المرتضى عن الشهيدة سناء محيدلي: الوفاء لتضحياتها يكون برفض التطبيع وبالعمل على حماية بلدنا ووحدتنا وقيمنا وعناصر مناعتنا وفي صدارتها مقاومتنا
حذر وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى من “موبقات من شأنها ان تحدث تصدعات بنيوية في الصيغة اللبنانية”، وقال :”لقد انتصرنا على العدو بالحديد والنار، لكنه يعود إلينا بكل موبقات بث الفرقة وترويج الشذوذ والهدف واحد: إحداث تصدعات بنيوية في الصيغة اللبنانية، وتيئيس اللبنانيين من مبدأ العيش معا، وإحداث مثلها في الذات الإنسانية ومحو الحدود الطبيعية بين ال هو وال هي وبالتالي، تفجير الخلية التأسيسية للمجتمع وهي العائلة وعند ذاك يهون تدمير هوية التاريخ والدولة ونصبح لقمة سائغة لكيان الشر… لكن هيهات.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وحضوره حفل كتاب الاستشهادية سناء محيدلي، في مقر المكتبة الوطنية بدعوة من الحزب السوري القومي الاجتماعي، وقال:”على تخوم الشهادة تتحرر النفس من الحاجات الدنيوية فتتسامى، وتتحول الرغبات إلى إرتقاء، وتشرق شمس التخلي عن صغائر الأنانية.
هذه هي سمات حياة الشهداء، الذين يرتقون إلى حيث يتحولون أنجما مضيئة في سماء التاريخ، وجنائن وافرة الثمرات في الأرض التي زرعوا فيها بذور استشهادهم. شهداؤنا أيها الأحبة هم روح الأمة، من دونها تخلع معناها ومبناها وعلة وجودها، ويتحول الوطن إلى هيكل يتآكله اللامعنى، ولذلك نحن بحاجة دائمة إلى من يجسد في حياتنا الوطنية الصدق حتى الثمالة، والوفاء حتى اكتمال الوفاء، والعطاء والحب والإيثار حتى الموت، على قاعدة أن”ليس حب أعظم من هذا أن يبذل أحد نفسه لأجل أحبائه”.
وتابع:”بالفعل أيها الاحبة ثمة أحيان لا يمكن فيها حماية الحياة وصناعة الحياة إلا بالموت… ولكن ليس أي موت. الموت الذي يترافق مع الخوف والاستسلام هو موت دائم ولا تعقبه حياة.أما الموت المترافق مع حب الحياة الكريمة ومع حياة العزة والحرية فهو الموت المحيي. إن الذين يرغون رغوا ويتمرمرون مرا ويتهموننا بثقافة الموت هم موتى ثقافيين. ألم يمت المسيح بحسب الإيمان المسيحي حبا بالبشر؟ ألم يمت الحسين لتعيش أمة بأكملها؟ الم نختبر نحن في لبنان أن خلاصنا وتحرير ارضنا والعزة في حياتنا كانت كلها ببركة تضحيات شهدائنا؟ لا يتنكر لهذا أيها الأحبة الا نفوس ظلامية حاقدة عليلة عميلة مأجورة”.
واضاف:”نعم أيها الإخوة، نقولها بالفم الملآن، رغم أنوف الحاقدين “من يموت شهيدا يحيي ثقافة الحياة”، وسناء محيدلي علمتنا ثقافة الحياة لأنها قدمت نفسها قربانا للحياة الكريمة ومنعت عنا الموت المذل. وبفضل تضحيتها وتضحيات آلاف الشهداء الذين حذوا حذوها بقيت لنا الأرض وازدنا بالعزة وأورقت في ربوعنا الكرامة وخرجنا وأخرجنا وطننا من كهف مبدأ أن قوة لبنان في ضعفه الى رحاب منطق أن قوة لبنان في عزة ابنائه وبسالة جيشه واقتدار مقاومته. أنظروا معي أيها الاحبة كيف تتحول القنابل المضيئة التي يطلقها العدو على الحدود اللبنانية الفلسطينية إلى قناديل إنارة ينتظرها ليلا أهل الجنوب الكرماء ليتسامروا تحت ضوئها وإسمعوهم كيف يرفعون أذان مساجدهم ويدقون أجراس كنائسهم رغم أنوف الصهاينة. أليس هذا بفعل تضحيات سناء ورفاقها الشهداء؟”
وقال:”أنقل بتصرف عن الكاتب الفرنسي شارل بيغي Charles Péguy في تأملات حول فضيلة الإستشهاد حينما يرى أن المدهش في الأقدار التي يعدها الله للبشر هو القدرة على الرجاء. الرجاء الذي يبدو لنا نطفة صغيرة غير ذات أهمية. الرجاء الذي يشبه طفلة تتمنى وترجو وتتوق. الأجساد تموت أما رجاء قيامة الأوطان فيحيا في الجماعة. الرجاء هو تلك الطفلة الصغيرة التي تجوب العالم وتحمل معها كل قيم العالم. أقرأ بيغي فأراه قبل سناء يكتب لسناء وفي سناء وفي رفاق سناء؟ أو ليس ذلك مدعاة فخر لنا أن يزهر ويورق تاريخنا بمثل سناء؟ وماذا نفعل أيها الاحبة لنحفظ إرث شهدائنا؟ هل نفرط بها بأخذ العدو الذي حاربته سناء بالأحضان؟ هل نطبع مع الرتل الذي فجرت سناء جسدها فيه؟ وهل لنا سوى السير على هدي شهادتها من أجل حماية بلدنا ووحدتنا وقيمنا وعناصر قوتنا وفي صدارتها مقاومتنا؟”
وتابع:”لقد انتصرنا على العدو بالحديد والنار لكنه يعود إلينا بكل موبقات بث الفرقة وترويج الشذوذ والهدف واحد: إحداث تصدعات بنيوية في الصيغة اللبنانية وتيئيس اللبنانيين من مبدأ العيش معا وإحداث مثلها في الذات الإنسانية ومحو الحدود الطبيعية بين ال هو وال هي وبالتالي تفجير الخلية التأسيسية للمجتمع وهي العائلة وعند ذاك يهون تدمير هوية التاريخ والدولة ونصبح لقمة سائغة لكيان الشر… لكن هيهات، فنحن نعاهدك يا سناء بالبقاء أوفياء لك ولسائر الشهداء محبين للحياة مستمرين على قدر الثقة والأمانة ثابتين في خط حفظ العيش الواحد وصون القيم والإنفتاح وبث الوعي والوفاء للمقاومة، مرددين قول الشهيد سعادة:”إننا نحب الحياة لأننا نحب الحرية، ونحب الموت متى كان الموت طريقا إلى الحياة. …. الحياة لا تكون إلا في العز، أما العيش فلا يفرق بين العز والذل”.، وهو القول المتطابق مع قول سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام: “ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين؛ بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة!”
