الأخبار: عن أحوال خصوم حزب الله حيث لا حول ولا قوة
كتب غسان سعود في الأخبار:
لو وقعت حادثة الكحالة بين عامَي 2004 و2017 لما تردّدت الولايات المتحدة في دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد وإبقاء اجتماعاته مفتوحة إلى حين إنشاء محكمة خاصة. أمّا وقد تجاوزت الأحداث تلك الحقبة فلا شيء من هذا كله: لا اجتماعات في البريستول ولا لقاءات في الصروح الدينية ولا «ثوار» يشيدون الجدران على الطريق الدولية لمنع مرور الشاحنات؛ كل ما بقي من تلك العدة هو تلفزيونان وبضعة موتورين مغمورين يضعون لافتات مطبوعة في صناديق سياراتهم وينتظرون حادث سير ما للوصول على عجل.
قرّر وضاح الصادق أنه بديل سعد الحريري، وقال فؤاد مخزومي إنه محل فؤاد السنيورة وياسين ياسين محل جمال الجراح، وصولاً إلى تيمور مكان والده وليد جنبلاط. وحلّ «أبو الحن» محل الصقور التي أُسقطت سياسياً قبل تحقيقها لغاياتها. لا يكاد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل يتحدث عن «نضال وجودي وكياني لم يعد سياسياً» حتى يتبرع مستشار سمير جعجع الإعلامي شارل جبور منتقداً «إعطاء الناس آمالاً ووعوداً ثم بتفوت بالحيط» حيث «مش حتقدر تعمل شي، لا قبل الكحالة ولا بعدها».
يتحدث سامي الجميل عن مرحلة نضالية جديدة، فيتبعه زميله في الحزب النائب نديم الجميل في تثبيت ملامحها في اليوم التالي: عرض أفلام سينمائية لا يريد وزير الثقافة لها أن تُعرض (الوزير الذي لا يعلم ربما أن على الهواتف اليوم تطبيق يُدعى «يوتيوب»). في وقت تحل المواجهة مع المادة 534 من قانون العقوبات محل المواجهة المنتظرة مع الحزب؛ كان عنوان المواجهة السلاح غير الشرعي، صار عنوان المواجهة هو حقوق المثليين. أما الأمين العام السابق لقوى 14 آذار فارس سعيد فتحوّل في هذه المشهدية إلى أستاذ محاضر في العقلانية السياسية عبر الاعترافات المتلاحقة بموازين القوى الحقيقية التي تكرّس هزيمة فريقه. ومن يدقّق في تصريحات سعيد يقول إن الولايات المتحدة (لا أهل الكحالة) هي من تستطيع وحدها قطع طريق طهران – الضاحية، ولا بدّ أن يتذكر الرئيس ميشال عون حين كان يسأل كيف يراد منه نزع سلاح حزب الله الذي لم تستطع إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة أن تنتزعه.
لكن الوضوح يكون أكثر فعالية، عندما يبدأ فيلم نزع السلاح مع سعد الحريري ووليد جنبلاط والأقطاب المسيحيين في 14 آذار، ثم ينتهي مع طوني أبي نجم (يُعرف عنه كإعلامي) وإيلي محفوض (يُعرف عنه كرئيس حركة التغيير) وزياد حواط (نائب). من فريق يسرح ويمرح في الحكومات والمجلس النيابي إلى فريق يعجز عن تأمين أكثر من 31 نائباً، فيما تعطيل النصاب في المجلس النيابي يحتاج إلى 43 نائباً. مع ضرورة تخيّل ما سيكون الوضع عليه هنا في حال تشكيل حكومة وفق نسب التمثيل النيابيّ. في ظل تأكيد النائب كميل شمعون أخيراً أن البيانات التي تُوزع مرفقة بتواقيع النواب – بما في ذلك توقيعه – لا يعرف بها بعض النواب الموقّعين – مثله – إلا بعد نشرها في الإعلام.
على صعيد الحوار يمكن القول إن الحزب تلقّف بإيجابية كبيرة مبادرة التيار، وهو أنشأ لجاناً لبحث ورقة باسيل، وكان واضحاً أن البحث والنقاش في بنود اللامركزية والصندوق الائتماني يركزان على الإيجابيات بدل السلبيات، ومحاولة تدوير كل ما يصادفهما من زوايا قانونية ودستورية في هذين المشروعين. ورغم مواصلة باسيل التشكيك في الوصول إلى خواتيم سعيدة فإن حركة الحزب الداخلية وحركته باتجاه حركة «أمل» تجزمان بعكس ذلك. مع العلم أن الورقة التي توسّع بها باسيل مع الحزب هي نفسها الورقة الرئاسية التي جال بها نوابه على الكتل النيابية قبل عام، دون أن يهتم أحد بشأنها.
وعليه كان يمكن لحوار الحزب والتيار اليوم، أن يكون حواراً بين الكتائب والتيار، أو بين التغييريين والتيار، أو بين الاشتراكيّ والتيار. ولا يزال الباب مفتوحاً لذلك. تماماً كما كان الباب مفتوحاً عشية الجلسة الانتخابية الأخيرة لتوسيع التقاطع أكثر عبر استبدال المرشح جهاد أزعور بالمرشح زياد بارود، لكن مكابرة سمير جعجع والتزامات وليد جنبلاط حالتا دون ذلك.
زيارة مبعوث الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان الأولى سبقها توازن ردعيّ سطّره التقاطع على أزعور؛ توازن حكمته المرحلة، حيث كانت أولوية التيار وقف اندفاعة فرنجية نحو بعبدا، وهو ما سمح بتقاطع مع رغبة أميركية بعدم السماح للحزب بإيصال من يريد إلى الرئاسة دون دفع الثمن. لكن إخراج التيار من هذا التقاطع لقاء الثمن الداخليّ المناسب، يمكن أن يفتح الباب أمام انتخاب رئيس وفق المبادرة الفرنسية، إلا إذا قرّر الأميركيون أن الوقت لم يحن لذلك فيواصلون الهروب إلى الأمام عبر ألف وسيلة وحيلة.