإلى الشرع بعدم تجاوز «قسد» والحوار معها بوصفها «المرجعية» في الشرق السوري. ودفع ذلك، المجلس إلى التراجع عن تلبية دعوة الشرع لزيارة دمشق، خصوصاً أن خطوة من هذا النوع قد ترتد سلباً على الأول ويخسر تمثيله نهائياً عند الكرد، كما حصل في السويداء مع ليث البلعوس وسليمان عبد الباقي بعد تقربهما من النظام الجديد.

أما في المضمون، فجاء بيان «الإدارة الذاتية» ليل أمس، ليؤكّد عمق الأزمة بين الطرفين وهشاشة وقف إطلاق النار؛ إذ أكّدت الإدارة أنه لم يتم توقيع أي وثيقة بين الطرفين، معلنةً تمسّكها برؤيتها لشكل سوريا المستقبلية، والتي تتناقض جذرياً مع طموحات الشرع، ومن خلفه تركيا، داعمه الأكبر.

ونقلت قناة «سكاي نيوز» عن مصادرها أن عبدي طالب بمنطقة حكم ذاتي على غرار كردستان العراق، ما يعني – في حال صحته – أن الإدارة تخطّت المطالبة بنظام لا مركزي إلى شيء يشبه النموذج الكردي في العراق. وإذ تجاهر الإدارة بإصرارها على بقاء قواتها كتلة واحدة في حال الاتفاق على الانضمام إلى الجيش السوري الجديد، يحاول الشرع الضغط على الكرد عسكرياً للقبول بالاندماج الكلي في جيشه الجديد والاكتفاء بهامش الحكم اللامركزي الذي منحه القانون 107 الصادر عام 2011.

وينال التصور حول الدمج العسكري الذي تطرحه «قسد»، رضى دوائر مهمة في الولايات المتحدة، خصوصاً من البنتاغون الذي أشرف على تدريب «قسد» وتسليحها ضد «داعش» خلال السنوات الماضية، فضلاً عن أن براك نفسه أسقط شعاراته حول مركزية النظام ووحدة البلاد، لصالح الحديث عن نظام لا مركزي أو فدرالي يؤمن «حماية الأقليات»، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام «الإدارة الذاتية» للتمسك بمطالب أكثر تطرّفاً مع الوقت، بالاستفادة من أخطاء الشرع.

هكذا، يشكل ما تطرحه «قسد» تحديّاً كبيراً بالنسبة للشرع، سواء على المستوى الداخلي أو ذلك الخارجي. فالرئيس الانتقالي والمحيطون به والمسؤولون الأتراك، لم يتوقّفوا منذ أشهر عن تهديد «قسد» في حال رفضها الاندماج وتسليم المناطق التي تسيطر عليها، بالإضافة إلى الحديث على أن الولايات المتحدة تدعم القيام بعملية عسكرية لإخضاع الأكراد. لكن الوقائع تعاكس تلك الافتراضات، إن لناحية قدرة قوات الشرع على إخضاع «قسد» عسكرياً (وهو ما ظهر في أكثر من مناسبة آخرها أمس)، أو لناحية موقف واشنطن التي لا تزال تدعم الأكراد بالمال والسلاح والحماية، فضلاً عن مدى الدعم الذي تنوي تركيا مد الشرع به في حال اتخاذه مثل هذه الخطوة.

يضاف إلى ما تقدم، أن التهديدات التركية والسورية والتحشيدات العسكرية لفصائل الشرع المقرّبة من تركيا والخاضعة للعقوبات الأوروبية مثل «الحمزات» و»العمشات»، أجادت «قسد» استخدامها لشد عصب السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وكذلك للحصول على دعم غربي للتمسّك بمطلب شبه الحكم الذاتي ورفض التذويب العسكري. أيضاً، رفعت «قسد» من مستوى تنسيقها مع الشخصيات الدرزية والعلوية المعارضة لحكم الشرع، واستقطبت بعض الشخصيات السنيّة، وهو ما ظهر في مؤتمر الحسكة قبل نحو شهر.

وبينما تشدّ «الإدارة الذاتية» عضد حلفائها، لا يبدو دعم العشائر في الشرق السوري للشرع مضموناً، خصوصاً أن تجربة السويداء سببّت أذى كبيراً لبعض العشائر الكبرى، إن بسبب تحميل النظام إياها مسؤولية الانتهاكات التي وقعت، أو بسبب الحديث عن وضع بعض رموزها على لوائح العقوبات الأوروبية في وقت قريب، استناداً إلى تقارير ودعاوى شخصية وعامة قدمها ورفعها ناشطون ومؤسسات سورية ودولية في أوروبا لمحاسبة مرتكبي المجازر والانتهاكات في الساحل والسويداء.

والواقع أن عوامل كثيرة من بينها الحسابات العشائرية الداخلية والعلاقة مع «قسد»، تتداخل في تحديد خيار العشائر في الانقلاب على «قسد» أو القتال إلى جانبها ضد الشرع. وفيما تبدو عشائر الحسكة والقامشلي منسجمة مع «الذاتية»، تبقى دير الزور مساحة شائكة، حيث الكثير من العشائر لا تزال صامتة ولم تعلن موقفها؛ علماً أن قبيلة العقيدات التي تسكن شرق دير الزور تميل إلى دعم الشرع، وهو ما عبرت عنه شخصيات بارزة فيها مثل الشيخ سامي الهفل الذي سبق أن ظهر على أكثر من قناة تلفزيونية متوعداً «قسد» والدروز والعلويين، في حين أثبتت الفيديوهات المسرّبة من السويداء ومن صحنايا وجرمانا والساحل مشاركة بعض مجموعات العقيدات في الهجمات والانتهاكات التي وقعت هناك.

أما تركيا، فلا يبدو أن تحريضها سينتج دعماً عسكرياً مباشراً للشرع في حال تورّطه في معركة مع «قسد»، وذلك لسببين: الأول، احتمال انهيار الاتفاق الهش أصلاً مع «حزب العمال الكردستاني» وقائده عبد الله أوجلان، ما يعني خللاً كبيراً في حسابات الرئيس رجب أردوغان السياسية والانتخابية؛ أما الثاني، فهو خشية تركيا من التدخل الإسرائيلي المباشر وضرب قوات الشرع والقوات التركية التي تسانده في حال اندلاع المواجهة. فتل أبيب التي لم تضيّع فرصة التدخل في السويداء، لا يمكن أن تضيّع فرصة التدخل لصالح «قسد»، لتكون قد كسبت بذلك نفوذاً شبه كامل على الساحة السورية، خصوصاً أنها حصلت من الشرع على ما تريده من تنازلات من دون أن تضطر إلى توقيع أي اتفاق معه، وهي تبني على أخطائه لكي تكسب المزيد من الحلفاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى