سوريا

موسم “الحرب على الإرهاب”: طريق الشرع (ليست) سالكة

كتب فراس الشوفي في الأخبار: 

لم يعد أمام الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، هامش اللعب على الوقت والتملّص من خوض المعركة المنتظرة ضدّ «إخوة الأمس» من الجهاديين السوريين والأجانب. بين الحرب على تنظيم «داعش» المطلوبة أميركياً، والحرب على المقاتلين الإرهابيين الأجانب (الذين باتوا جزءاً من الجيش الجديد) المطلوبة دُولياً، يترقّب العسكريون والأمنيّون الغربيون وبعض العرب المعنيّين بالشأن السوري، بدء مرحلة جديدة ستنتج منها تداعيات سياسية وأمنية وعسكرية على سوريا والمنطقة.

هنا، لا يبدو أنّ رشّات العطر التي بخّها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على أذني الشرع، ستخفّف من حجم المهمّة الملقاة على عاتق الأخير أميركياً، والتي يُراد منه بموجبها إثبات الجدوى والدور، لا سيّما في ملف «الحرب على الإرهاب». ولعلّ هذا هو ما قصده وزير الخارجية الأميركية، مايك روبيو، حين أكّد، في معرض تبريره استقبال الشرع، أنّ الإدارة الحالية تريد أن تمنح السلطة الانتقالية فرصة القيام بالمهام المطلوبة منها في ذلك المجال.

على أنّ الشرع، يصطدم بمشاكل متعدّدة وتعقيدات مركّبة في أداء هذه المهمة بالذات، في مقدّمها أنّ المطلوب منه الانقلاب على جزء رئيس من قاعدته خاض به معارك الساحل والسويداء وضدّ فصائل «الجيش الحر» سابقاً، في وقت قطع فيه الجسور مع شرائح من السوريين منذ وصوله إلى السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، رغم الفرصة التي قُدّمت إليه في أثناء الأيام الأولى، قبل بدء حفلة الانتقام العشوائي.

صحيح أنّ الولايات المتحدة، تريد تركيز جهود الشرع على مكافحة تنظيم «داعش»، لأسباب أمنيّة وجيوسياسية وأخرى داخلية متعلّقة برغبة ترامب في الانسحاب من سوريا. إلّا أنّ قرار مجلس الأمن الذي رفع المجلس بموجبه عقوبات الأمم المتحدة عن الشرع، ووزير داخليته صاحب كتاب «تحالف عباد الصليب ضدّ مجاهدي بلاد الشام»، يحتّم على الشرع التحرّك أيضاً ضدّ المقاتلين الأجانب، الذين لطالما شكّلوا رأس حربة «هيئة التحرير الشام» العسكرية وذراع «أبو محمد الجولاني» الضاربة في المعارك ضد الجيش المنحلّ وفصائل المعارضة المسلّحة التي قاتلها الشرع، قبل وبعد انحساره في إدلب.

على أيّ حال، فإنّ زيارة الشرع إلى واشنطن، وقرار مجلس الأمن، أكّدا المؤكّد لدى فصائل المقاتلين الأجانب، الذي قدّرهم المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، غير بيدرسون، بـ 25 ألفاً؛ ومفاده أنّ الشرع، يتحضّر للمعركة ضدهم، وأنه ينوي استخدام الأساليب نفسها التي استخدمها مع غيرهم (القضم والاستفراد)، تمهيداً للتخلّص منهم وإنهاء هذا الملفّ الذي تصرّ عليه الأجندة الدولية.
وكان شكّل هجوم الأمن العام التابع للشرع على مخيم المقاتلين الفرنسيين، نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه التحالفات المقبلة في حال اندلاع المعارك الواسعة؛ إذ إنّ مختلف فصائل الجهاديين وقفت إلى جانب الفرنسيين وقطعت الطريق على استفراد الشرع بهؤلاء. كذلك، لم تعُد فصائل الأجانب تتعامل مع الحرب على «داعش» كما كان الأمر سابقاً، حين انحاز البعض إلى جانب الشرع، بينما بقي الآخرون على الحياد مع اندلاع المعارك بين «جبهة النصرة» والتنظيم؛ بل بات عنوان الحرب على «داعش» مصدراً للقلق والتوجّس بالنسبة إلى التركستان والشيشان والأوزبك والإيغور وغيرهم، من نيّة الشرع، استخدام عباءة قتال التنظيم للالتفاف عليهم.

ولا تختلف تعهّدات الشرع في موسكو، والتي قدّمها في أثناء لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كثيراً عن التزاماته في واشنطن؛ إذ تصبّ جميعها في خانة شنّ حرب مفتوحة على مختلف الفصائل التي لا تزال تتمسّك بالهوية الأصلية للرجل، وترفض القيام بتحوّلات سياسية تضمن «حقوق» الجماعات الدينية المختلفة، وهو ما سيجعله يظهر قوياً على «جماعته»، ضعيفاً أمام «الكفّار». ويدأب «داعش»، في نشراته الإعلامية منذ أشهر، على ربط الشرع بـ«التحالف الدولي»، وتصويره على أنه ينفّذ تعليمات الخارج في عدم إقامة حكم إسلامي، بل يتشبّه «بالطواغيت» وفق ما يصف به التنظيم الحكام العرب، فضلاً عن التركيز على تنازلاته لإسرائيل.

وبينما تزداد دعوات تكفير الشرع من التيارات التي كانت تدعمه بالأمس، لا يبدو أنّ الرجل سيستطيع كسب ودّ المكوّنات التي سال دم أبنائها بأمرٍ منه في الساحل والسويداء والشيخ مقصود، في ظلّ التهديدات المستمرّة للكرد، والانتهاكات اليومية التي تقوم بها قوات النظام الجديد في المدن السورية، وحملات التضييق على المخالفين فكرياً من رجال الدين السّنة. وبذلك، يكون الشرع، قد خسر قاعدته الجهادية من دون أن يكسب حلفاء جدداً، وهو ما يدفع أكثر المراقبين تفاؤلاً إلى اعتبار مشاهد العنف التي ظهرت في السويداء والساحل، نموذجاً بسيطاً ممّا يمكن أن يظهر حين تبدأ «حرب الجهاديين»؛ وما معارك دير الزور وإدلب من 2014 وحتى 2018 إلا دليل على ما تقدّم.
لكنّ أسوأ ما يتعرّض إليه الشرع الآن، هو من حلفائه الجدد في الإدارة الأميركية، الذين يسرّب بعضهم (إلى صحيفة «نيويورك تايمز») أنه يتعاون مع «التحالف الدولي» ويعطيه المعلومات عن الجهاديين منذ العام 2016، ويدفع بعضهم الآخر (كما السفير الأميركي في سوريا توم برّاك) إلى توريطه ورطة جديدة بالحديث عن نيّته قتال «داعش» و«حماس» والحرس الثوري الإيراني و«حزب الله»، لحساب الأميركيين. وتصريح برّاك هذا، يضع الشرع في مواجهة مع تنظيم «الإخوان المسلمين» ومع أنصار القضية الفلسطينية في سوريا عموماً ويزعج القطريين والأتراك، وذلك بعد أن ظهر الرئيس الانتقالي في المدّة الأخيرة في مظهر من يقدّم التنازلات على حساب السيادة والأرض السوريتين لتل أبيب، مقابل الاعتراف به. كما أنّ التصريح المذكور يخالف الرسائل التي ينقلها الأتراك إلى الإيرانيين عن أنّ الشرع، لا ينوي مواجهتهم ولا يعاديهم – والتي تستهدف ثني الأخيرين عن القيام بتحرّكات معادية ضدّه -؛ وهو يعاكس أيضاً الرسائل التي نقلها الشرع إلى «حزب الله» عن عدم نيّته مواجهة الحزب في مقابل وقف الأخير أي نشاط له داخل الأراضي السورية، بحسب ما نقله قبل مدّة بيدرسون من دمشق إلى بيروت.

على أنه ثمّة مشكلة تقنية أخرى في مشروع إشراك الشرع في «الحرب على الإرهاب»، هي الاختلاط الكبير بين المنضوين تحت قواته المسلحة الجديدة، وعناصر تنظيم «داعش» الذين عادوا إلى المدن بعد سقوط النظام السابق ونقلوا نشاطهم الأمني والعسكري والدعوي إلى المناطق المأهولة، مع استمرار وجودهم في مساحات شاسعة من البادية. إذ إنّ الصور والفيديوهات التي لا تزال تنتشر لتحرّكات قوات الشرع، لا سيّما في مذابح الساحل والسويداء وعلى جبهات دير حافر مع «قسد»، تكشف أنّ الكثير من عناصر هذه القوات يحملون شارات «داعش» ويفاخرون بها. حتى أنّ بعض أفراد التنظيم المعروفين شاركوا في المجازر بشكل مباشر ووثقوا ذلك عبر الكاميرات، من دون أن تتمّ ملاحقتهم، وهو ما يخفّض من منسوب ثقة «التحالف» بقواته، لا سيّما في ظلّ كمّ الأخطاء الأمنية والدعائية المتراكمة في أثناء العمليات الأميركية الأخيرة المنسّقة مع الجيش السوري الجديد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى