كاتب بالأهرام : سقوط الأقنعة عن أوهام إثيوبيا ومؤيديها
تحت عنوان “كيف ستنهار إثيوبيا لو باعت المياه؟!”، كتب الدكتور محمد حسين أبو الحسن مقالاً في الأهرام، أوضح من خلاله أن الأقنعة قد سقطت عن الأوهام الإثيوبية ومؤيديها من خلال ضربة حرة مباشرة وجهت اليهم من قِبَل الدبلوماسية المصرية. لكن مع ذلك، يرى الكاتب أن اثيوبيا سوف تواصل النقر، تمامًا كما يحدث في “عش” الدجاج، ويتساءل حول ما اذا كانت الدجاجة سوف تتغلب على الثعلب؟!
ويتابع الكاتب قائلاً، إن السلام هو ألذ الانتصارات، وأفضل الحروب على الإطلاق هي تلك التي لا تندلع. لك السلام يحتاج الى قوة تجعل مجرد التفكير في العدوان عليك.. انتحار. ويستشهد الكاتب بكلمات وزير الخارجية المصري سامح شكري، عندما قال “أن مصر سوف تحمي المصالح الحيوية لشعبها حتى الرمق الأخير، نظرًا لأن البقاء ليس مسألة اختيار، بل هو ضرورة تُمليها عليها الطبيعة”.
وبهذه الطريقة، يرى الكاتب أن وزير الخارجية قد حدد الخيط الأبيض من الأسود في موقف القاهرة من سد النهضة، من فوق منصة أبرز محفل عالمي (مجلس الأمن)، بعدما قام بتفكيك ركائز الموقف الإثيوبي المراوغ القائم على الأكاذيب، طوال عشر سنوات من المفاوضات العبثية وكما هو متوفع فاض خطاب مندوب إثيوبيا بالافتراءات على مصر وكأنها السبب الوحيد لكل مشكلات بلاده، لكنه نسي وهو يكيل الاتهامات أنه فضح النوايا الحقيقية لإثيوبيا من وراء السد.
ويشير الكاتب، إلى أنه لا ينبغي علينا إنكار البراعة الإثيوبية في إدعاء المظلومية إلى الدرجة التي وصلت حد محاولات إعادة هندسة الماضي وإعادة تركيب التاريخ بما يتوافق مع أغراضها، وهي تدوس القوانين الدولية للأنهار –على نهج اسرائيل- وتضرب عرض الحائط بالعلاقات الأزلية بين شعوب النيل –نهج تركيا. ويستعرض كيف عمدت القيادات الإثيوبية الى تحويل قضية السد إلى مسألة شعبوية وكأن مصر عدو أبدي جاءت الفرصة لجعله يدفع الثمن فادحا إلى الأبد.
ولفت إلى أنه من المؤسف مشاهدة السودان وهو ينساق خلف واحدة من أكبر عمليات الخداع الاستراتيجي في التاريخ، وأن يصدق أن سد النهضة انُشئ على الحدود حتى يُسقط ثماره على السودانيين. ويرى الكاتب أنه من المحزن للغاية أن قطاعا من السودانين قد ابتلع الخديعة، ناسيًا كيف أن احتمالات انهيار السد سوف يكون لها مردود مرعب على السودان، بشكل يفوق تأثير انهيار سد مأرب على فناء حضارة اليمن.
ويشرح الكاتب، كيف تُعد مسألة السد قضية حيوية لا تتحور حول ضرورة توليد الكهرباء. وكيف ترغب اثيوبيا أن تمتلك بنكًا للمياه، بدعم من –اشقاء عرب- وقوى إقليمية ودولية أخرى، تتعمد تمويل ومساندة السد. حتى تكون مياه النيل وسيلة ضغط على مصر والسودان. واستشهد الكاتب بتصريحات خبير المياه الاسرائيلي أولي لوبراني، في الثمانينيات، عندما قال “أن مياه النيل ستكون لجام مصر، في حال تنصلها من اتفاقية كامب ديفيد وانغماسها بالصف العربي”.
