الأخبار: مطار القليعات و(Terminal 2): الهدف واحد

كتبت ندى أيوب في الأخبار:
قبل أشهر، فَشِلَت مُحاولة توسعة مطار بيروت الدولي بعد معركةٍ قاسية أسقطت مشروع إنشاء مبنى جديد للرّكاب (Terminal 2)، حاول وزير الأشغال العامّة علي حميّة تمريره بطريقةٍ أثارت ملاحظات تتصل بالآلية القانونية الواجب اتباعها، وترافقت مع حملة سياسية، ما دفع الوزير إلى إلغاء الصفقة، قبل أن يُطلق الفريق الخصم لحزب الله حملة عشوائية على الحزب، ويذهب بعيداً في الاستغلال السياسي لقطع الطريق على أيّ نقاشٍ حول تطوير مطار بيروت، فأسقط البحث في أصلِ الفكرة رغم صوابيّتها. وبالتوازي، علت نبرة المُطالبة بمطارٍ بعيد عن الحزب وبيئته ونفوذه. ورغم أن هذا الطرح ليس جديداً، وأن الجدل حول المطارات عمره من عمر الحرب في لبنان. إلا أن اللافت هو الاقتراح القديم – الجديد بإعادة تشغيل مطار القليعات، كمطارٍ ثان، رُفِع هذه المرّة بحُجّة تخصيصه للرحلات التجارية وتلك العارضة المُتدنّية الكلفة. وهذا تماماً هدف مشروع (Terminal 2) في مطار بيروت. لكن، يبدو أن ما هو مقبول في القليعات، مرفوض في بيروت، ليس لعلّة في المسار القانوني وإلا كان جرى تصويبه، بل لضرورات التسييس بالدرجة الأولى.
واقع مطار القليعات
تقنياً، هناك أسئلة كثيرة حول مدى جهوزيّة القليعات للعمل. إذ يقع المطار على ساحل عكار، على بُعد 20 كلم شمال طرابلس، ويضم مدرجين بطول 3200 متر وعرض 60 متراً، وعدداً من الأبنية والمنشآت والهنغارات التي تحتاج إلى إعادة تأهيل، إضافة إلى صيانة شاملة للمدرجات وبرج المراقبة وعوامات النفط ومحطات الرادار والإضاءة والخزانات.
عام 2019، وفي أعقاب وضع خطة اقتصادية لمنطقة الشمال ككل، أعدّ المدير العام السابق للطيران المدني المهندس حمدي شوق دراسةً حول مطار القليعات، خَلُصت إلى أنّه «يتكامل مع مطار بيروت ولا ينافسه»، انطلاقاً من موقعه الجغرافي القريب من الحدود مع سوريا، وسط غياب كلّي للمطارات على كامل الساحل السوري. وتركّز الدراسة على تحويل مطار القليعات إلى مرفق اقتصادي وسياحي، يخدم حوالي 50 كلم في لبنان، وجزءاً كبيراً من سوريا، ويستفيد منه بين مليونين وثلاثة ملايين مسافر في حال تطور الأوضاع إيجاباً في المنطقة العربية. كما يصلح المطار لاعتماده بشكلٍ أساسي لأغراض الشحن والتخزين والنقل التجاري، ولا سيما على صعيد التصدير الزراعي من مناطق البقاع والشمال. ويعزز دوره قربه من البحر والعلاقة التي يخلقها تشغيله مع مرفأ طرابلس، فيصبح مشروعاً متكاملاً بعد تطوير المرفأ، والانتهاء من شق الطريق بين البقاع والشمال عبر منطقة الضنية. وعبره يتم ربط البحر الأبيض المتوسّط مع الخليج العربي، وهو دور «من الصعب على مطار بيروت لعبه»، وفق شوق، نظراً إلى طول المسافة إلى بيروت.
في الشق المالي، قدّرت مؤسسة «إيدال» عام 2011 كلفة التشغيل بـ90 مليون دولار. وتستقر الآراء على أن أفضل طرق التنفيذ، في دول لا تملك سيولة، هي عقود الشراكة مع القطاع الخاص على طريقة الـ«BOT». وهي الطريقة التي طرحت لتنفيذ مشروع (Terminal 2). وفي هذا الصدد، يعتبر شوق، أنّ «المشكلة تكمن في إدارة مطار بيروت، بحيث يمكن للإدارة الجيّدة، إذا ما ترافقت مع تحديثٍ تكنولوجي، زيادة القدرة الاستيعابية للمطار من 6 إلى 9 ملايين وافد، إلى جانب توسعة مبنى الركاب الذي لا يتعارض مع عودة تشغيل مطار القليعات، نظراً إلى اختلاف الدور بينه وبين مطار بيروت».
صحيح أن حزب الله، وهو الجهة التي تمثل مرجعية وزير الأشغال العامة علي حمية، شجع الوزير على سحب مشروع إنشاء مشروع إنشاء مبنى جديد (Terminal – 2) للركاب في الجهة الشرقية من مطار بيروت إثر الضجة التي رافقت عملية التلزيم، بعدما تبين أنها لم تستوف كامل الشروط القانونية. إلا أن ذلك لا ينفي الحاجة إلى المشروع أصلاً، وهو ما بدأ التداول به على مستويات اقتصادية معينة، ما يطرح السؤال عما إذا كانت الحكومة قادرة الآن، وهي في مرحلة تصريف الأعمال، على إعادة البحث في تلزيم هذا المشروع وعدم ترحيله كبقية الملفات إلى ما بعد التسوية الرئاسية.
قانونياً، لا يمكن تشغيل مطار القليعات إلا عبر الهيئة الناظِمة للطيران المدني التي قامت بقانون (481) الصادر عام 2022. فهي الجهة المخوّلة إعطاء الموافقة على افتتاح أي مطار في لبنان. وأساس وجودها قائم على إدارة قطاع الطيران الجوي، وتطويره، والتواصل مع السلطات الدولية المختصة للحصول على التراخيص المُرتبطة بسلامة وأمن الطيران. إلا أنّ تعيين الهيئة عُرقِل منذ ذلك التاريخ تحت ذرائع كثيرة، سياسية وطائفية متعلّقة بطائفة رئيسها وأعضائها. ويؤكّد معنيون أنّ ما يطرحه البعض لمعاودة العمل في مطار القليعات، انطلاقاً من اعتباره ملحقاً بمطار بيروت ولا يحتاج إلى موافقة الهيئة الناظمة، ليس إلا مخالفة قانونية.
مطار من القرن الماضي
عمر مطار القليعات يعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي، عندما أنشأته شركة نفط العراق (إي.بي.سي) الإنكليزية ليكون صلة وصل بين مصافي النفط خاصّتها في العراق، ومركز الشركة في بريطانيا، مباشرة بعد تقسيمات اتفاقية «سايكس ــ بيكو»، ومدّ خطوط نقل النفط من كركوك إلى شمال طرابلس مروراً بسوريا. وبعد استقلال لبنان عن الفرنسيين، بات المطار تحت سلطة الدولة اللبنانية. واستخدم لأول مرة كمطار مدني، أثناء أحداث عامي 1988 – 1989، عندما انقطع الطريق بين بيروت والشمال، فسيّرت «ميدل إيست» رحلتين في اليوم بين العاصمة والشمال.