مقالات
معضلة إسرائيل وخياراتها في إنجاح التفاوض وإفشاله
أنهى وفدا التفاوض، اللبناني والإسرائيلي، أمس، جولتهما الثانية من المفاوضات (غير) المباشرة، المحصورة بإيجاد حلول لما تدّعيه «إسرائيل» حقاً لها في المياه الاقتصادية الخاصة للبنان. لم تشهد الجولة اختراقاً ما بطبيعة الحال، وهي خطوة في مسار طويل.
وإن كانت المفاوضات انتهت عملياً لدى الوسيط الاميركي وأعطت الفائدة الرئيسة التي كانت إدارة الرئيس دونالد ترامب تسعى اليها بمجرد الاعلان عنها وبدء جولاتها، إلا أن ذلك لا يلغي التزام الولايات المتحدة بمواصلة الاهتمام بها تحقيقاً للمصالح الإسرائيلية. أما لجهة المفاوضين، فكل منهما، وفقاً لمصالحه وحساباته التي تتجاوز عملية التفاوض، معني بإنجاحها.
من جهة المفاوضين، يعدّ التفاوض أداة وسيطية للوصول الى أهداف وفوائد لا تقتصر على البقعة الجغرافية محل التفاوض.
واضح أن «إسرائيل» تلتزم الصمت، الرسمي بشكل أساسي، في ما يتعلق بالمفاوضات «المائية»، وهي تماشي في ذلك موقف الجانب اللبناني الرسمي الذي حصر مهمة التفاوض بالجانب التقني، وإن كانت المفاوضات، في ذاتها، خطوة تأمل تل أبيب (بل وتعمل أيضاً على) أن تكون مقدمة لخطوات أخرى «أكثر جرأة» من الجانب اللبناني، وصولاً الى التطبيع نفسه. ومن يدّعي خلاف ذلك، عليه التمهل ومعاودة دراسة موقفه.
وإن كان واضحاً سبب قبول لبنان بخيار التفاوض بحلته التي قرّرها الأميركي مع تعديلات شكلية، إلا أن الموقف الإسرائيلي يستدعي محاولة التوضيح. من جانب لبنان، المطلب هو الفائدة الاقتصادية في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ليس حصراً بما يتعلق بالغاز والنفط في المنطقة التي باتت محلاً للتفاوض بين الجانبين، بل أيضاً بما يشمل أصل التنقيب عن الغاز اللبناني في البلوكات الاخرى شمالاً، التي تتأثر بشكل كبير جداً بالخلاف، بعد أن بات تمكين لبنان من استخراج غازه جزءاً لا يتجزأ من أدوات الضغط عليه.
في تقدير «إسرائيل» وآمالها، جملة أهداف، منها المطلوبة لذاتها، ومنها أهداف وسيطية:
اللجوء الى التفاوض بوصفه خياراً لحل النزاعات بين لبنان و«إسرائيل»، مطلب في ذاته من ناحية تل أبيب، وخصوصاً مع وجود المقاومة المسلحة في لبنان. على ذلك، الهدف الإسرائيلي بعد أن نجح في جر لبنان الى العملية التفاوضية، مهما كانت تسميتها وشكلها، يستدعي من العدو العمل، قدر الاستطاعة، على إنجاحها عبر إيجاد تسوية ما، تشير الى اللبنانيين بأن إمكان تحصيل الحق أو حتى جزء منه، يتم عبر التفاوض مع «إسرائيل» وليس عبر خيارات أخرى مبنية على معاداتها.
تكوّن اقتناع، أو تغلغله بقدر ما، في الوعي اللبناني، بأنه يمكن تحصيل الحقوق عبر التفاوض، هو النجاح الإسرائيلي المنشود. وهو ما يؤدي، بالمعية، الى تمكين خصوم حزب الله وأعدائه من القفز من خلال الإنجاز عبر التفاوض، إلى الإضرار بحزب الله واستراتيجية المقاومة ومعاداة المحتل.
