الحريري تحرم مدينتها افتتاح المستشفى التركي: هل تربح صيدا المليارات السبعة؟
لم يتوافق الصيداويون على فك «حزورة» سبب إلغاء رئيس الحكومة حسان دياب زيارته لبوابة الجنوب السبت الماضي، لافتتاح المستشفى التركي. لكنهم مهما اختلفوا، فإنهم يجتمعون على أن النائبة بهية الحريري أثبتت مجدداً أنها الأقوى في المدينة. كيف لها أن تقف متفرجة على مشهد يصنع على أرضها؟ دياب يفتتح المستشفى الذي تغلقه منذ عشر سنوات ويمنحه مبلغ سبعة مليارات و500 مليون ليرة كمساهمة تشغيلية أولية. أما مخرج المشهد وصاحب الدعوة، فهو خصمها الرئيس فؤاد السنيورة الذي تعمّدت تهميشه منذ إخراجه من نيابة صيدا ورئاسة كتلة المستقبل.
لم يكن ثابتاً أن مبادرة دياب هدفت إلى «الزكزكة» على آل الحريري في ملعبهم. فقد اشترط على السنيورة أن تقتصر زيارته الصيداوية على زيارة المستشفى (شيّد على أرض لبلدية صيدا) الواقع عند طرفها الشمالي، رافضاً تلبية دعوة غداء أراد الأخير إقامتها على شرفه. لكن السنيورة بادر متعمّداً إلى «الزكزكة». اتصل عبر وسيط بدياب «طالباً منه تخصيص مبلغ للمستشفى التركي من خطة تطوير المستشفيات لمواجهة كورونا، وعارضاً عليه المجيء إلى صيدا لافتتاحه»، وفق مصادر مواكبة. استغل السنيورة تغيّب الحريري الميداني عن صيدا منذ استقالة النائب سعد الحريري من رئاسة الحكومة. روّج بين أوساطه أنه جمع تبرعات من متمولين لدعم «التركي»، في حين أن سيدة مجدليون «لم تصرف قرشاً واحداً على ناخبيها في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة». وهي بالفعل صمتت طويلاً قبل أن تظهر عقب إطلاق بلدية صيدا حملة توزيع مساعدات بقيمة مليار ليرة لبنانية على المحتاجين اللبنانيين والفلسطينيين. من مال البلدية وليس من مالها، تدخلت في اختيار المستفيدين وكيفية توزيع المساعدات. حتى إن مكتب تيار المستقبل اتصل ببعض المستفيدين، طالباً منهم الحضور لتسلّم قسائمهم، علماً بأن الآلية التي وضعتها البلدية تقضي بتوزيع المساعدات على المنازل.
سارت الزيارة كما كان مخططاً لها حتى ليل الجمعة، عندما أعلن رئيس البلدية محمد السعودي ثم مكتب دياب إلغاءها. فما الذي حصل؟ بيان السعودي تحدث عن «بعض التعقيدات التي طرأت وحدت بي التمنّي على دياب تأجيل زيارته لموقع المستشفى حتى موعد لاحق». أما بيان دياب فقد عزا الإلغاء إلى «خلافات في المدينة بشأن المدعوين». لم يشأ السعودي الإجابة عن استفسار «الأخبار» عن السبب، معرباً عن اتخاذه قراراً بعدم الحديث في الأمر. موقف وزير الصحة حمد حسن الذي كان سيرافق دياب، كان مشابهاً. الخلاصة أن النائبة بهية الحريري، ومن خلفها تيار المستقبل، حرما مدينة صيدا، مرة جديدة، من الاستفادة من مستشفى انتهى بناؤه وتجهيزه منذ نحو 8 سنوات.
بعد «حزورة» إلغاء زيارة دياب، تنشغل صيدا بالسؤال الأهم: «هل خسرنا المليارات السبعة؟». عضو اللجنة الوطنية للأمراض المعدية عبد الرحمن البزري أكد لـ»الأخبار» أن الفرصة «لا تزال سانحة لافتتاح المستشفى، رغم عثرة إلغاء الزيارة. دياب متحمس للدعم». وديعة «التركي» لدى البزري الذي واكب انطلاقته عقب عدوان تموز 2006 عندما كان رئيساً لبلدية صيدا. حينها، رغبت الحكومة التركية في تقديم هبة لصيدا لإقامة مركز للأطراف الاصطناعية عبر الحكومة اللبنانية برئاسة السنيورة. وافقت البلدية على تقديم أرض بشرط استبدال وجهة الهبة البالغة 20 مليون دولار إلى مركز لطوارئ الحروق والحوادث.
لم يلتفت وزراء الصحة المتعاقبون للمستشفى باستثناء جبق الذي اقترح استئجاره من البلدية
عام 2009، أشرفت تركيا مباشرة على تشييده حتى افتتاحه بعد عام وتجهيزه بعد عامين. فلماذا لم يفتتح؟ «عندما جهّز كان بحاجة إلى قرار من وزير الصحة بتحويل سلفة تشغيلية، وهو ما لم يحصل». ليس المال وحده ما عرقل الافتتاح. الخلاف طال مرجعية المستشفى، هل هي للبلدية أم لوزارة الصحة؟ البزري كرئيس بلدية لم يتنازل عنه للوزارة. «خشيتُ أن تفقد صيدا سيطرتها عليه. ولأن الملكية في القانون لصاحب الأرض، فالبلدية تملكه. ولأن الهبة من دولة إلى دولة، فملكية الهبة للوزارة»، قال. المخرج اقتضى أن تتألف البلدية والوزارة لجنة مشتركة للتنسيق في مصيره. وفق البزري، لم يلتفت وزراء الصحة المتعاقبون للأمر، باستثناء جميل جبق الذي اقترح استئجار المستشفى من البلدية لـ20 إلى 30 عاماً مقابل تعيين حصة وازنة من أعضاء مجلس الإدارة والموظفين من صيدا. «لكن البلدية لم تدرس الاقتراح وراحت تفاوض جهات خاصة تركية ولبنانية لإدارته ثم جمّدت كل شيء بعد انتفاضة 17 تشرين». وعلمت «الأخبار» بأن الحريري ضغطت لإفشال مساعي جبق، بهدف إبقاء سيطرتها على المستشفى. وكانت قد فاوضت مستشفى الجامعة الأميركية لتولّيه، لكنّ الأخير طلب من البلدية 12 مليون دولار كبدل مادي. بعد فشل جبق، هل تنجح مساعي حسن؟ لفت البزري إلى أنه اجتمع بالنائبين بهية الحريري وأسامة سعد باسم الوزارة، عارضاً أهمية الاستفادة من خطة دعم المستشفيات لمواجهة كورونا. «إلى حين تحويل الأموال وتجهيز المستشفى، إما يكون الفيروس قد انتهى أو يكون قد عمّ لبنان وباتت كل المستشفيات في المواجهة من ضمنها التركي، فلماذا نخسر المليارات؟». هكذا أقنع البزري نائبي المدينة «اللذين وافقا على الاقتراح رغم بيان الحريري الرافض». فلماذا حصل ذلك الإخراج السيّئ لزيارة دياب؟ «لا أعلم» مستغرباً.
«المليارات لن تذهب إلى مكان آخر»، طمأنت أوساط وزير الصحة. «مشروع دعم المستشفى التركي أقرّ في الحكومة. لن يلغى الدعم أو يحوّل إلى مكان آخر إلا بقرار حكومي آخر». استطردت بالقول: «بالتأكيد سوف يفتتح مجدداً ولو بشكل آخر».
الأخبار _ آمال خليل