لبنان

السيد فضل الله: مهما عظمت الديبلوماسية لن تؤدي دورها إن لم تستند إلى عناصر القوة ووحدة الموقف

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية: “عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، بالاستعداد لليلة القدر الكبرى في الثالث والعشرين من هذا الشهر المبارك، هذه الليلة التي أودع الله فيها بركاته ورحمته وغفرانه، عندما جعل إحياءها يوازي ألف شهر، أي يعادل ثلاث وثمانين سنة. وفيها تقدر مصائر العباد خلال سنة من حياة وموت وخير وشر وسعادة وشقاء وصحة ومرض، وفيها ينزل الله ملائكته حتى تضيق بهم الأرض ليبعثوا فيها السلام والأمن والطمأنينة. فلنغتنم هذه الفرصة، بأن نكون حاضرين فيها لا يشغلنا فيها شاغل مهما كانت أهميته، فلا أهمية فوق أهمية ما أودع في هذه الليلة، فلنقبل فيها على الله كما يريدنا أن نقبل بقلوب صفت من كل حقد وعداوة وبغضاً، وبألسن طاهرة وبعمل خالص لوجهه، حتى يقبل دعواتنا وأذكارنا ونجاوانا وصلواتنا وابتهالاتنا،ولندعوه: ” اللهم ووفقنا في ليلة القدر لبلوغ أفضل حال تحب أن يكون عليها أحد من أوليائك وأرضاها لك، ثم اجعلها لنا خيراً من ألف شهر، وارزقنا فيها أفضل ما رزقت أحداً ممن بلغته إياها وأكرمته بها، واجعلنا فيها من عتقائك وطلقائك من النار، وسعداء خلقك برحمتك ومغفرتك ورضوانك، يا أرحم الراحمين”ومتى عملنا بذلك سنكون أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التّحدّيات”.

وقال:”البداية من المجزرة التي ارتكبها العدو في غزة قبل أيام ولا تزال مستمرة، والتي أدت إلى سقوط مئات الشهداء وجلهم من النساء والأطفال وكبار السن وهم في أماكن سكناهم، في وقت كانوا يعتقدون فيه أنهم في أمان من غدر هذا العدو بعد اتفاق وقف إطلاق النار والذي جرى برعاية دولية وعربية. لقد جاء هذا العدوان ليكشف مجدداً عن عدم احترام هذا العدو للاتفاقات التي تجري معه وللمواثيق الدولية ولحقوق الإنسان. وهو يهدف من ورائه لاستكمال مشروعه الذي بدأه قبل خمسة عشر شهراً للاستيلاء على غزة وخلق الظروف لتهجير أهلها، والذي يواصله في الضفة الغربية من خلال اقتحاماته المتكررة لمدنها ومخيماتها. وهي السياسة التي يعتمدها في أكثر من ساحة عربية، والتي يريد منها إخضاع المنطقة وأن تكون له اليد الطولى فيها، والتي يعلن ومن دون مواربة أنها لن تتوقف ما لم يتحقق الانصياع لما يريده من مطالب أمنية وسياسية، سواء في لبنان أو سوريا، والتي يمكن أن تتمدد إلى بلدان أخرى حتى تلك التي طبعت معه. إننا أمام كل ذلك، نحيي الصمود المتواصل للشعب الفلسطيني رغم الجراح التي يعاني منها والذي نرى أنه سيمنع الكيان الصهيوني من تحقيق مشروعه بإنهاء القضية الفلسطينية”.

