ترامب يطرد زيلينسكي: وقائع إهانة معلَنة!

الأخبار- لندن |
حطّم الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، آمالاً علّقها الأوروبيون على زيارة رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، إلى واشنطن، للحصول على حماية أميركية لقوات أوروبية يمكن أن تنتشر في أوكرانيا بغرض حماية نظامها، في حال نضجت تسوية تتفاوض في شأنها واشنطن مع موسكو مباشرة.
وممّا قاله ترامب لضيفه، إنه لن تكون هناك حاجة إلى مدّ غطاء أميركي لأيّ مهمّة عسكرية أوروبية ترسَل كضمانة لحماية نظام كييف، لأن وجود الكوادر الأميركية التي ستعمل هناك على مشاريع استخلاص المعادن الثمينة، سيكون كافياً لردع هجمات روسية مستقبلية، في إشارة منه إلى اتفاقية إذعان لم يوقّعها الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بعد مشادّة كلامية مع نظيره الأميركي في البيت الأبيض، أمس – تخلّلتها إهانات فاقعة وعمليةُ طرد ضمنية من جانب الأخير للأول -؛ علماً أن هذه الاتفاقية ستمنح، في حال توقيعها، الولايات المتحدة الحقّ في الحصول على نصف عوائد البلاد من المعادن الثمينة، من مثل التيتانيوم والليثيوم والغرانيت، بالإضافة إلى أيّ اكتشافات جديدة في قطاعَي النفط والغاز.
كذلك، أكّد ترامب لستارمر ثقته بأن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، «سيلتزم بالتسوية» العتيدة، واصفاً اتفاقية تقاسم المعادن بأنها «شيء عظيم اقتصادياً بالنسبة إلى الأوكران»، وأنه «سيكون لدينا الكثير من الأميركيين هناك. لذلك، لا أعتقد بأن (قواتك) ستواجه أيّ مشاكل».
ويريد الأوروبيون، الذين استبعدهم ترامب بصلف هم ونظام كييف الذي يدعمونه من المفاوضات مع روسيا حول تسوية للحرب في أوكرانيا، توفير ضمانة أمنية لزيلينسكي من خلال قوات أوروبية تنتشر في الداخل الأوكراني ما بعد خطوط هدنة محتملة. لكنّ بريطانيا وفرنسا اللتين تنطّعتا لإرسال الكتلة الرئيسية من هذه القوات، تدركان أنها ستكون هدفاً سهلاً، في غياب غطاء جوي وصاروخي وتسهيلات لوجستية لا يمكن أن يقدّمها في الوقت الحالي سوى الأميركيين.
أيضاً، لم يكن حال الملفات البريطانية التي جلبها ستارمر معه إلى واشنطن أفضل من تلك الأوروبية، إذ رفض ترامب الإفصاح عمّا إذا كان سيشمل المملكة المتحدة بالتعرفات الجمركية، بعد يوم من تهديده الاتحاد الأوروبي بفرض رسوم بنسبة 25% على كل صادراته إلى السوق الأميركية، مكتفياً بالقول: «سيتعيّن علينا إلقاء نظرة متفحّصة».
وبينما حاول ستارمر تحسين صورته لدى الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن من خلال الإعلان، قبل مغادرته لندن، زيادة الإنفاق الدفاعي للمملكة المتحدة بما سيصل إلى حدّ 2.5% من الدخل القومي السنوي خلال ثلاثة أعوام، إلا أن نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، جدّد أمام الوفد البريطاني الزائر، وبحضور ترامب، انتقاداته اللاذعة لما سمّاها «الهجمة على حقّ التعبير في المملكة المتحدة». وقال إنه «يتفهّم» أن للبريطانيين الحقّ في إدارة شؤونهم الداخلية كما يحلو لهم، و»لكن بعض إجراءات التقييد على وسائل التواصل الاجتماعي لا تؤثّر على البريطانيين فحسب، ولكنها تعطّل مصالح شركات التكنولوجيا الأميركية، وبالتالي المواطنين الأميركيين، الأمر الذي نحتاج إلى مناقشته».
أما في الشكليات، فقَبل ترامب بحبور دعوة من الملك تشارلز الثالث، لزيارة قصره في إسكتلندا. كما أعلن أنه سينظر في تفاصيل صفقة بريطانية للتنازل عن السيادة على جزر شاغوس – التي تحتلّها بريطانيا وتُعدّ آخر مستعمرة تابعة لها في أفريقيا – لمصلحة موريشيوس، بموجب صفقة طويلة الأجل، في مقابل تجديد عقد القاعدة العسكرية البريطانية – الأميركية في دييغو غارسيا لمدّة تصل إلى 140 عاماً، مع التعبير عن ميله إلى تمرير الصفقة. وعلى رغم الخيبات التي رافقته، بدا فريق ستارمر سعيداً بتجنّب تعرّض رئيس الوزراء البريطاني للإحراج خلال الزيارة، بالنّظر إلى أنه يُعدّ في الدوائر الأميركية أقرب سياسياً وأيديولوجياً إلى الديمقراطيين منه إلى الجمهوريين. وبغير رفع العلم البريطاني مقلوباً على مقر إقامته في واشنطن، فإن الزيارة تمت من دون حوادث أو إهانات تُذكر.
