السيد فضل الله: آن لهذا البلد أن يستقر ويرتاح وألّا يكون صدى للآخرين ولكل من لا يريد خيرًا به
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين. ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله سبحانه وتعالى، عندما قال لرسوله(ص): {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً}.
حيث دعا الله سبحانه وتعالى رسوله(ص) إلى أن يدعو الناس إلى أن يختاروا في حديثهم مع الآخرين أحسن الكلام، الكلام العقلاني الهادئ والرصين الذي لا يستفز الآخر أو يثير انفعاله ويؤدي إلى توتيره”.
أضاف :”إننا أحوج ما نكون إلى هذا الكلام في ظل أجواء التوتر التي نعيشها إن على الصعيد الطائفي أو المذهبي أو السياسي، لنتجنب بذلك الفتن التي يراد لها أن تعصف بواقعنا وتضعف أي موقع من مواقع القوة لدينا، ونكون بذلك أقدر على مواجهة هذه التحديات.
والبداية من العدوان الصهيوني المستمر على لبنان، حيث يواصل هذا العدو خرقه لاتفاق وقف إطلاق النار، وذلك باستهدافه للمدنيين وهم في بيوتهم أو في أثناء تنقلهم، أو عبر طلعاته الجوية التي تجوب المناطق اللبنانية وصولا إلى العاصمة وضواحيها، وفي منع الأهالي من العودة إلى قراهم حتى تلك التي عجز عن احتلالها، أو في مماطلته في الانسحاب من القرى التي احتلها والسماح للجيش اللبناني بالانتشار فيها تنفيذا للاتفاق الذي تم التوافق عليه، وهو ما شهدناه مع بداية المرحلة الأولى التي جرت في مدينة الخيام… يأتي ذلك في ظل مواقف رئيس وزراء العدو بأنه سيعمل وفق ما تمليه مصالح كيانه وحساباته، وتشديده على أن الاتفاق يمنحه الحق بأن يستهدف أي مكان يرى فيه تهديدا لأمنه.
وتابع :”ونحن أمام ما يجري، نعيد دعوة اللجنة المكلفة بتنفيذ وقف إطلاق النار إلى أداء دورها كاملا على هذا الصعيد، والقيام بمسؤوليتها بالتطبيق لبنود هذا الاتفاق، وعدم التعامل معه بمعايير مزدوجة، واتخاذ الإجراءات الصارمة التي تمنع العدو من الاستمرار باستمرار خرقه لوقف إطلاق النار.
وفي هذا الاطار، ندعو الحكومة اللبنانية التي اجتمعت أخيرا في مدينة صور إلى تنفيذ القرارات التي تضمن الإسراع في رفع الركام الهائل الذي يغطي مساحات كبيرة في الضاحية والجنوب والبقاع الأقصى الذي لا يزال يشهد بطئا مع كل التبعات التي قد تحصل من وراء ذلك، وفي العمل على مسح الأضرار في المباني والمؤسسات تمهيدا لتقديم المساعدات التي تضمن للمتضررين العودة إلى أماكن سكناهم وتوفير الإيواء لمن فقدوا بيوتهم إلى حين إعمارها وعدم إبقاء ذلك على عاتق البلديات التي لا تمتلك الإمكانات المادية والبشرية أو القدرات للقيام بهذا الدور أو على الجهات المعنية التي تقوم بدورها، في ضوء ما تمتلكه من إمكانات”…
واستطرد السيد فضل الله :”في الوقت الذي نجدد دعوتنا للقوى السياسية إلى توفير الظروف التي تضمن انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد له وعدم تأخيره في ظل الحاجة إلى تأمين هذا الاستحقاق، والذي بات ملحا في هذه المرحلة للتداعيات السلبية في استمرار الفراغ على صعيد بناء مؤسسات الدولة واستقرارها، ونحن نريد لهذا البناء أن يكون على مستوى متطلبات هذه المرحلة وتحدياتها ومخاطرها، والقادر على إدارة سفينة هذا البلد وإخراجه من المآزق التي يعاني منها.
ولكن هذا، وكما بات واضحا، لن يحصل إلا إذا وعى الجميع خطورة هذه المرحلة وقرروا الخروج من حساباتهم الخاصة ومصالحهم الفئوية ورهاناتهم وفكروا بمصلحة هذا البلد ومصلحة إنسانه الذي لم يعد قادرا على تحمل المزيد”.
واردف :”فيما نجدد دعوتنا للبنانيين إلى الوحدة لمواجهة أعباء هذه المرحلة والتحديات التي تنتظرهم إن على صعيد الداخل حيث يعاني على المستوى الاقتصادي والأمني وعلى مستوى إعمار ما تهدم، أو على صعيد ما يجري في المنطقة، حيث يعمل على رسم خرائط جديدة لها، لن يكون لبنان في منأى عن تداعياتها، وذلك بالابتعاد عن كل ما يؤدي إلى توتير العلاقات فيما بينهم.
لذا نقول لكل من لديه كلمة طيبة تؤدي إلى خير هذا البلد أن يطلقها، وكل من لديه كلمة تؤدي إلى التشنج أو إلى إثارة حساسيات أن يكتمها ليوفّر على البلد مضاعفاتها”.
وقال :”لقد تعب البلد من الفتن والتوترات وإثارة الحساسيات، وقد آن لهذا البلد أن يستقر ويرتاح وألا يكون صدى للآخرين ولكل من لا يريد خيرا به”..
أضاف :”ونصل إلى سوريا التي تشهد مرحلة جديدة على الصعيد السياسي، وهي بذلك تطوي مرحلة حكمت هذا البلد لعقود من الزمن. إننا نأمل أن تأتي التطورات لما فيه مصلحة الشعب السوري وخيره، وبأن يتحقق له الأمن والأمان والسلام والعدالة والوئام بين مكوناته وطوائفه ومذاهبه وأعراقه.
وإننا اذ نرى الإيجابية في الدعوة إلى التعاون والتكاتف والتلاحم والانصهار بين مكوناته التي صدرت عن الجهات المعنية، فإننا نأمل أن تترجم على ارض الواقع لوقايته مما يخشى عليه من التقسيم والفتن الطائفية والمذهبية والقومية أو الفوضى”.
وأكد فضل الله “إننا نريد لسوريا أن تبقى رائدة على الصعيد العربي والإسلامي وتؤدي دورها فيه، وأن تعي مدى خطورة العدو الصهيوني الذي يجب أن تكون البوصلة دائما في اتجاه العداء له والتصدي لمطامعه في أرضه وثرواته ولمشاريعه التفتيتية، وهو سارع ومنذ اليوم الأول لوصول النظام الجديد إلى استهداف مقدرات هذا البلد وتدمير كل عناصر القوة فيه – على نحو غير مسبوق وفي ظل صمت مطبق – بما يعيق قيامه ونهوضه وتطلعه إلى استعادة وحدته وسيادته على بلده ودوره الطليعي والفاعل في هذه المنطقة”.
وختم فضل الله :”أخيرا، نؤكد ضرورة ألا ننسى الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يقاوم العدو في قطاع غزة ويكبده الخسائر رغم كل الكوارث التي حلت به، وخصوصا أن العدو قد يعمل على الاستفادة من كل التطورات في المنطقة ليضاعف من ضغطه على هذا الشعب لدفعه للتهجير من الضفة أو غزة إلى الأردن بوصفها الوطن البديل للفلسطينيين الذي يسعى الإسرائيليون لتحقيقه، وهو ما ينبغي للجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي أن يواجها هذا المشروع ويحولا دون تحقيقه”.