“إسرائيل” تعيش صدمة ما بعد الحرب: كيف نحصد ما لم يحقّقه الاتفاق؟
كتبت الأخبار:
«صدمة ما بعد الحرب». كان يفترض أن تكون الحالة خاصة بالجنود الذين شاركوا في المعركة وحصدوا نتائج مخالفة لتوقعاتهم. لكن يبدو في حالة لبنان، أن كل كيان الاحتلال يعاني من صدمة ما بعد الحرب. والذين سبق أن طلبوا من رئيس حكومة كيانهم المسارعة الى وضع إطار اتفاق قبل توسيع الحرب، كانوا يحذّرونه من أن «الإنجازات الأمنية الهائلة التي تحقّقت على يد الأجهزة الأمنية» عرضة للتآكل. لكن يبدو أن نتنياهو تصرّف على ما ألف كل قادة العدوّ، ما يحيلنا من جديد الى ما قام به جيش الاحتلال في عام 2006، وتحديداً قائده دان حالوتس، الذي أبلغ رئيس حكومته يومها، إيهودا أولمرت، أن قواته الجوية نجحت في تدمير كل صواريخ حزب الله من خلال عملية سمّاها «الوزن النوعي». حينها، قال له أولمرت: حسناً، لنوقف الحرب!
في رواية العدوّ لتلك الليلة، أن حالوتس، الذي لم يكن يقدّر أولمرت، ولا يثق بوزير الحرب حينها عمير بيرتس، نظر إليهما وقال: بعد ما نفذناه تطلبان وقف الحرب؟ إنها اللحظة المناسبة للإجهاز على حزب الله مرة واحدة وإلى الأبد!
هذه المرة كانت الصورة مقلوبة، كان قادة الجيش والأجهزة الأمنية ينصحون نتنياهو بإعلان «الانتصار ووقف الحرب»، بينما تصرّف هو على أنهم جبناء وقال لهم، إنها الفرصة الوحيدة لاجتثاث حزب الله، فأدخل جيشه في حرب واسعة ليكتشف خلال أسبوعين فقط أن الصورة ليست على النحو الذي اعتقده، وهو ما تطوّر مع الوقت، وصولاً الى اللحظة التي شعر فيها بأن وقف الحرب هو الخيار الوحيد المتاح أمامه الآن.
وبرغم كل المحاولات السياسية والدبلوماسية والإعلامية لجعل اتفاق وقف إطلاق النار مناسباً للعدوّ، فإن وقائع المداولات، وصولاً الى لحظة الإعلان عن الاتفاق، دلّت على عكس رغبة العدوّ وحلفائه، حتى جاء فجر الأربعاء ليحدث الصدمة الكبرى، عندها شاهد الإسرائيليون، ومعهم كل العالم، مئات الألوف من اللبنانيين وهم يزحفون الى بيوتهم في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، غير آبهين بالدمار والترهيب الإسرائيلي، ورافعين أعلام المقاومة وصور الشهيد السيد حسن نصر الله، ما جعل الكيان أولاً، وحلفاءه في لبنان والعالم، في حالة ذهول، انعكست خيبة لها ما بعدها.
في الكيان، تواصلت حالات الاحتجاج على الاتفاق، ويبدو أن المعارضين ينقسمون بين فرق عدة، أبرزها الجهات المحلية الخاصة بالمناطق الحدودية مع لبنان، والتي تخوض معركة هدفها لا يتعلّق بالأمن فقط، بل بتحصيل أكبر قدر من الأموال من الحكومة تحت عنوان إعادة الإعمار والتعويض عن الخسائر. وإلى جانب هؤلاء، وقف معظم خصوم حكومة نتنياهو، من الذين اتّهموه بالاستسلام لحزب الله، ولكن بين المعترضين كتلة وازنة من الجمهور اليميني الموالي لحكومة العدو، والذي كان يفترض أنّ بالإمكان مواصلة الحرب حتى تحقيق هدف تحطيم حزب الله.
وفي ردود الفعل المستمرة، نشرت «معاريف» تقريراً ركّز على أنه بعد سريان اتفاق وقف إطلاق النار، فإن «هناك مسائل مركزية ستقرّر ما إذا كانت هذه مسيرة طويلة المدى من الاستقرار، منها كيفية ضمان منع إعادة بناء حزب الله عسكرياً، حيث يوجد تحدٍّ كبير بخصوص معابر الحدود بين سوريا ولبنان، إذ لا يقدر الجيش اللبناني أن ينفذ وحده رقابة وثيقة، وبالتالي سيكون هناك دور مركزي للولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وربما روسيا».