وفي ضوء نتائج هذه الزيارة، يستضيف ستارمر في لندن، غداً، عدداً من الزعماء الأوروبيين للتشاور في معضلة الدفاع عن القارة، في ظلّ الانعطافة الحادّة في النهج الأميركي في شأن مظلّة الحماية العسكرية التي قدّمتها الولايات المتحدة لهم، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ويبدو أن زيلينسكي سيحضر هذا الاجتماع بعدما فقد الحظوة في واشنطن، وأصبح مستقبله غير مؤكد.
وتسبق قمّةُ لندن غير الرسمية هذه، قمّة طارئة لزعماء الاتحاد الأوروبي ستُعقد في بروكسل الأسبوع المقبل، وتكرّس للبحث في مسائل الدفاع، فيما دعت المملكة المتحدة وبولندا إلى اجتماع لوزراء المالية الأوروبيين على هامش اجتماعات «مجموعة العشرين» في كيب تاون لمناقشة خيارات تمويل الإنفاق الدفاعي لدول القارة، في ضوء تهديدات ترامب برفع الحماية الأميركية عن الدول التي لا تلتزم بزيادة إنفاقها العسكري إلى مستوى 5% من دخلها القومي السنوي؛ علماً أن النسبة – الهدف، والتي لا تحقّقها غالبية الدول الأعضاء في «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) حالياً، تقف عند مستوى الـ2.5%.
ويتسابق مسؤولون أوروبيون لصياغة مقترحات لتوفير صيغ تمويلية تسمح بمضاعفة الإنفاق على الدفاع؛ إذ وبحسب مطّلعين على مشاورات في هذا الشأن، فإن المقترحات تشمل بنكاً دفاعياً أوروبياً يموّله التكتل الأوروبي، أو صندوقاً مشتركاً يضمّ أيضاً بريطانيا التي تركت عضوية الاتحاد منذ خمس سنوات، وذلك لمساعدة الأعضاء على شراء المزيد من المعدات العسكرية – من الولايات المتحدة بحكم الواقع الموضوعي -، وتعزيز الاستثمار في الصناعات الدفاعية. وتأتي هذه الضغوط المالية الإضافية على الأوروبيين في وقت تكافح فيه الحكومات لكبح جماح العجز العام وتخفيض ديونها، وستنعكس، بغضّ النظر عن القنوات التمويلية، على مستوى معيشة الأكثرية في القارة.
وتبدو فرنسا، للوهلة الأولى، في مكان مثالي لقيادة تلك التوجهات، بحكم أن بناء جيش أوروبي كان دائماً من أهمّ مشاريع الرئيس إيمانويل ماكرون، والتي طالما سخّفها الأوروبيون الآخرون، متّهمين إيّاه بالسعي إلى الترويج للصناعات الدفاعية الفرنسية. لكنّ الظروف الموضوعية قد لا تكون مؤاتية للعديد من القوى الرئيسية لاتخاذ خطوات عاجلة، إذ إن فرنسا تعاني عجزاً في موازنتها العامة لا يمكن رتقه في وقت قريب، فيما لم يزد إنفاقها الدفاعي في أيّ مرحلة عن مستوى 2% من الدخل القومي السنوي، ما يجعل مسألة رفعها أمراً محفوفاً بالمخاطر، ولا سيما في ظلّ ضعف ماكرون الداخلي، واضطرار بريطانيا إلى تخفيض موازنة المساعدات الخارجيّة بحوالى 40% لتغطية زيادة طفيفة في الإنفاق الدفاعي.
وفي ألمانيا، يسعى زعيم «الحزب الديمقراطي المسيحي»، فريدريك ميرتس، الذي فاز في الانتخابات، وسيكون مستشار ألمانيا القادم، إلى رفع القيود الدستورية على الاقتراض الحكومي كي يمكنه استثمار 200 مليار يورو إضافية في صندوق من 200 مليار يورو كان أسّسه المستشار المنتهية ولايته، أولاف شولتس، في عام 2022 لشراء الأسلحة.
ويقول خبراء إن الأوروبيين، حتى وإنْ نجحوا في عبور جسر التمويل، سيحتاجون إلى خمس سنوات على الأقل لبناء بدائل لبعض الخدمات العسكرية الأساسية التي توفّرها الولايات المتحدة حالياً، من مثل عمليات القيادة والتحكّم في ساحة المعركة، والأقمار الاصطناعية العسكرية لجمع المعلومات الاستخبارية، والقدرة على توجيه ضربات صاروخية بعيدة المدى، والأسلحة الأحدث المعتمدة على الدرونات والذكاء الاصطناعي.