“عراضة” البيت الأبيض عقيمة… نتنياهو للشرع: لا تنازلات!

كتب فراس الشوفي في الأخبار:
لم يكد الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، يعود من لقائه مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، مزهوّاً باستقباله في البيت الأبيض ومباركة الحاخام اليهودي يوسف حمرا للزيارة، حتى كثّفت إسرائيل من تحرّكاتها على الأرض السورية، عسكرياً وسياسياً وأمنياً واجتماعياً. وكالعادة، تدأب وسائل الإعلام السورية والمؤثّرون المقرّبون من النظام الجديد، بالإضافة إلى بعض وسائل الإعلام العربية والغربية والتركية، على تسويق اقتراب موعد توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل، كأحد أبرز إنجازات السلطات الانتقالية، تماماً كما حصل قبيل زيارة الشرع إلى نيويورك، ومشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. إلّا أنّ الخيبة سرعان ما تعود وتتسلّل إلى هؤلاء في كلّ مرّة، فيبدأون تارةً بترويج مواقف «بطولية» للشرع وسلطته لتبرير فشل الاتفاق، وتارةً أخرى بالحديث عن فرض الولايات المتحدة على إسرائيل، التراجع عن خططها تجاه سوريا، والتنازل عن ما استولت عليه بالقوّة العسكرية واستغلال الفرصة.
على أنّ الوقائع اليومية للتحرّكات الإسرائيلية، والتصاريح العلنية لقادة الاحتلال وإعلامه، لا تفتأ تعاكس كل تلك السرديات الإعلامية. فعلى سبيل المثال، اختصر وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي السابق، رون ديرمر (قدم استقالته من منصبه الأسبوع الماضي)، الذي ترأّس وفد التفاوض الإسرائيلي في أثناء اللقاءات مع الشرع وممثّليه، في أذربيجان وغيرها، الموقف الحقيقي الإسرائيلي، وذلك في تعليق على زيارة الرئيس السوري الانتقالي إلى الولايات المتحدة. إذ شبّه ديرمر، في مقابلة مع تلفزيون عبري، الشرع، بشخصية «الأدميرال الجنرال علاء الدين» الكاريكاتورية، التي أدّاها الممثل البريطاني اليهودي ساشا كوهين، في فيلم «الدكتاتور»، حيث يترك دولته «جمهورية واديّة» (Wadiya) لإلقاء كلمة في نيويورك، قبل أن يتوه هناك.
وجاءت زيارة رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزيري الحرب والخارجية وقائد المنطقة الشمالية وآخرين إلى محافظة القنيطرة قرب بلدة حضر قبل يومين، والتي باتت تحت الاحتلال الإسرائيلي، لتوجّه ضربة إلى آمال الشرع، في الحصول على الاعتراف الإسرائيلي بسلطته عبر توقيع اتفاق رسمي معه، وكذلك لتجهض أي نتائج «إيجابية» محتملة في هذا الخصوص، للقائه مع الرئيس الأميركي، وزيارته واشنطن. ولم يكتفِ نتنياهو بدخوله هو إلى الأراضي السورية وإطلاق مواقف العربدة بالتمسّك بالجولان وجبل الشيخ ووجوب إخلاء الجنوب السوري من السلاح وتوقيع اتفاق سلام كامل و«حماية الدروز»، بل عمدت قوات الاحتلال في اليوم التالي، إلى إرسال سربين من الطائرات انتهكا المجال الجوّي السوري بشكل فاقع، وعلى علوّ منخفض، في مهمّة قيل إنها لجمع المعلومات والمراقبة. وحلّق السرب الأول المؤلّف من 8 طائرات فوق الجنوب، ومنه اخترق البلاد طولياً إلى حماه وسهل الغاب وحلب، فيما حلّق السرب الثاني المؤلّف من 12 طائرة فوق لبنان ومنه إلى الساحل السوري.
ويتعدّى هدف الخطوات الإسرائيلية المباشرة تلك، تأكيد رفض الاتفاق مع الشرع، إلى إيصال رسائل إلى تركيا التي تسعى إلى التسلّح والانتشار العسكري على الأرض السورية ودعم القوات التابعة للسلطات الانتقالية بالسلاح والتدريب، وتحاول كذلك تخفيف حدّة الصدام بين دمشق وطهران وحلفائها؛ كما إلى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الذي يعوّل الشرع على لقائه مع ترامب، لتقريش لقائه هو مع الأخير، بنتائج ملموسة على الأرض. وتجلّى هذا التوجّه في كلام نتنياهو، أمس، إذ أعلن أمام المجلس الأمني المصغّر، أنّ إسرائيل، منعت تركيا من الانتشار العسكري في الوسط والجنوب.
أمّا روسيا التي تعمل على العودة سريعاً وبقوّة إلى سوريا من بوابة الجنوب، فهي ليست مستثناة من هذه الرسائل، رغم أنّ المرجّح أن تكون موسكو، قد نسّقت مسبقاً زيارة وفدها العسكري إلى القنيطرة ودرعا، قبل أيام مع تل أبيب، لا سيّما أنّ مكتب التنسيق العسكري المشترك في سوريا، لا يزال قائماً بين الطرفين. ومن غير الواضح بعد كيف ستتعامل تل أبيب، إن قرّرت موسكو فعلاً الانتشار في الجنوب السوري وتسيير الدوريات، خصوصاً أنّ قوات الاحتلال، قامت في أثناء قيام الوفد الروسي بزيارة حوض اليرموك، بنشر حواجز عسكرية قرب قرية جملة في قلب الحوض وعلى مقربة من موكب القوات الروسية. ويأتي ذلك في وقت يستمرّ فيه جيش العدو، في التوغّل برّيّاً في محافظات ريف دمشق والقنيطرة ودرعا من جبل الشيخ وسفوحه الشرقية الشمالية إلى حوض اليرموك، فيما باتت للمروحيات الإسرائيلية، مهابط دائمة في محافظة السويداء، كما بات لها حضور عسكري لكنه لا يزال محدوداً.
على أي حال، لا تبدو زيارة الشرع إلى واشنطن «محضر خير»، بالنسبة إلى الرئيس السوري الانتقالي حتى الآن، وفي ظلّ النتائج الحالية. إذ إنه مع استمرار النائب الجمهوري، براين ماست، في وضع شروط (من شبه المستحيل تحقيقها في ظلّ السلطة الحالية) على رفع قانون «قيصر» الذي خنق الشعب السوري، وإعلانه أمس، ربط رفع القانون بشروط وخطوات عقابية سريعة، وفق ما ورد في حديثه مع موقع «The Hill» الأميركي، وفي ظلّ وجود دلائل قوية على تعثّر توقيع اتفاق أمني قريب مع إسرائيل، يكون الشرع، قد رهن كل أوراقه بواشنطن، من أجل لا شيء. وبدل أن تساعده الزيارة على اكتساب أرباح مادية وسياسية، على الأقل بتوقّف إسرائيل عن إحراجه بانتهاك الأراضي السورية وبرفع عقوبات «قيصر»، تكبّد الشرع من رصيده عبء الدخول في «التحالف الدولي ضدّ داعش» مع عواقب ذلك عليه، بالإضافة إلى تداعيات عزل المقاتلين الأجانب عن قواته ومحاربتهم – بموجب ما طلبه قرار مجلس الأمن رقم 2799 -، فضلاً عن وجوب محاربة «حماس» و«حزب الله» و«الحرس الثوري الإيراني» – بحسب ما أعلنه السفير الأميركي في أنقرة، توم برّاك -، في الوقت الذي يحتاج فيه الشرع إلى تقليص أعدائه بدل زيادتهم.
وإذ تأتي محاولات الرجل المستمرّة لاسترضاء الخارج وإهمال الداخل، بنتائج عكسية، فإن دعوته تركيا وروسيا إلى الجنوب السوري، من شأنها أن تدفع بإسرائيل إلى مزيد من التغوّل العسكري، ليس في الجنوب وحده الذي استباحته بدافع من أطماعها وتبدّل عقيدتها الأمنية، بل بما يصل إلى انتهاك أجواء البلاد بطولها وعرضها، توازياً مع إعلان «وصول المفاوضات إلى طريق مسدود» لأول مرّة منذ بدء التفاوض. ويضاف إلى ما تقدّم، تصريح نتنياهو الخطير أمس، حول أن «الشرع عاد منتفخاً من واشنطن»، والذي يوحي بتحوّل الرئيس الانتقالي الذي ربط مصيره ومعه سوريا بلقاء ترامب، إلى صندوق بريد لتوجيه الرسائل إلى من رتّب له الزيارة، كبرّاك ووزير خارجية تركيا حقّان فيدان، بالإضافة إلى القطريين والسعوديين.



