ادّعاءات نتنياهو… أفَرَسٌ تحتَك أم حمارُ!
من الواضح أنّ رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، «أكل الضرب» بعدما تكشّف كذبه، إزاء «مستودع صواريخ» حزب الله في منطقة الجناح. «المفاجأة» التي روّج لها الإعلام العبري، والتي من شأنها إحراج حزب الله وتأليب بيئته عليه، ارتدّت إلى «إسرائيل» نفسها.
«الكشف» عن مخزن صواريخ حزب الله المزعوم في منطقة سكنيّة، كما ورد على لسان نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة، وهو الاستعراض المرئي والمسموع والمتضمّن مؤثّرات على اختلافها، جاء بطبيعة الحال بعدما طلب نتنياهو نفسه من الاستخبارات الإسرائيلية توفير معلومة كي يستعرضها بهذه المواصفات، أي مستودع صواريخ في منطقة سكنية. الهدف هو توظيف هذه «المعلومة» في سياق التحريض على الحزب، سواء في بيئته المباشرة أو في البيئة الأشمل للبنانيين.
تقديم الاستخبارات الإسرائيلية، والأرجح أنها الاستخبارات العسكرية، معلومة كاذبة، مؤشر في أكثر من اتجاه، وفي المقدمة أن المقاومة تتمتع بحصانة فعلية بما يتعلق بقدراتها؛ فيما هي أيضاً، المعلومة الكاذبة، مؤشر على أن الاستخبارات لم تجد مستودعاً للصواريخ في منطقة سكنية، وإلا لكانت زوّدت نتنياهو بمعلومات عنه، وخاصة أنّ هذه القضية هي عنصر حاسم في المعركة على الوعي، التي يخوضها العدوّ منذ سنوات ضد المقاومة، لتعذّر البدائل وارتفاع ثمن غيرها من الخيارات.
هذه المسألة – الهدف، أي التأثير في وعي بيئة حزب الله واللبنانيين ضد المقاومة، تستأهل من الاستخبارات كشف معلوماتها إن كانت لديها.
في الدلالات أيضاً، يشار الى أنه في السابق، كانت المعركة على الرأي العام والوعي، جزءاً من أدوات الحرب المساندة للمعركة العسكرية الرئيسية. أما الآن فالمعركة على الوعي هي جزء رئيسي، وربما الرئيسي في المعركة، إلى جانب القتال العسكري والأمني. وما محاولة نتنياهو التحريضية، المتكررة، شأنه شأن المسؤولين العسكريين والسياسيين لدى العدو، إلا دليلُ تأكيدٍ إضافي على أولوية المعركة على الوعي، وأنها لم تعد معركة فرعية مساندة.
بناءً على الدلالتين هنا، يمكن فهم حجم ومستوى الإنجاز الذي حققه حزب الله، في كشف الكذب الإسرائيلي. وهو إنجاز لا يقتصر على حينه، بل أيضاً يمتدّ إلى المستقبل، وهو ما ستعانيه «إسرائيل» في معركتها التي ستتواصل رغم كل شيء، على الوعي وعلى الرأي العام.
كذلك، فإنّ فشَل نتنياهو وانكشاف كذب ادّعاءاته، لا يعنيان، إسرائيلياً، فشلاً شخصياً، بل خسارة صورة وصدقيّة وقدرة ترويجيّة لادّعاءات العدو ضدّ المقاومة، وهو فشل يتعلق بالمصلحة الأمنية لـ«إسرائيل الدولة» في حرب تكاد لا تنتهي على تعاظم قدرات حزب الله النوعية، التي من شأن وجودها، دون استخدامها، أن تلجم إسرائيل وتمنع «شهيّتها» عن الاعتداء على لبنان، بما ينسحب على منع فرض الإرادة السياسية عليه والتطلّع إلى الثروات الاقتصادية الكامنة فيه.
في ردة الفعل، جاءت سرعة رد حزب الله والطلب من الإعلاميّين التوجّه الى المستودع الصاروخي المزعوم، الذي يشمل حسب الادعاء أيضاً «مصنعاً للصواريخ المتطورة»، لتمنع عن العدوّ هامشاً واسعاً للحديث عن «لعبة إعلامية» يقودها حزب الله بعدما أفرغ مستودعاته من الصواريخ، وإن كان الإصرار على نكران الواقع وجد تعبيره لدى الناطق العسكري بلسان العدو، المسؤول عن ترويج الدعاية الإسرائيلية ونشرها. فتبعات الإنكار والإصرار على رواية كاذبة أولى وأقل ضرراً من الإقرار بواقع مغاير لما أراده صنّاع القرار في تل أبيب.
