القطاع التمريضي منهك: ممرّضة لكل 15 مريضاً
يوماً بعد آخر، تتعمّق الأزمة في «القطاع» التمريضي، بحيث يصبح من الصعب تداركها. وبعد عامين من الانهيار الاقتصادي، يجد الممرّضون أنفسهم بين فكّي كماشة: الهجرة التي يرغمون عليها لتأمين لقمة عيشٍ باتت خارج متناول اليد أو البقاء حيث هم «يخدمون» برواتب لم تعد تساوي حتى الحدّ الأدنى للأجور. فمع انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، أصبحت رواتب الفئة الأكبر من الممرضات والممرضين تعادل ما يقرب من خمسين دولاراً يتقاضاها هؤلاء لقاء أعمالٍ باتت «مدوبلة» منذ بداية أزمة كورونا. ولئن كانت هذه الأزمة تؤثر في المباشر على الممرّضين، إلا أن ارتداداتها لا تتوقف عند حدود هذا القطاع، وإنما تؤثّر أيضاً في حسن سير العمل في المؤسسات الاستشفائية وفي نوعية الخدمة الطبية التي تقدمها.
أمس، توقف الممرضون والممرضات عن العمل في كل لبنان. أرادوا من خلال الوقفة الرمزية الاحتجاج على الواقع الذي يختبرونه، حيث لم يعد لديهم القدرة لحمل العبء بلا أدنى مقومات الصمود، وخصوصاً في المستشفيات التي يعمل فيها ما يقرب من 84% من الممرضين العاملين. ففي آخر الإحصاءات الصادرة عن نقابة الممرضات والممرضين، هناك ما يقرب من 9900 ممرضة وممرض من أصل 11829 يمارسون المهنة يعملون في المستشفيات، وهم اليوم الفئة الأشدّ ضرراً مما يجري. ولئن كان هذا الرقم لا يشمل «الهاربين» من الانهيار الذين تقدّر النقابة عددهم حتى اللحظة بـ 2000 ــــ وهو ليس رقماً نهائياً ــــ إلا أن ما يعانيه البقية منهم في المستشفيات يكاد يكون أقسى من الهجرة نفسها، حيث يضطرّون إلى القيام بمهام مضاعفة بسبب تضاؤل الأعداد. ففي وقت تقرّ فيه القوانين الطبية بـ«خدمة» ممرضة لكل 7 مرضى في الأقسام العادية في المستشفيات، وممرضة لكل 3 مرضى في أقسام العناية، تبدو «الآية» معكوسة هنا، حيث يتضاعف الحمل على الممرضة لتصبح مسؤولة عن 15 مريضاً أو في أحسن الأحوال 10 مرضى، على ما تقول نقيبة الممرضات والممرضين الدكتورة ريما ساسين. وتنتج من هذه المعادلة جملة تأثيرات، فعدا عن الضغط النفسي والجسدي الذي تتعرض له الممرضة، ثمة ما هو أخطر، وهو «التأثير على جودة العناية التمريضية».
ما يجري في القطاع اليوم تسأل عنه إدارات المؤسسات الصحية حيث تعمل الممرضة، وخصوصاً المستشفيات، إذ يغيب عن أولويات هؤلاء أولوية تحفيز العاملين الصحيّين، وفي مقدّمهم الممرضات والممرضون، إن كان لناحية تعديل رواتبهم المتدنية أو تأمين بدلات إضافية لمواجهة الانهيار وغيرها من الحوافز. إذ من شأن هذه التعديلات أن تعيد التوازن إلى قطاع التمريض. وبحسب ساسين، هناك آلاف من الممرضات والممرضين المنتسبين إلى النقابة والعاطلين في الوقت نفسه من العمل. وبالأرقام، تعدّد 1300 من حملة الإجازة الجامعية و1500 آخرين من حملة الإجازات الفنية.
لكل هذه الأسباب، كان النداء الأخير الذي أطلقته ساسين أمس لإنقاذ القطاع التمريضي. وانطلاقاً من مقولة «بالصحة ما لازم يصحّ إلّا الصحيح»، أذاعت ساسين بياناً من 16 بنداً طالبت فيه الجهات المعنية من مستشفيات ومراكز صحية، إلى وزارة الصحة وغيرها، بإخراج الممرضات والممرضين من أزماتهم. وتأتي في لائحة تلك المطالبات «رفع الأجور بما يتناسب مع التضخّم الحاصل ودفع نسبة من الرواتب بالدولار وزيادة بدل النقل وإطلاق حوارٍ جدي مع المعنيين في القطاع الصحي للوصول إلى تفاهم مشترك لعقد عملٍ جماعي والعمل على إيجاد دعم مالي لقطاع التمريض من خلال البرنامج الذي حصل عليه لبنان من صندوق النقد الدولي وتخفيف العمل إلى حدود 35 ساعة أسبوعياً وزيادة عدد العاملين بالنسبة إلى عدد المرضى وتأمين فرص عمل جديدة من خلال تفعيل مراكز الخدمات الصحية وتفعيلها (…)».
16 خطوة طارئة تأتي، بحسب ساسين، كدعوة أخيرة للعلاج، قبل أن «نضطرّ إلى اتخاذ خطوات تصعيدية لندافع عن حقوقنا»…
الأخبار _ راجانا حمية