وأشار الكاتب الى نتائج الدراسة التي أجراها أسفاو بيني أستاذ الهندسة الميكانيكية ومدير مركز كفاءة الطاقة بجامعة سان دييجو الأمريكية، والتي أكدت أن سد النهضة -سد فاشل- بتوليد الطاقة، قياسا إلى حجمه وتكلفته، لأنه سوف يولد ألفي ميجاوات بأحسن الأحول لا ستة آلاف. وطالبت الدراسة بتصغير حجم السد، وأكدت أنه –سد سياسي- لا تنموي، يهدف للتخزين لا التوليد، وحذر من عيوب خطيرة بتصميم السد. وذكر الكاتب أنه حتى اليوم لم تنفذ دراسات أمان السد وتأثيراته في البلدان الثلاثة بسبب التعنت الإثيوبي.
ولفت الكاتب الى تقديرات خبير المياه والسدود السوداني العالمي البروفيسور الرشيد، والذي كان سباقًا في التحذير من خطورة السد والسلوك الإثيوبي تجاه بقية دول الحوض، حيث فسره بمفهوم أو بروتوكول (النقر) الذي ابتكره عالم الاجتماع الألماني ثورليف شيلدراب-ايبي لوصف النظام الطبقي ونوازع الهيمنة بين الدواجن؛ حيث يقوم الدجاج الأكبر (بنقر) الدجاج الأصغر منه، وهذا عليه أن يرضخ دون رد فعل، لكنه يقوم بدوره (بنقر) الدجاج الأصغر منه، وهكذا، ولأن الموقع الجغرافي لدول (المنابع) في نهر النيل يتيح لها (ممارسة النقر) ضد دول (المصب)، دون أن تخشى الضرر من رد الفعل، فالموقع يتيح لها (السبق باستغلال المورد).
وتابع الكاتب مشيرًا الى المثل القائل: (من أمن العقوبة أساء الأدب)، قائلاً أن هذا المثل يصلح في حالة (الدجاجة الإثيوبية)، لأن نوازع الهيمنة لديها قديمة، وكانت تنتظر اللحظة المناسبة؛ خلال مفاوضات عنتيبي، عام 1995، عندما قال رئيس الوفد الإثيوبي إن بلاده يحق لها أن تبيع ماءها كما يبيع الآخرون بترولهم. وهو منطق مناف للشرائع وللإنسانية.
والأهم من كل هذا، هو أن تسليع المياه وبيعها ليس خطرا على السودان ومصر فحسب، بل خطورته الأشد على وجود إثيوبيا ذاتها؛ إثيوبيا أقاليم تسكنها شعوب وعرقيات متنافرة، وبحيرة تانا التي ينبع منها النيل الأزرق لا تشمل الدولة كلها، بل مساحة صغيرة، مما يفجر الصراعات حول ملكية المياه والتصرف في أموالها حينئذ، بين القوميات المتناحرة، ومن ثم تفكيك الدولة، خاصة أن الدستور الإثيوبي يعطي القوميات حق تقرير المصير. لذلك يرى الكاتب، أنه ينبغي على إثيوبيا التوقف عن (النقر) حماية لوحدتها الهشة، وإذا كانت أطماعها الاستعمارية قضمت من الصومال وإريتريا والسودان وكينيا، فهذا لأن الدجاجة الإثيوبية لم تواجه الثعلب- أم أقول الأسد- المصري.
وختامًا، يقول الكاتب أن مصر دولة حق وسلام ولديها أوراق لم تشهرها بعد، وبغض النظر عن نتائج اجتماع مجلس الأمن فإننى على يقين بقدرة القيادة السياسية على الحفاظ على حقوق المحروسة في النيل، والاستعداد للمستقبل لأننا في الجولة الأولى. وأكد مرة أخرى على مقولة المشير أبو غزالة الشهيرة، التي تنص على “إن أفضل الحروب هي التي لا تندلع، والسلام هو ألذ الانتصارات.. لكن السلام يحتاج إلي قوة تحميه، تمنع اندلاع الحرب، وتجعل مجرد التفكير في مواجهتك أو العدوان عليك.. انتحارا!”