وتحدثت الصحيفة عن برنامج إعادة الإعمار في جنوب لبنان، معتبرة «أن الحديث يتعلق بتحدٍّ سياسي حقيقي. ويجب منع حزب الله من إعادة بناء مكانته من خلال مصادره المالية، وكذلك ينبغي ضمان ألّا تنقل المساعدات الدولية إلا عبر حكومة لبنان».
لكن الصحيفة أشارت الى شقٍّ آخر يتعلق بالوضع الداخلي في لبنان. وقالت «علينا في ضوء ضعف واضح لحزب الله، بما في ذلك تصفية سلسلة قيادته، إدراك أنه سيكون ممكناً تحريك مسيرة سياسية تتيح انتخاب رئيس وحكومة دائمة، وهو الأمر الذي يتعلق باللاعبين السياسيين داخل لبنان، بالطبع، بمساعدة لاعبين خارجيين ذوي صلة». ونصحت الصحيفة بأنه «لا ينبغي لإسرائيل أن تكون مشاركة، بشكل غير مباشر أو ظاهر، في السياقات اللبنانية الداخلية التي أشرنا إليها آنفاً، حتى وإن كانت لها مصلحة مباشرة بالشكل الذي تتحقق فيه، وإن لم تكن لها أيضاً، لأن أيّ مشاركة إسرائيلية ربما تميت كل مسيرة سياسية داخلية بنّاءة في مهدها».
وفي مقال نشرته «يديعوت أحرونوت» قال آفي شيلون إن «ردود الفعل السلبية عليه تتمثّل بعقاب نتنياهو على إغراق الخطاب بأكاذيب عن النصر المطلق». وأضاف أن «المفارقة تكمن في أن ثقافة الكذب إياها تمنع نتنياهو الآن من التباهي بإنجاز جدير، وهو يتلوّى في تفسيراته لأنه لا يوجد شيء كهذا. لا شيء مضمون للنصر بالقوة، وحتى الكتب المقدّسة فسّرت النصر بآية: وتهدأ البلاد لأربعين سنة».
ودعا الكاتب إلى أن «يكون هناك شجاعة بالتحدث أمام الجمهور بصدق أن الحروب الناجحة تنتهي باتفاقات ناجحة، وأما نشر الرواية عن النصر المطلق فمخادعة للجمهور».
من جانبه، كتب آفي أشكنازي في «معاريف» أنه «بعد يوم من وقف النار، يبدو أن الدولة في حالة ما بعد الصدمة، وثمّة أسباب تجعل مواطني إسرائيل متردّدين وقلقين، لأن الجميع لا يزالون في مرحلة صدمة 7 أكتوبر، وأن الجمهور يتذكّر أقوال نتنياهو بعد حربَي 2014 و2021 ضد غزة، حين سوّق اتفاقات وقف النار». وقال «يبدو أن من كتب أقوال رئيس الوزراء، تكاسل ونسخ ربما أقوالاً قالها في إطلالات سابقة لوقف إطلاق النار. ما العمل، الجمهور يعرف أنها لم تصمد وما كانت تساوي الورق الذي وقّعت عليه»، مضيفاً أن سكان الشمال «أدركوا أن الحكومة والجيش وجهاز الأمن يخادعونهم. وواضح أن الحال ستستغرق زمناً آخر إلى أن تبنى الثقة من جديد».
وفي سياق المتابعة الإعلامية الغربية للاتفاق، نشرت مجلة «بوليتيكو» مقالاً أوردت فيه نظرة أخرى الى ما جرى، وقال «إن الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترامب يقوم بتشكيل حسابات المتقاتلين في الشرق الأوسط، إلا أن قدرة ترامب على المضيّ تعتمد على الطريقة التي ستقرر» إيران التصرّف. وأضاف أن ترامب «مثّل العامل الحاسم في الاتفاق المفاجئ، ومهما كان هذا جيداً أو سيئاً، إلا أن ترامب شكّل حسابات المتقاتلين في الشرق الأوسط وأوروبا وهم يحاولون التكهن بما يرغب في تحقيقه حالة وصوله إلى البيت الأبيض. وفي الوقت نفسه، يتنافسون للحصول على التأييد المسبق منه»، واصفاً ما حصل بأنه «أثر ترامب، إذ يكفي الإشارة الى ما كتبه مستشاره للأمن القومي مايك والتز، على منصّة إكس يوم الثلاثاء وقبل فترة قصيرة من موافقة الحكومة الإسرائيلية على الخطة، قائلاً: جاء الجميع إلى الطاولة بسبب دونالد ترامب».
ونسبت المجلة الى كاتب قوله: «إن مسعد بولس، اللبناني – الأميركي الذي تزوّج ابنه من ابنة ترامب، قام بدور السفير، واستغل غضب العرب الأميركيين من الإدارة الحالية وسياستها في غزة ولبنان، وكان له تأثيره على قرار وقف الحرب».