الأخبار: بكتيريا «المايكوبلازما» تغزو الصين ودولاً أخرى: حقاً لا داعي للهلع!
كتبت راجانا حمية في الأخبار:
تسارعت وتيرة الإصابات المرتبطة بالتهابات الجهاز التنفسي في الصين، وأثارت هلعاً فيها وفي عددٍ من دول العالم. عدّاد المصابين بالصعوبات التنفسية سجّل أرقاماً مهولة، إذ يستقبل مستشفى الأطفال المركزي في بكّين وحده 7 آلاف طفلٍ مصاب يومياً، إضافة إلى المصابين من كبار السن ممن يعانون أمراضاً مزمنة. وحتى اللحظة، لا يزال عدّاد الإصابات يتصاعد.الخشية من أن يكون العالم أمام كابوس وبائي أثارت الذعر في عدد من الدول من ظهور عامل فيروسي جديد يؤسّس لجائحة جديدة، خصوصاً مع انتقال الإصابات بالالتهاب الحادّ إلى بعض الولايات الأميركية وعددٍ من الدول الأوروبية، ومنها هولندا وفرنسا اللتان أعلنتا مؤخراً ارتفاع عدد الحالات التي تحتاج إلى استشفاء. وقد دفع ذلك منظّمة الصحة العالمية إلى سؤال الصين عن مسبّبات الالتهاب وما إذا كان ينذر بحدوث جائحة، وهو ما أجابت عنه السلطات الصحية الصينية بأنه «حتى اللحظة لم تُكتشَف مسبّبات أمراض جديدة أو غير مألوفة في حالات الإصابة الحديثة التي تعود في جزء كبير منها إلى باكتيريا مايكوبلازما» التي تتشابه في عوارضها مع عوارض الرشح الشديد.
الجواب «المطمئن» لم يلغِ حال الهلع، فهل من داعٍ لهذا الشعور لبنانياً؟
«الجواب لا»، بحسب الاختصاصي في الأمراض الجرثومية النائب عبد الرحمن البزري. وما يحدث في الصين لا يوجب قرع جرس الإنذار في لبنان. إذ ثمة أمر أساسي يستند إليه الأطباء والاختصاصيّون بأن ما يحدث في الصين لا يؤسّس لجائحة جديدة، انطلاقاً من أن بكتيريا «مايكوبلازما ليست كورونا». ولذلك أياً كان الواقع الجديد، فهو مختلف كلياً عما كان عليه أثناء أزمة «كوفيد».
تكثر الأسباب التي تجعل من الـ«مايكوبلازما» حدثاً مرضياً عادياً، خصوصاً في ما يتعلّق بعوارضه الشبيهة بالإنفلونزا الموسمية ومسألة علاجه والتعامل معه. فهو على خلاف الأمراض الانتقالية الأخرى التي تحوّلت إلى أزمات، يسهل التعامل معه، باعتبار «أننا نعرف ما هي هذه البكتيريا وما هو الدواء»، بحسب الدكتور سليم أديب، المتخصّص في علم الوبائيات. ولذلك يُعدّ من «الأمراض الاستشفائية» التي تُعالج. أضف إلى ذلك أن الـ«مايكوبلازما» ليس سهل الانتقال، فرغم أنه ينتقل عن طريق الرذاذ والاختلاط، كما الكورونا والإنفلونزا، إلّا أنّه «يحتاج إلى وقتٍ طويل من الاختلاط كي ينتشر بين الأشخاص»، بحسب البزري.
لبنانياً، يحسم البزري الموقف: «لا يوجد سبب لنخاف». ومن بين العوامل التي يتحدّث عنها في سياق الطمأنة أنّ الـ«مايكوبلازما» تزيد فرص ظهورها كلّما زادت نسبة الفيروسات والميكروبات، وهو ما حدث في الصين. ويوضح البزري أنّ ظهور الـ«مايكوبلازما» ارتبط بشكلٍ مباشر بأن الصين «كانت آخر من فكّ الإجراءات المرتبطة بكورونا، وما إن تخلّص الناس من الكمامة حتى بدأت الفيروسات المكبوتة بالظهور دفعة واحدة ما سرّع تكاثر المايكوبلازما، مع الأخذ في الحسبان أنّ مناعة الأشخاص كانت منخفضة بعد مدّة طويلة من الإجراءات الحمائية». وهذا ما لا ينطبق على الواقع اللبناني، ولا سيّما أن وحدة الترصد الوبائي، بحسب أديب، لم تلحظ اختلافاً في نسب حالات الصعوبات التنفسية هذا الفصل عن المدّة نفسها من العام الماضي من جهة، كما أنه «لا نشاط على صعيد فيروس كورونا، وحتى حالات الإنفلونزا منضبطة وضمن معدّلاتها الطبيعية». يضاف إلى ذلك أن الـ«مايكوبلازما»معروفة تاريخياً في لبنان، وطريقة التعامل معها بعد التشخيص هي إعطاء العلاجات، «وهي عبارة عن أدوية التهابات متوافرة ومعروفة».
مع ذلك لا يلغي مناخ الطمأنينة بعض المحاذير، خصوصاً أن الـ«مايكوبلازما»يتشابه في العوارض مع أنواعٍ أخرى من الفيروسات، ويصعب تالياً تحديد هويته بشكلٍ سريع، إذ إنّه يتمتّع بـ«ميزة» تجعل منه بكتيريا غير كلاسيكية، «لكونها تأتي من دون جدار، ولذلك لا يمكن كشفها بالفحوص الشائعة المعروفة»، بحسب أديب. ولذلك لا يجري التفكير بها إلا بعد أن «نجري كل الفحوص لنلغي كل الاحتمالات السابقة، قبل أن نبدأ بالفحوص الخاصة بها والمعقّدة بعض الشيء ليتم التشخيص، ثم العلاج». ورغم سهولة وتوافر العلاج، إلّا أنّ التأخر في التشخيص قد يؤدي إلى تفاقم الحالات. والخوف الأكبر هنا على الأطفال وكبار السن،ثم من يعانون أمراضاً مزمنة، كونهم الأكثر حساسية للفيروسات والميكروبات والأكثر استعداداً للإصابة بالتهاب رئوي شديد. وبحسب أديب، يفترض العودة إلى بعض الإجراءات «ولو من باب الاحتياط»، خصوصاً أن «المايكوبلازما من الأنواع التي تزيد في فصل الشتاء وإن كانت ليست موسمية كالإنفلونزا». ولذلك «مش غلط نرجع نلبس كمامة أو نعزّز من إجراءات النظافة، وفي حال الشعور بأن أحد أفراد العائلة وتحديداً الأطفال، مصاب ببعض العوارض مثل صعوبة التنفس والعطس والحرارة أن يبقى في البيت ويتجنب الاختلاط».