سماح إدريس لن تختصر مسيرته سطور!
غيّب الموت مساء الخميس 25 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، رئيس تحرير مجلة “الآداب” اللبنانية سماح إدريس بعد فترة وجيزة من الصراع مع مرض السرطان الذي أصابه بشكل مفاجئ، لتفقد الحركة الثقافية في لبنان أحد أبرز وجوهها.
تسلّم الراحل منصب رئيس تحرير مجلّة «الآداب» الورقية منذ سنة 1992، المجّلة العريقة التي أسّسها والده الراحل الكاتب والمترجم سهيل إدريس سنة 1953، كأشهر المجلّات الأدبية والثقافيّة في بيروت.
استمرّ في مهمة رئاسة تحريرها، بعد تحوّلها إلى مجلّة إلكترونية منذ سنة 2012، حصل على شهادة الدكتوراه في اختصاص دراسات الشرق الأوسط من جامعة كولومبيا الأميركيّة، وماجيستير الأدب العربي من الجامعة الأميركيّة في بيروت، بقي التزامه السياسي حاضراً في صلب ممارسته الثقافية ككاتب وناشر وناشط في عمله في المجلّة وفي «حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان» التي يعدّ أبرز مؤسّسيها عقب مجازر جنين سنة 2002، كجزء من حملة مقاطعة «إسرائيل» حول العالم.
له العديد من الكتب منها كتابان في النقد الأدبي، و4 روايات للناشئة، و11 قصة مصورة للأطفال إضافةً إلى إصدارات الكتب، نشر عشرات الدراسات والمقالات والكتب المترجمة.
نشط الراحل في الحياة الثقافيّة في بيروت، وصار أحد أبرز وجوهها، كناشط في مجالات عدّة أبرزها دعم القضية الفلسطينية، وتجديد الفكر القومي العربي وكتب مؤلفين في هذا السياق، أحدهما «المثقف العربي والسلطة: بحث في روايات التجربة الناصرية» (1992) الذي يبحث في علاقة المثقّف العربي بسلطات بلاده الرسميّة وفي السنوات الأخيرة ساهم في تأليف معجم «المنهل العربي الكبير»، مشاركاً في ذلك جهود والده الدكتور سهيل إدريس، بمشاركة العلّامة صبحي الصالح، الذي سيكون لدى صدوره عن «دار الآداب» أكبر وأشمل معجم عربي – عربي حديث (ثلاثة أجزاء).
لم يغب الهمّ السياسي أيضاً عن مجال أدب الأطفال والناشئة الذي خاضه الراحل في عدد من الكتب المؤلّفات، بل كان دافعاً أساسيّاً، تحدّث عنه مراراً. فالكتابة للأطفال باللغة العربية، وصفها كـ «لغتي السياسيّة»، التي تشكّل «أحد العناصر الأساسيّة لعقيدتي القومية العربية واليسارية». كتابة كانت تحديّاً سياسياً آخر في مسيرته؛ خصوصاً هاجسه، بتبسيط الفصحى للأطفال، وهو هاجس يقبع في صميم السياسة الديمقراطيّة بما فيها من إشراك فئتي الأطفال والناشئة في صناعة القرار.
بشعاره الثابت «إذا تخلّينا عن فلسطين تخلّينا عن أنفسِنا». كان الراحل يتصدّى لكلّ أشكال التطبيع الثقافي والفني والأكاديمي والرياضي مع الإحتلال الإسرائيلي في لبنان والعالم من خلال حملات المقاطعة المستمرة وعُرف بمواقفه المؤيدة للمقاومة اللبنانية والفلسطينية ودفاعه عنها في وجه “المطبعين” من دول وأنظمة عربية، ولم يتوقف عن ذلك حتى أثناء مرضه، وخلال فترة تلقيه العلاج.
سماح إدريس لم يمهله مرض السرطان كثيراً واختطفه خلال فترة وجيزة بعد إصابته بالمرض الخبيث ومباشرته العلاج، لفقدانه فراغ في الساحة الثقافية المشتبكة مع العدو والمقاطِعة لكل أشكال الدعم والتطبيع مع العدو، لكن أمثال سماح لا يموتون بل يعيشون فينا بإرثهم الفكري والثقافية.
لروحك سماح إدريس ألف تحية وسلام.
ارتكاز نيوز