لبنان

هل تستيقظ الفتنة مجدداً؟

كتب عماد مرمل في الجمهورية: 

إلى أن يستقر الوضع السوري المتحوّل على شكل نهائي وثابت، يبقى لبنان مترقباً لما ستؤول إليه أمور جارته اللصيقة، في اعتباره الأكثر عرضةً وقابلية للتأثر بطبيعة المسار الذي ستتخذه سوريا الجديدة، علماً أنّ انقلاب معادلة الحكم في دمشق على نحو دراماتيكي ومفاجئ ترك الباب اللبناني مشرّعاً على احتمالات شتى.

خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، كانت قيادة الكيان تفترض أنّ نزوح كتلة بشرية كبيرة دفعة واحدة من بيئة المقاومة إلى بيئات لبنانية أخرى ومغايرة في تركيبتها وتوجّهاتها، إنما سيولّد فوضى وحساسيات من شأنها أن تفضي إلى الفتنة الطائفية او المذهبية، خصوصاً أنّ هذا النزوح كان مسبوقاً بحملات منظّمة من التعبئة والتحريض على امتداد سنوات.

الّا أنّ ما حصل على الأرض خالف التوقعات، إذ احتضنت مختلف المناطق النازحين بقلب مفتوح وصدر رحب، وقدّم أهلها نموذجاً راقياً في التضامن والتكافل، ما أفشل الرهان الإسرائيلي على افتعال أزمة داخلية تخدم العدوان وتسهّل تحقيق أهدافه.

وكان من المفترض البناء على تلك التجربة العابرة للحواجز والهواجس من أجل تحصين الوحدة الداخلية وثقافة تقبّل الآخر، بمعزل عن الخلافات السياسية او تمايز الانتماءات، خصوصاً أنّ ما يميز هذه التجربة انّها انطلقت من «القاعدة» إلى «فوق»، بحيث بدا أنّ الناس تحرّروا من حسابات السياسيين وسبقوهم في التلاقي العفوي من دون انتظار أي إيعاز.

لكن، وما كاد العدوان الإسرائيلي على البلد يتوقف، حتى وقع «الزلزال» السوري الذي أسقط نظام بشار الأسد وأوصل فصائل المعارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» إلى السلطة، الأمر الذي وضع لبنان مجدداً أمام اختبار صعب لقدرته على التماسك وحماية نسيجه المرهف في مواجهة تحول جيو ـ سياسي هائل على حدوده الشرقية والشمالية.

وما دفع البعض إلى القلق هو اهتزاز الصورة الإيجابية التي عكسها التفاعل الصادق بين المكونات اللبنانية والنازحين أثناء العدوان الإسرائيلي، وذلك بفعل إعادة إحياء النعرات المذهبية والخطاب المتوتر في أوساط معينة، على وقع سقوط الأسد وانتصار المعارضة، حيث أنّ هذه المتغيّرات الصاعقة أعادت إيقاظ عصبيات نائمة في الجوار اللبناني، وحرّكت جمراً كان كامناً تحت الرماد، وفق ما تعكسه مواقف حادّة لجهات سياسية ودينية، وانفعالات الشارع في مناطق عدة.

وثمة من لديه خشية من أن يؤدي تجدّد «عوارض» التشنج المذهبي، بدفعٍ من التطورات السورية، إلى التفريط برصيد الوحدة الإسلامية الذي تمّ تجميعه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة وانخراط «حزب الله» في معركة الإسناد لها، إلى درجة انّ هناك من اعتبر في حينه أنّ من أهم إنجازات «طوفان الأقصى» وما تلاه، انّه جمع المتفرقين وخفّض حرارة التوتر الشيعي – السنّي في لبنان والمنطقة إلى أدنى مستوياتها، لمصلحة توحيد البوصلة في اتجاه العدو المشترك.

وضمن سياق متصل، تكشف شخصية سياسية شمالية بارزة، وعلى تماس مباشر مع الأرض، انّ مناخات التعبئة عادت إلى الظهور شيئاً فشيئاً، وانّ المؤشرات التي يتمّ التقاطها تدعو إلى القلق، مبديةً تخوفها من استئناف محاولات اللعب على أوتار التفرقة بعدما تراجعت في الفترة السابقة تحت تأثير مفاعيل معركة إسناد غزة.

واللافت، انّ الشخصية نفسها تعتبر انّ حماية الاستقرار في الفترة المقبلة تستوجب التوافق على انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون رئيساً للجمهوربة في جلسة 9 كانون الثاني، «والّا فإنّ ارتفاع منسوب المخاطر قد يفرضه فرضاً..».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى