ما بعد «اليونيفل»: أوروبا تبحث عن تثبيت حضورها العسكري

لم يكن قرار مجلس الأمن الرقم 2790، والقاضي بتجديد مهمة «اليونيفل» حتى نهاية 2026 لمرة أخيرة، محبّباً لدى الدول الأوروبية، خصوصاً تلك التي تملك حضوراً عسكرياً وازناً في قوات حفظ السلام الدولية العاملة في جنوب لبنان، مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا.
فالدول الأوروبية، خضعت مرغمةً للتفاهم الأميركي – الإسرائيلي حول لبنان، وللقرار الأميركي الحاسم بالتراجع عن الالتزامات المالية بوقف تمويل الأمم المتحدة، خشية الصدام مع الأميركيين. لكنّ الحديث في الأروقة العسكرية الأوروبية بات مفتوحاً حول اليوم التالي لنهاية مهمة «اليونيفل»، ومصير الانتشار العسكري الأوروبي في جنوب لبنان، على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط.
وبحسب مصادر دبلوماسية وعسكرية أوروبية ولبنانية، فإن الدول الأوروبية، خصوصاً فرنسا وإيطاليا وألمانيا، بدأت البحث عن بدائل لإدامة الحضور عسكرياً في لبنان بشكل مختلف، مثل توقيع اتفاقات منفصلة مع الدولة اللبنانية والجيش اللبناني، وبصيغ مختلفة، من بينها ما قد يكون مشابهاً أو استمراراً للجنة الفنية (التقنية) العسكرية للبنان (MTC4L) التي أسّسها الإيطاليون، أو حتى قوّة مشابهة لليونيفل، لكن أوروبية فقط.
ويقول مصدر دبلوماسي، إن نائب الأمين العام للسلام والأمن والدفاع في جهاز العمل الخارجي الأوروبي شارل فري، الذي زار لبنان في 8 و9 تشرين الأول الجاري، عبّر في لقاءاته الرسمية عن اهتمام أوروبي بالحضور العسكري في لبنان بالتعاون والتنسيق مع الجيش اللبناني، ورغبة الأوروبيين في تأمين دعم عسكري ومادي له.
الفرنسيون الذين يقودون رئاسة أركان «اليونيفل» بشكل دائم، والإيطاليون والإسبان الذين يتناوبون بشكل شبه دوري على منصب قائد القوات الدولية، والألمان الذين يمسكون بالقوة البحرية، يجدون الحضور العسكري في جنوب لبنان فرصة متعدّدة الأوجه للطموحات العسكرية الأوروبية المتزايدة، إذ دفعت الحرب الروسية – الأوكرانية والتصعيد بين روسيا وأوروبا، والتوتر المتزايد بين الأوروبيين وإيران، والتضارب بين أوروبا وإدارة الرئيس دونالد ترامب حول ملفات متعددة، الجيوش الأوروبية إلى التمسّك بمناطق الانتشار وتعزيزها، مثل لبنان والبلقان ودول الجبهة الشرقية مع روسيا، خصوصاً مع فقدان أوروبا الغربية مواطئ قدم تاريخية في أفريقيا، ولا سيّما فرنسا.
وينظر الأوروبيون إلى الحضور العسكري الحالي في لبنان، كإحدى أوراق القوة السياسية ونقاط التأثير في المتوسط والبر الآسيوي، في بلدٍ لطالما وجد فيه الأوروبيون منطقة نفوذ أساسية وفضاء للتنافس الجيوسياسي البيني، ومع القوى الشرقية وتركيا تاريخياً.
فضلاً عن أن انتشار الجيوش الأوروبية في جنوب لبنان خلال العقود الأخيرة، سمح لدولها بأن تكون على مقربة من الأحداث في واحدة من أكثر مناطق الصراع حدّة، وأن تلعب الأدوار، بالإضافة إلى تدريب جنودها على المهام خارج الحدود من دون تعريضها لخطر جسيم وتحمّل مسؤوليات مخاطر كبرى. ويشجّع الأوروبيون على ذلك، تراجع تأثير حزب الله في السلطة التنفيذية وفي الحضور العسكري المباشر بعد التحوّلات السياسية الأخيرة، وكذلك شعور الأوروبيين بتفضيل اللبنانيين بشكل عام، الدور الأوروبي المتوازن لتخفيف حدّة الدور الأميركي الذي تنتهجه الإدارة الحالية.
فراس الشوفي _ الاخبار