في الوقت نفسه، تناقض هذه الاستراتيجية مصلحة إسرائيلية في مستوى موازن، وهي منع تمكين لبنان من الخروج من أزمته الاقتصادية، الأمر الذي يعود بفائدة كبيرة على حزب الله عبر إراحة بيئته وجمهوره الأوسع واللبنانيين، ما يعني خسارة رافعة الضغط الاقتصادية التي قدمتها تل أبيب على خيارات ضغط أخرى في الفترة الأخيرة.
من هنا يبرز تزاحم لدى العدو بين مطلبين: تعزيز خيار التفاوض لدى اللبنانيين بوصفه الخيار الأجدى، ومن ثم لاحقاً الامل بالتطبيع؛ مقابل خسارة الضغط الاقتصادي على حزب الله وتحميله هو مسؤولية أزمات لبنان.
ما الذي يقرره العدو، وفي أي اتجاه يسير؟ تبدو الأمور متداخلة، وهي نتيجة متغيرات «إسرائيل»، هي عامل رئيسي فيها، لكن ايضاً ضمن عوامل مختلفة يمكن تقدير بعضها دون أخرى، علماً بأن لموقف لبنان، أو مواقفه، وتحديداً موقف حزب الله، تأثير في المسارات والنتائج التي من المبكر تقدير مآلاتها.
مع ذلك، في العودة الى خيارَي «إسرائيل» المتناقضين، مفارقة:
ما دفع بـ«إسرائيل» الى الامتناع عن فرض الإرادة السياسية – الاقتصادية على لبنان عبر استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها، هو الخشية من الاصطدام بسلاح حزب الله، وهو ما لا ينفيه العدو. وتعذر فرض الارادة، نتيجة السلاح، أدى الى لجوء تل أبيب إلى التفاوض، الذي باتت مهمته الرئيسية الإضرار بالسلاح؛ أي بات بإمكان لبنان الاستحصال على حقه نتيجة وجود السلاح، وبسببه، مع الأمل الاسرائيلي بأن يؤدي ذلك الى الإضرار به.
واحدة من استراتيجيات إسرائيل التفاوضية، هي التأكيد الى حد الإفراط، أن التفاوض في الناقورة يهدف حصراً الى حل خلاف تقني على الحدود البحرية مع الجانب اللبناني، وهو ليس تفاوض على التطبيع، فضلاً عن أنه ليس تفاوضاً على معاهدة سلام بين الجانبين. ورد هذا التأكيد على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي، وكذلك عبر مصادر وتسريبات.
هده التأكيدات تشير، رغم خلافها للواقع، إلى أن إرادة إسرائيل تتجه لتمكين المفاوضات والإبقاء عليها، وربما ايضاً إيصالها الى حلول. لكن القدر المتيقن في هده المرحلة، هو إبقاء مسار التفاوض في مقابل مسار التصعيد على الحدود البرية، علّ الاول يحدّ من اندفاعة رد حزب الله الموعود على الحدود.
كذلك، هذه التأكيدات لا تلغي حقيقة المفاوضات وأهدافها إسرائيلياً، التي جاءت بعد تفاوض غير مباشر لسنوات، نتجت عنه مفاوضات (غير) مباشرة. ولا يلغي حقيقة أنها أداة استخدمها الطرفان لحل نزاع عالق، وإن كان السبب اضطرار العدو إلى اعتماد هذا الخيار. كما لا يلغي ذلك، وهو الأهم، نظرة الإسرائيلي وأمله في خطوة التفاوض، التي يريد لها أن تكون خطوة أولى في مسار طويل نحو التطبيع، وهو ما برز ابتداءً مع تعليقات الاعلام العبري من اللحظة الاولى للإعلان عن المفاوضات، وإن أعيد تنظيم المقاربة الاعلامية الإسرائيلية وتعليقاتها، وتوجيهها بما يخدم الاهداف الاسرائيلية من التفاوض.