مفاجأة الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وجدت تعبيراتها في وسائل الإعلام العبرية. وكان لافتاً أنّ أداءها يعكس حرجاً إسرائيلياً تطلّب منها العمل على التقليل من خسائرها. المعركة، كما سبقت الإشارة إليها، هي معركة «إسرائيل» ضد عدوّها الأمرّ، وإن أخطأ نتنياهو واستخبارات جيشه، فلن تقتصر التداعيات عليهما وحسب، بل التداعي ينسحب على «إسرائيل» نفسها. وعلى هذه الخلفيّة جاء الأداء.
في العيّنات الدالّة، أشارت وسائل الإعلام العبرية المرئية، في تعليقات سريعة جداً على طلب حزب الله توجّه الإعلاميين إلى الموقع المشار إليه على لسان نتنياهو، إلى «ضرورة الانتظار لمعاينة مدى شفافية حزب الله وإن كان سيكشف الموقع من ناحية فعلية على الإعلام». قنوات التلفزة العبرية التي شدّدت على هذه الملاحظة التشكيكية، صمتت لاحقاً لدى استعراض أبواب «الموقع» وفتحها، بلا تعليقات.
في الإعلام المكتوب، عرضت صحيفة «معاريف» في صفحتها الثامنة خطاب نتنياهو تحت عنوان لافت وموجّه «حزب الله يحتفظ بقنبلة موقوتة قرب مرفأ بيروت». وهي إشارة أريد لها التأثير في وعي الرأي العام، عبر ربط مخزن الصواريخ المزعومة بانفجار المرفأ، لتحصيل فائدة إسرائيلية مضاعفة. إلا أنّ ما يلفت كذلك في تقرير «معاريف»، هو خلوّه بشكل كامل من الإشارة إلى رد الأمين العام لحزب الله على نتنياهو ودعوته الإعلام لمعاينة الموقع، وكذلك تجاهله التام لجولة الإعلاميين وكأنّها لم تكن.
عيّنة أخرى من الإعلام المكتوب، هو ما ورد في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، التي رحّلت ادعاءات نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة على أهميتها، إلى أسفل الصفحة 12، من دون أي إشارة إليها في الصفحة الأولى. اللافت أيضاً في تقرير الصحيفة، الذي جاء تحت عنوان «نتنياهو يكشف مخزن صواريخ لحزب الله»، من دون تظهير رد الحزب وتجاهل الجولة الإعلامية في الموقع، هو ما ورد في الفقرة الختامية التي يبقى لها أثر كبير على وعي القارئ.
«وقالت سيدة إعلامية كبيرة في بيروت لصحيفة يديعوت أحرونوت الليلة الماضية: «نقدر أن عناصر حزب الله قد اهتموا بالفعل بتفريغ مكان الأسلحة ونقله إلى منطقة أخرى بمجرد أن ذكر نتنياهو اسم حيّ الجناح، وهي منطقة يعيش فيها مسلمون شيعة، إضافة أيضاً إلى مسيحيين. خطاب نتنياهو الذي كشف فيه عن مكان مخزن الأسلحة، تسبّب بحالة من الذعر الشديد (بين السكان). وبعد حوالى ساعة، عندما كان نصر الله يتحدث عن الموقع، غادر السكان منازلهم في الحيّ، لأنهم تخيّلوا قصف الطائرات الإسرائيلية»!
مضمون كلام «السيدة الإعلامية الكبيرة» من بيروت، كما ورد في الصحيفة الإسرائيلية، يتساوق مع نتائج تتمنّى إسرائيل أن تصل إليها، وهي جزء لا يتجزأ من أهداف «الكشف»: «ذعر السكان ومغادرتهم المنطقة»، الأمر الذي يثير علامة استفهام كبيرة إزاء السيدة الإعلامية وهويتها وميولها، وربما أيضاً أصل وجودها نفسه.
في الدلالة، إذا كان «بنك أهداف» إسرائيل في لبنان على شاكلة الموقع المزعوم لصواريخ حزب الله في منطقة الجناح، فالنتيجة ستكون وخيمة للعدو وقت الاستحقاقات الكبرى. وكما قيل: «ستعلم حين ينجلي الغبار… أفرسٌ تحتَك أم حمارُ».
الأخبار _ يحيى دبوق