لبنان

الأخبار: سيناريو «تصدير الأزمة» الداخلية مستبعد وصعب: معادلة حزب الله تكبح أي مغامرة بالحرب

كتب علي حيدر في الأخبار: 

تتردد، بين حين وآخر، فرضية مفادها أن تفاقم الأزمة الداخلية في كيان العدو قد يدفع قيادته إلى شن حرب ضد حزب الله في لبنان، بما يحوّل الأنظار إلى الخطر الخارجي ويؤدي إلى رصّ الصفوف وتكتّل القوى السياسية الاجتماعية في مواجهته. ووفق هذا المنظور، تزيد احتمالات الحرب كلما اشتدّت الأزمة الداخلية وضاقت الخيارات أمام بنيامين نتنياهو. لكن، هل يُبادر العدو إلى خيار كهذا، وهل هناك سوابق إسرائيلية تُعزّز مثل هذا السيناريو، وهل تكبح نتائج حرب كهذه الأزمة الداخلية بالضرورة أم تُفاقمها؟ وفي ضوء كل ما تقدّم، هل تتّجه قيادة العدو نحو خيار عسكري على هذه الخلفية؟

من الواضح أن تعرّض كيان العدو لحرب يشنها حزب الله أو محور المقاومة، سيدفع كل تياراته وقواه السياسية والمجتمعية المنقسمة على نفسها إلى التكتل في وجه الخطر الخارجي، وسيفرض أولويات على الواقع الإسرائيلي مغايرة لما هو قائم حالياً. لكن، تأثير مثل هذا السيناريو على الانقسام الداخلي يبقى مرهوناً بحجم الحرب ومداها الزمني ونتائجها وتداعياتها. وهو سيكون مختلفاً في حال كانت حكومة العدو هي المُبادِرة إلى الحرب، ربطاً بمبرّراتها ودوافعها، وما إذا كانت هذه المبررات مهنية وموضوعية أم هي وسيلة للهروب من الأزمة الداخلية. وحتى لو انخرط الجميع في حرب كهذه، إلا أن تداعياتها على الداخل ستتبلور بعد توقّفها، وسيتفاقم الانقسام الداخلي حيالها إذا كانت نتائجها مدمرة للمنشآت الاستراتيجية، وحمَّل الجمهور الإسرائيلي الحكومة المسؤولية عنها.
في نظرة خاطفة الى الحروب السابقة، لم يسبق لإسرائيل أن خرجت إلى حرب نتيجة عوامل داخلية وفق نظرية «تصدير الأزمة». لا يعني ذلك النفي التام لتأثيرات العامل الداخلي على قرارات قيادات العدو، لكن قرارات بهذا الحجم تتبلور نتيجة تضافر مجموعة من العوامل، منها دوافع الحرب (أمنية أم توسعية أم وقائية)، والموقف الأميركي منها، وتقدير نتائجها. لذلك، يمكن للعامل الداخلي أن يساهم في بلورة قرار عملية عسكرية، على الأقل في توقيتها، ولكن باعتباره جزءاً من عوامل أخرى لها مبرراتها المهنية والموضوعية. ويزيد تأثير العامل الداخلي كلما بدت العملية ضرورية (وهنا يحضر موقف الجيش) وكلما كان تقدير نتائجها يميل لمصلحة إسرائيل لجهة محدودية أضرارها. وهنا، ينبغي التمييز بين استبعاد فرضية الحرب لـ «تصدير الأزمة» وبين التوظيف السياسي الداخلي لهذه الحرب لتعزيز مكانة هذا الحزب أو ذاك الزعيم، وهو أمر سائد في الساحة الإسرائيلية.

ولا يخفى أن مقاربة احتمالات اتخاذ قرار بالحرب تختلف في حال كان الأمر يتعلق بجولة عسكرية محدودة، سواء في مواجهة لبنان (إذا افترضنا أن هناك احتمالاً قائماً فعلاً لخوض أيام قتالية من دون التدحرج إلى مواجهة عسكرية فحرب) أو أي ساحة أخرى. ويعود ذلك إلى تباين نتائج كل منها، واختلافها من ساحة إلى أخرى بسبب خصوصية موازين القوى في الطرف الآخر.
مع ذلك، تبقى هناك إشكالية أن الأزمة الداخلية الحالية في إسرائيل غير مسبوقة وتشكّل خطراً كبيراً على أمنها القومي، ما يمكن أن يجعل العامل الداخلي أكثر حضوراً في قرار الحرب. إلا أن هذا لا يلغي أن الحسابات تبقى مرهونة بالموازنة بين تقدير تفاقم مخاطر الأزمة الداخلية وتقدير نتائج هذه الحرب على إسرائيل وجبهتها الداخلية.

إلى ذلك، ينبغي عدم إغفال حقيقة أنه أياً يكن السيناريو (جولة عسكرية محدودة أم حرب)، فإنه سيكون محدوداً زمنياً مهما طال، وستترتّب عليه نتائج سلبية أو إيجابية قد تحرف اهتمام الجمهور الإسرائيلي ظرفياً وتهدّئ غضبه. وسيبقى السؤال المُواكب لأي قرار في هذا الاتجاه: ماذا بعد انتهاء الحرب أو العملية العسكرية؟ إذ إن على القيادة السياسية أن تدرس أيضاً فرضية تحوّل نتائج الحرب إلى ورقة إضافية بيد المعارضين للحكومة، وعامل انقسام إضافي حول مبرر قرارها وهل كان بالإمكان تجنّبها وتفادي النتائج التي ترتّبت عليها؟
يبقى عامل أساسي ومفصلي في هذه المقاربة، وهو موقف جيش العدو من أي قرار في هذا الشأن يتخذه المجلس الوزاري المصغّر، إذ إن للجيش تأثيره الكبير على بلورة أي قرار أو كبحه استناداً إلى تقدير نتائجه والقدرة على مواجهة المخاطر التي تترتّب عليه. وترتفع حاجة المستوى السياسي إلى موافقة الجيش ودعمه لتوفير المشروعية كلّما ارتفع منسوب المخاطر وكانت التقديرات تُرجّح احتمالات تلقّي خسائر كبيرة. وفي ضوء الأزمة الداخلية الحالية، فإنّ نتنياهو أحوج ما يكون إلى مثل هذا الدعم، لعدم ثقة قطاع واسع من الجمهور الإسرائيلي بخلفية قراراته وحقيقة أهدافها. وبالتأكيد يصبح قرار الجيش أكثر محورية عندما يكون سيناريو «العودة إلى العصور الوسطى» حاضراً بقوة على طاولة القرار.

لمزيد من الدقة، يعني ما تقدم أن احتمال مبادرة العدو إلى شن حرب أو عملية عسكرية واسعة، في مواجهة حزب الله، نتيجة الأزمة الداخلية وهربا منها، أمر معقّد وصعب ومستبعد وفقاً لحسابات الكلفة والجدوى… مع عدم استبعاد نشوب مواجهة عسكرية ما، نتيجة تطور ميداني تفرضه سياقات عملياتية مُحدَّدة. كما أن احتمال سوء التقدير لدى قيادة العدو يبقى قائماً، وإن كانت احتمالاته ضئيلة جداً عندما يتعلق الأمر بسيناريو حرب ضد حزب الله، لإدراكها بأن الكيان سيجبي أثماناً هائلة في جبهته الداخلية على الصعد كافة، العسكرية والاقتصادية والاستراتيجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى