الأخبار: لودريان في وادٍ وانتخاب الرئيس في واد
كتب نقولا ناصيف في الأخبار:
في احوال استثنائية كما في احوال عادية يصعب تصوّر رسالة كالتي وجهها الموفد الرئاسي الفرنسي الخاص جان ايف لودريان الى النواب اللبنانيين. مغزاها انها تحاول تقديم احد الحلول الممكنة للتوافق سلفاً على شخصية تصلح لرئاسة لبنان يصير من ثم الى انتخابها. تعيينها رئيساً قبل الاقتراع لها في البرلمان. اما مبررها فهو تعذّر اتفاق مجلس النواب على مَن يُنتخب رئيساً. النية الحسنة في المبادرة الفرنسية توخيها الوصول الى قواسم مشتركة بين فريقيْ مجلس النواب المستعصييْ التوافق. اما النية المبيتة لديهما فهي ان اياً منهما لا يريد الرئيس الا على صورته وخياراته. في نهاية المطاف فشل المطلوب من الرسالة منذ اللحظة الاولى. ليس على صورتها حتماً يُنتخب الرئيس اللبناني.
اياً ظهرت ردود الفعل المرحبة بالجلوس الى طاولة الحوار التي دعا اليها الموفد الفرنسي او التحفظ عنها، فإن الطرفين اجابا عن سؤاليْ لودريان كلٌ وفق طريقته: رفض 31 نائباً في المعارضة الدخول في حوار كالذي دُعوا اليه، بينما اجاب الثنائي الشيعي بتمسكه بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية دونما ان يكون في حاجة الى ان يتقدم خطياً بمواصفاته للرئيس المقبل ما دام عثر عليها فيه. ابرزت الرسالة من خلال السؤالين اللذين تضمنتهما المشكلة كأنها في مواصفات رئيس يتعذر وجوده الى الآن على وفرة المرشحين المتداولة اسماؤهم. ذهبت الى ابعد مما يفترض ان تُعنى به مبادرة باريس عندما راح الفرنسيون كما سفيرتهم في بيروت ينادون على الدوام باجتماع مجلس النواب في اسرع وقت وانتخاب الرئيس وفق الاصول الدستورية. اذ الرسالة تقف في مقلب معاكس من الاصول تلك اكثر من مرة:
ثانيها، ان تحديد مواصفات الرئيس والاتفاق عليها مقرونة بتسوية سياسية من ثم يُبنى على هذه اختيار الشخص، لا تناقض فحسب المادة 49 في الدستور باشتراطها انتخاب الرئيس بالاقتراع السري، بل تذهب الى قياس مجرَّب في استحقاقات رئاسية ماضية بربط اختيار الرئيس سلفاً بالتسوية على ما يقتضي ان يحمله عهده المقبل. حدث من هذا القبيل مرتين: اولى قضت في مهدها عام 1989 بانتخاب الرئيس رينه معوض لوضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ ثم اغتياله للحؤول دونها، وثانية عام 2008 في انتخاب الرئيس ميشال سليمان على اثر احداث 7 ايار والتئام مؤتمر الدوحة الذي ناقش تسوية اقتصرت على رسم توازنات بين فريقي 8 و14 آذار داخل السلطة اكثر منها اجراء مصالحة سياسية بين السنّة والشيعة. لم يناقش هناك اسم سليمان ولا اثير لغط حيال انتخابه. كان ابسط البنود واسهلها واقلها اهمية. رمى اختياره اذذاك، بعد الاتفاق على احجام الحكومات وقانون الانتخاب، الى جعله زيحاً فاصلاً وعازلاً بين الفريقين المتناحرين، ولم يكن سوى محاولة فك الاشتباك السنّي – الشيعي. عاش اتفاق الدوحة نصف ولاية الرئيس (2008 – 2011) قبل ان يقصم ظهر التسوية تلك وتنهار. فشُل التجربة تلك هو الذي يحمل الفريقين الحاليين على الافصاح عن تصوّر مختلف عن الآخر للحوار وانتخاب الرئيس. كلاهما يريد حتماً رئيساً للجمهورية. اما الاصل في ما يريدانه فهو ان يكون عدو الطرف الآخر ونقيضه.