حيال الصمت الرسمي والامتناع عن التعبير عن الامل بأن يؤدي التفاوض التقني الى مستوى أرفع من المفاوضات وصولاً الى «السلام»، كان لافتاً أن يتلقّف الإسرائيليون حديث رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون، ابنة الرئيس ميشال عون، عن قبول «السلام» مع العدو، للقول إن «أصواتاً إيجابية تأتي من لبنان وتتحدث حتى عن السلام مع إسرائيل، وتعمل معنا في قضايا مثل الحدود البحرية». هذا ما ورد على لسان وزير الأمن بني غانتس في معرض تهديده للبنان ووعيده له، كاسراً فيه سياسة التأكيدات الإسرائيلية على الهدف التقني للمفاوضات. الأهم في ما ورد عن غانتس هو ربط كلام الابنة بموقف الأب الذي يشرف على مفاوضات الحدود البحرية في الناقورة.
من جهة المفاوضين، يعدّ التفاوض أداة وسيطية للوصول الى أهداف وفوائد لا تقتصر على البقعة الجغرافية محل التفاوض.
واضح أن «إسرائيل» تلتزم الصمت، الرسمي بشكل أساسي، في ما يتعلق بالمفاوضات «المائية»، وهي تماشي في ذلك موقف الجانب اللبناني الرسمي الذي حصر مهمة التفاوض بالجانب التقني، وإن كانت المفاوضات، في ذاتها، خطوة تأمل تل أبيب (بل وتعمل أيضاً على) أن تكون مقدمة لخطوات أخرى «أكثر جرأة» من الجانب اللبناني، وصولاً الى التطبيع نفسه. ومن يدّعي خلاف ذلك، عليه التمهل ومعاودة دراسة موقفه.
وإن كان واضحاً سبب قبول لبنان بخيار التفاوض بحلته التي قرّرها الأميركي مع تعديلات شكلية، إلا أن الموقف الإسرائيلي يستدعي محاولة التوضيح. من جانب لبنان، المطلب هو الفائدة الاقتصادية في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ليس حصراً بما يتعلق بالغاز والنفط في المنطقة التي باتت محلاً للتفاوض بين الجانبين، بل أيضاً بما يشمل أصل التنقيب عن الغاز اللبناني في البلوكات الاخرى شمالاً، التي تتأثر بشكل كبير جداً بالخلاف، بعد أن بات تمكين لبنان من استخراج غازه جزءاً لا يتجزأ من أدوات الضغط عليه.
في تقدير «إسرائيل» وآمالها، جملة أهداف، منها المطلوبة لذاتها، ومنها أهداف وسيطية:
اللجوء الى التفاوض بوصفه خياراً لحل النزاعات بين لبنان و«إسرائيل»، مطلب في ذاته من ناحية تل أبيب، وخصوصاً مع وجود المقاومة المسلحة في لبنان. على ذلك، الهدف الإسرائيلي بعد أن نجح في جر لبنان الى العملية التفاوضية، مهما كانت تسميتها وشكلها، يستدعي من العدو العمل، قدر الاستطاعة، على إنجاحها عبر إيجاد تسوية ما، تشير الى اللبنانيين بأن إمكان تحصيل الحق أو حتى جزء منه، يتم عبر التفاوض مع «إسرائيل» وليس عبر خيارات أخرى مبنية على معاداتها.
تكوّن اقتناع، أو تغلغله بقدر ما، في الوعي اللبناني، بأنه يمكن تحصيل الحقوق عبر التفاوض، هو النجاح الإسرائيلي المنشود. وهو ما يؤدي، بالمعية، الى تمكين خصوم حزب الله وأعدائه من القفز من خلال الإنجاز عبر التفاوض، إلى الإضرار بحزب الله واستراتيجية المقاومة ومعاداة المحتل.
في الوقت نفسه، تناقض هذه الاستراتيجية مصلحة إسرائيلية في مستوى موازن، وهي منع تمكين لبنان من الخروج من أزمته الاقتصادية، الأمر الذي يعود بفائدة كبيرة على حزب الله عبر إراحة بيئته وجمهوره الأوسع واللبنانيين، ما يعني خسارة رافعة الضغط الاقتصادية التي قدمتها تل أبيب على خيارات ضغط أخرى في الفترة الأخيرة.
من هنا يبرز تزاحم لدى العدو بين مطلبين: تعزيز خيار التفاوض لدى اللبنانيين بوصفه الخيار الأجدى، ومن ثم لاحقاً الامل بالتطبيع؛ مقابل خسارة الضغط الاقتصادي على حزب الله وتحميله هو مسؤولية أزمات لبنان.
ما الذي يقرره العدو، وفي أي اتجاه يسير؟ تبدو الأمور متداخلة، وهي نتيجة متغيرات «إسرائيل»، هي عامل رئيسي فيها، لكن ايضاً ضمن عوامل مختلفة يمكن تقدير بعضها دون أخرى، علماً بأن لموقف لبنان، أو مواقفه، وتحديداً موقف حزب الله، تأثير في المسارات والنتائج التي من المبكر تقدير مآلاتها.
مع ذلك، في العودة الى خيارَي «إسرائيل» المتناقضين، مفارقة:
ما دفع بـ«إسرائيل» الى الامتناع عن فرض الإرادة السياسية – الاقتصادية على لبنان عبر استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها، هو الخشية من الاصطدام بسلاح حزب الله، وهو ما لا ينفيه العدو. وتعذر فرض الارادة، نتيجة السلاح، أدى الى لجوء تل أبيب إلى التفاوض، الذي باتت مهمته الرئيسية الإضرار بالسلاح؛ أي بات بإمكان لبنان الاستحصال على حقه نتيجة وجود السلاح، وبسببه، مع الأمل الاسرائيلي بأن يؤدي ذلك الى الإضرار به.
واحدة من استراتيجيات إسرائيل التفاوضية، هي التأكيد الى حد الإفراط، أن التفاوض في الناقورة يهدف حصراً الى حل خلاف تقني على الحدود البحرية مع الجانب اللبناني، وهو ليس تفاوض على التطبيع، فضلاً عن أنه ليس تفاوضاً على معاهدة سلام بين الجانبين. ورد هذا التأكيد على لسان أكثر من مسؤول إسرائيلي، وكذلك عبر مصادر وتسريبات.
هده التأكيدات تشير، رغم خلافها للواقع، إلى أن إرادة إسرائيل تتجه لتمكين المفاوضات والإبقاء عليها، وربما ايضاً إيصالها الى حلول. لكن القدر المتيقن في هده المرحلة، هو إبقاء مسار التفاوض في مقابل مسار التصعيد على الحدود البرية، علّ الاول يحدّ من اندفاعة رد حزب الله الموعود على الحدود.
كذلك، هذه التأكيدات لا تلغي حقيقة المفاوضات وأهدافها إسرائيلياً، التي جاءت بعد تفاوض غير مباشر لسنوات، نتجت عنه مفاوضات (غير) مباشرة. ولا يلغي حقيقة أنها أداة استخدمها الطرفان لحل نزاع عالق، وإن كان السبب اضطرار العدو إلى اعتماد هذا الخيار. كما لا يلغي ذلك، وهو الأهم، نظرة الإسرائيلي وأمله في خطوة التفاوض، التي يريد لها أن تكون خطوة أولى في مسار طويل نحو التطبيع، وهو ما برز ابتداءً مع تعليقات الاعلام العبري من اللحظة الاولى للإعلان عن المفاوضات، وإن أعيد تنظيم المقاربة الاعلامية الإسرائيلية وتعليقاتها، وتوجيهها بما يخدم الاهداف الاسرائيلية من التفاوض.
حيال الصمت الرسمي والامتناع عن التعبير عن الامل بأن يؤدي التفاوض التقني الى مستوى أرفع من المفاوضات وصولاً الى «السلام»، كان لافتاً أن يتلقّف الإسرائيليون حديث رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية كلودين عون، ابنة الرئيس ميشال عون، عن قبول «السلام» مع العدو، للقول إن «أصواتاً إيجابية تأتي من لبنان وتتحدث حتى عن السلام مع إسرائيل، وتعمل معنا في قضايا مثل الحدود البحرية». هذا ما ورد على لسان وزير الأمن بني غانتس في معرض تهديده للبنان ووعيده له، كاسراً فيه سياسة التأكيدات الإسرائيلية على الهدف التقني للمفاوضات. الأهم في ما ورد عن غانتس هو ربط كلام الابنة بموقف الأب الذي يشرف على مفاوضات الحدود البحرية في الناقورة.
الأخبار _ يحيى دبوق