الكاتب: سالم زهران
في أيلول من العام 2010 في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أكّد باراك أوباما إلتزام الولايات المتحدة بالاعتراف بإسرائيل بصفتها “دولة يهودية” مع ما يعنيه ذلك من قوننة لتطهير عرقي لكل ما ليس يهودياً، إلا أن إقرار الكنيست للقانون ومن بعده التبني الأميركي له عشية مسمى “الربيع العربي” على لسان اوباما لم يشرع الباب لذاك الحلم لسبب أساس وهو رفضه من قبل الفلسطينين بمن فيهم السلطة، ورفضه من قبل دول الطوق التي ناهضت المشروع بشعوبها ومكوناتها السياسية معاً.
فبتاريخ 28/6/2011 توجّه نتنياهو، في كلمة له أمام أعضاء من الوكالة اليهودية في القدس، إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس مطالباً إيّاه بأن يردّد على لسانه جملة لا تتعدى كلمات أربع “أنا أقبل دولة يهودية”، إلا أن الرئيس الفلسطيني (صاحب السقف الأدنى بين المكونات السياسية الفلسطينية ) عاجله بالردّ في الجلسة الافتتاحية للمجلس المركزي الفلسطيني الذي عقد في رام الله بتاريخ 27 تموز (يوليو) 2011 بجملة قصيرة لم تتجاوز هي الأخرى كلمات أربع، تعبّر عن الرفض المطلق للاعتراف بالدولة اليهودية، أو يهودية الدولة بقوله “لن نقبل بها مطلقا”.
وبين التبني الأميركي من على منبر الأمم المتحدة والرفض الفلسطيني بكافة مكوناته سلطة وفصائل مقاومة تَفجر في العالم العربي المسمى ربيعاً ومن رحمه ولد ما عرف بالدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” لتحتل جزءاً من سورية والعراق محاولةً فرض نفسها كدويلة تحاكي يهودية الدولة من حيث نقاء المذهب وتطهير الأرض من كل من لا ينتمي اليها عقائدياً في تماهٍ واضح مع مشروع الصهاينة في فلسطين.
ذاك المشروع (يهودية الدولة) الذي يحتاج الى امرين، تسليم الفلسطينين به وهذا ما لم يحصل، وخلق دويلات مذهبية وعرقية في المنطقة تُشرع وجودها بيهودية الدولة وتعمل على خلق بؤر توتر تشغل حركات المقاومة عن القضية الأساس “فلسطين” ولذلك كانت داعش.
وبين يهودية الدولة وداعش خرجت أصوات من رحم المعاناة التاريخية للمكون الكردي تلاقي المشروع بنظيره على صيغة دولة كردية مغتنمة ما يعتقدون فرصتهم الذهبية للمطالبة بالاستقلال الذاتي في لحظات حساسة كتحول الأحداث وتصاعد العنف والحرب الدولية وانشغال العالم بالحرب السورية عام 2011، إلا أن حركات التمرد لبعض الفصائل الكردية بقيادة زعيمهم آنذاك مصطفى البرزانى هي سابقة عن هذا التاريخ، ففي عام 1991 استطاعت قوات مقاتلة كردية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية السيطرة في حينه على إقليم كردستان الحالي وذلك بعد حظر للطيران فى كامل منطقة تواجد الكرد فى شمال العراق، ما سهل عليهم في ما بعد الإعلان عن قيام حكم ذاتي لهم وعاصمته أربيل، وبعد حرب العراق والاحتلال الأمريكي له عام 2003 تم توسيع الحكم الذاتى للكرد وفقا للدستور العراقي إلا أن هذا لم يرض جوهر مشروع البرزاني المنطلق من فكرة إنسلاخ الكرد عن الدولة العراقية من هنا قام في أيلول(سبتمبر) من العام 2017 بإستفتاء حول استقلال أربيل عن العراق إستفتاء شكّل طعنة في خاصرة وحدة الشعب العراقي بمكوناته التاريخية، ولم توافق عليه الحكومة المركزية واعتبرته غير شرعي فيما دعمته إسرائيل التي رفع علمها جهاراً على ارض كردستان كتحية شكر على دعمها فكرة الإنفصال وتشجيعها عبر مسؤوليها إقامة دولة كردية في الشرق الأوسط، تجمع الأكراد المنتشرين في إيران والعراق وسوريا وتركيا.
الدولة الكردية التي تحاكي يهودية الدولة في فلسطين المحتلة وداعشية الفكر في سوريا والعراق والتي تعترف رسمياً بكيان العدو لا تنفك عن محاولة تحقيق حلم الإنفصال الذي يمهد للتقسيم عن العراق الذي هو قلب الصراع والذي بتحديد هويته تتحدد كل المنطقة، عملية التقسيم تطل مرة جديدة لإنفصال الأكراد بطرق جديدة كترشيح مسعود البرزاني لعدنان المفتي (٧٧ عاما) لرئاسة الجمهورية بدلاً عن برهم صالح والمفتي ليس إلا حاجب على باب مشروع مسعود البرازاني فمن يضمن في حال فوزه عدم تطبيق مشروع الإنفصال بقوة الدستور والقانون؟!
الحذر هو ما يجب أن يكون قائماً في العراق ودول الجوار لا سيما في سوريا ولبنان وايران وكل من يواجه مشروع يهودية الدولة من تسلل التقسيم من العراق عبر مدخل الإنتخابات الرئاسية ووجود شخص مثل عدنان المفتي على رأس الدولة والذي يعتبر صوت مسعود البرزاني وصداه المنادي الدائم بالإنفصال والتواصل والتطبيع مع الكيان الصهيوني وتاريخه يشهد.
ولو أن مسعود البرزاني أراد شخصياً ترؤس العراق لوجب دعمه كخطوة في سبيل لحمة الشعب الواحد، أما ولقد إختار الإنسلاخ ممتطياً مرشحاً “كومبرس” لينتزع بتوقيعه الدستوري فيما بعد إن وصل إلى سدة الرئاسة، فمن واجب كل الأحرار في المنطقة وبخاصة المؤمنين بوحدتها ومن قاتلوا المشاريع التفتيتية من داعش وأخواتها أن يواجهوا ويمنعوا حصول ذلك بقوة أصوات البرلمان.
نعم، لقد عانى المكون الكردي من تمييز وإضطهاد كحال الكثيرين من أبناء البلاد من أهل الضاد، لكن هل من الجائز أن يخرج من رحم تلك المعاناة مسعود البرازاني ليجرّ الأكراد إلى إنفصال لن يخدم أهله كما يظن البعض بل ليحولهم إلى دشمة صغيرة تنهال عليها ضربات أمواج محيطها لتغرقها ومعها من حولها من مكونات، لينتصر المشروع الاسرائيلي وحده.
وماذا لو خرجت أصوات سنية أو شيعية تطالب بالإنسلاخ عن العراق كحال البرازاني؟ ومن يدري هل تبقى من بعدها دول المنطقة خارج التقسيم المذهبي والاثني؟!
فلا يظنّن أحد أن كرة النار لن تشتعل في كلا العالمين العربي والاسلامي وبشرارة البرازاني..
وعليه،
إما أن يختار أهل العراق ومن بعدهم من يعنيهم الأمر في دول الجوار رئيساً من المكون الكردي يجمع من حوله كل المكونات ويحافظ على وحدة البلاد وفق الدستور الذي يراعي في صلبه الخصوصيات الكردية، واما برازينياً بمسمى آخر يسلخ جزء من أرضه ويشرع أبواب الصراع بين مكونات الشعب العراقي العظيم الذي إليه يعود القرار بل المصير الأخير.