وختم:”أيها الأحبة، سناء محيدلي شهيدة ما كانت سوى الغد المتقمص جسد فتاة في أوج ربيعها، ليس في بالها سوى أرضها التي يقبع عليها غرباء سفاحون، لبست في يوم تضحية صباها قنبلة، وتزنرت بأحلامها صاعقا، ومضت لتفجر الذعر في عيون الصهاينة، وتكتب الحروف الأولى من ملحمة التحرير.
إنها عروس الجنوب سناء محيدلي، الحية في دورة الأرض حول مجدها الذي تكتبه الأحلام والأقلام فداء وثقافة انتصار. فألف تحية لروحها الطاهرة وجسدها المزروع في تراب الخلود. وفقنا الله واياكم الى أن نكون من الأوفياء لتضحيات الشهداء، ومن العاملين على حفظ وحدة اللبنانيين وقيمهم الجامعة، الواعين لخطر كيان الشر والثابتين في خط مواجهته حتى زواله باذن الله. السلام لروح سناء عشتم جميعا وعاش لبنان”.
الفا
وكان الإعلامي والكاتب روني الفا استهل كلامه عريفا للحفل:”مرحبا يوسف. مرحبا أبا سناء. أيحضن ضريحك ضريح ابنتك سناء في عنقون؟ كم جميلة نعومة أصابع أبوتك تسرح ضفائر نومها الملائكي وجسمها المراهق يتمرجح فوق نسائم الهضاب المتناثرة يغنج أذنيها السامعتين تكبير المساجد المعتقة بالعشق وترتيل الكنائس الصيداوية العتيقة. يا عمرها. يا خمسا وخمسين سنة في ضمير البال. كم كانت الأعمار تليق بطهر أنوثتك. كم كانت تليق بك فساتين المشاوير وحكايات القبل وغزارة الإنجاب والأنخاب .اخترت من معبر الذل في باتر أن تعقدي قرانك مع الحرية واخترت طائعة أن تبكي عليك أمة بأكملها. سناء يا سناء، وحدهن الشهيدات ينجبن بعد موتهن. في كل يوم يولد من مزهرية الزنبق المتأهبة لحراسة عطر الشهيدة ألف مقاوم ومقاومة يملأون الأرض عشقا وحبا وحكايا مخيطة بالمجد ومطرزة بحبكة صنارة تغزل خيطانها كنزة الكرامة ومعاطفا تستدفئ في جوفها صدور النمور الرابضة فوق التلال”.
وتابع:”لا نتذكر سناء اليوم. هي التي تذكرنا أن بعض الصباحات تتعمد كما الأطفال بأجران ممتلئة مياه مقدسة. الشهداء كما الأطفال يتعمدون أيضا انما بدمائهم. يستأصل أساقفة طقوس الحرية من أرجلهم ركابا راكعة ويزرع فوق رؤوسهم جباها مرفوعة. وفي تلك اللحظة، لحظة ما قبل اشتعال الصاعق يصبح رتل الجنود أضعف من ترتيلة السجود ويرندح الموت زفة عروس تدخل ملكوت الله في سيارة بيضاء. سناء في السماء أو السماء فيها لا فرق. كادت سناء تغازل سن البلوغ لكنها بلغت القافلة التي لوثت طهر الجنوب. الجنوب الذي يمحي عار العرب بغار سناء. الجنوب الذي اذا هبت فيه زوبعة خصب هلال وتلقح رحم المقاومة بطفل المواجهة زنده جنده من صدره تتنفس الحرية ومن فمه ينشق صوت الحق”.
وختم:”نعود إلى سناء بعد ثمان وثلاثين سنة فحبذا لو نخرج الشهيدة من الذكرى إلى القدوة. الصور تجاعيد فوق حنين جدران الذاكرة المتصدعة، بالطقوس المتناسلة نرممها خوفا من رميم أما القدوة لوحة لم تخطر على ريشة بيكاسو وملائكة لم تخطر على بال مزمور. يعيبون علينا حبيبتنا سناء أن نطوب ذكراك. أن نرطب جفاف التجافي بكلمات مرتبة فدعيني اليوم اكسر المحظور. أيعاب علينا إدخالك في تاريخنا القومي؟ ألست كتيبة مؤللة في فتاة؟ جيشا جرارا في إصبع أتقن تفجير الغزاة؟ ألم تعلمينا أن البأس أنثى والإقدام أنثى؟ أدخلي كتب تاريخنا. لا تأبهي لمنجد التعريف. حسمناه جميعا في مجمع اللغة. من مات ضد بني صهيون شهيد”.