خوري قرع جرس الإنذار في عام 2017 ولم يستجب أحد
بلوغ هذا الدرك من الأزمة الإقتصادية لم يكن صدفة. بل إن مسبباته ضاربة عميقاً في عشرات الفرص الضائعة منذ عقدين. في السنوات الثلاث الأخيرة توالت التحذيرات من الداخل والخارج بضرورة التنبّه إلى المسار الإنحداري الذي يسلكه الإقتصاد. الكل في وقتها صم آذانه وتعامل مع الأرقام وكأنها وجهة نظر، وليست جرس إنذار اخير قبل الإنفجار الكبير في العام 2020.
في ٣ آب من العام ٢٠١٧، وضع وزير الإقتصاد والتجارة السابق رائد خوري على طاولة مجلس الوزراء ورقة اقتصادية ومالية شاملة. أهميتها لم تكن بتضمّنها الأرقام والخسائر المحققة في العام نفسه، بل توقعها بناءً على دراسات وإحصاءات وإسقاطات رياضية بأن تكون سنة 2020 هي سنة الإنهيار في حال عدم المبادرة إلى الإصلاح ومعالجة الأمور من جذورها. الورقة اطلع عليها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري وكافة الوزراء، ومرت مرور الكرام.
توقعات 2020
أرقام الدراسة التي ترتكز على مصادر صندوق النقد الدولي ومنظمة الشفافية العالمية، وتحليل شامل من خوري، رافقها تحذير الأخير في الجلسات الخاصّة وعبر وسائل الإعلام وأمام الوزراء من مغبة ما سيحصل. فـ”الورقة” تخلص إلى أنّ لبنان قد يغرق في دوّامة تهدّد الإستقرار العام في حال لم يبادر إلى تصحيح الوضع فوراً.
بالأرقام، توقّعت الورقة بأن الدين العام سيرتفع إلى 110 مليارات دولار وأن العجز التجاري سيبلغ ١٩ مليار دولار، فيما ستقفز نسبة البطالة إلى 30 في المئة. يضاف إليها تراجع النمو وانخفاض التصنيفات وغياب الثقة وارتفاع الفوائد… وهذا ما حصل.
إهمال الحلول
خوري لم يكتفِ بالتحذير، بل وضع حلولاً ترتكز على أمرين: التركيز على الإقتصاد المنتج وتكبير حجم الإقتصاد والنموّ أولاً. وتصحيح موازنة الدولة ثانياً. معتبراً آنذاك أن لبنان ينزلق نحو الأزمة من دون وعي لخطورة الموقف. وبدل العمل على تكبير حجم الإقتصاد ورفع نسب النمو وزيادة الناتج المحلي لتخفيف نسب الفوائد، يحصل العكس. مضيفاً “يدفع استمرار ارتفاع الفوائد لفترة طويلة إلى إفلاس الشركات والمصانع، ويهدم الإقتصاد، وهنا تكمن الخطورة. فمقابل قيام المصرف المركزي بالدور المنوط به تاريخياً على أكمل وجه، لجهة تثبيت سعر صرف العملة، ما زالت الدولة عاجزة عن القيام بدورها لجهة تعزيز النمو وتكبير حجم الإقتصاد والقيام بالإصلاحات، وهذا ما يستنزف الطلب على الدولار ويفاقم المشاكل ويدفع إلى تقويض البنيان”. مقترحاً رفع الرسوم الجمركيّة على كلّ المواد المستوردة، لكي نلجم ميزان المدفوعات خوفاً من اتّجاهه إلى المزيد من السلبيّة”.
على الرغم من خطورة الارقام لم يبادر احد حينها. وبحسب خوري “لو تحرّكت الحكومة حينها، ثمّ الحكومة التي خلفتها، لما وصلنا الى ما نعيشه اليوم. فرصٌ ضائعة لحكوماتٍ متتالية، وأكثر ما نخشاه أن نضيف إليها الحكومة الحاليّة أيضاً.