أضاف:”نحن هنا نجدد دعوتنا إلى الوقوف مع هذا الشعب في معركته هذه وعدم تركه وحيداً ليواجه هذا الكيان والداعمين له، وهنا نحيي اليمن الذي لا يزال يصر على مؤازرته لهذا الشعب، وهو يقدم لأجل ذلك التضحيات الجسام في هذا الطريق، والتي شهدناها في ما يتعرض له من العدوان الأميركي المستمر عليه. في الوقت الذي نجدد دعوتنا للدول العربية والإسلامية إلى وعي نتائج المخطط الصهيوني للسيطرة على مقدرات المنطقة وتداعياته وآثاره ونتائجه عليها وعلى هذه الأمة وعزتها وحرية قرارها، والاقتناع بأن لا بديل عن إفشال ذلك إلا بتعزيز التضامن العربي والإسلامي وتوحيد صفوفها واستنفار كل عناصر القوة التي تملكها هذه الأمة للوقوف معاً لمنع العدو من الاستفراد بكل بلد على حدة، بما يتيح حفظ الحد الأدنى من استقلال دولنا واستقرارها. ونحن دائماً نؤكد أن العالم العربي والإسلامي ليس ضعيفاً إن اجتمعت قواه، فهو يملك الكثير من عناصر القوة التي يستطيع من خلالها أن يضغط على هذا الكيان وكل الداعمين له، فمع هذا لن تنفع بيانات الإدانة والاستنكار ولا بيانات القمم العربية والإسلامية، بقدر ما تؤثر المواقف التي تضغط في السياسة والاقتصاد والأمن”.

تابع:”نصل إلى لبنان، الذي يستمر العدو فيه بعمليات الاغتيال والاستهداف لشخصيات ومواقع وآخرها الغارات التي شنت على الجنوب والبقاع، من دون أي رادع أو موقف من الدول الكبرى أو اللجنة التي أخذت على عاتقها ضمان تطبيق وقف إطلاق النار والإشراف على تنفيذ بنوده، وهم قادرون لو أرادوا على ثني هذا العدو عن الاستمرار باعتداءاته وخروقه التي تؤدي إلى سقوط دماء وشهداء، وهذا الصمت الدولي هو يسمح لهذا العدو بالاستمرار في مخططه والذي أصبح من الواضح أنه يهدف إلى الانصياع لإقامة مفاوضات مباشرة معه، تفضي إلى اتفاقات سياسية وأمنية، وهو مما عبر عنه مسؤولو هذا الكيان وأكثر من مسؤول أميركي بالقول إن لبنان لن يتمكن من إعمار مناطقه المهدمة في الجنوب والضاحية والبقاع، وهو لن يحظى بأي مساعدات أو بالأمن والاستقرار وإعادة المواقع التي احتلها والتي سيطر عليها إلا بهذه المفاوضات، والتي من الواضح أنها ستكون بشروط هذا العدو وعلى حساب أمن البلد وسيادته، لكونها تأتي في ظل ضغوط متواصلة واختلال موازين القوى معه بفعل الدعم الدولي والصمت العربي الذي يحظى به وحرية الحركة التي أعطيت له. إن كل ذلك يدعو إلى موقف لبناني موحد في مواجهة ما يجري إن على الصعيد الرسمي والديبلوماسي أو على الصعيد الشعبي، حيث المطلوب استحضار كل عناصر القوة التي يملكها هذا البلد، والتي ندعو إلى عدم التفريط بأي عنصر منها في هذه المرحلة، بعد أن أصبح واضحاً أن الديبلوماسية مهما عظمت قدراتها وعلت لن تستطيع أن تؤدي دورها إن لم تستند إلى عناصر القوة ووحدة الموقف”.

وقال:”نبقى في لبنان، لنثمن الهدنة التي جرت على الحدود اللبنانية – السورية، التي نأمل أن تتعزز وتزال أسباب الأزمة الأخيرة وأن تعالج تداعياتها، والتي أدت إلى نزوح عدد كبير من اللبنانيين الذي هجروا من قراهم أو الذين تعرضوا لأضرار في الممتلكات والأرواح، حتى لا يستمر هذا الجرح النازف بين لبنان وسوريا ويتم استعادة العلاقة الأخوية بينهما، والتي تضمن الأمن في هذه المنطقة الحدودية وتمنع كل من يريد العبث بهذه العلاقة ومن لا يريد خيراً بالبلدين”.

ختم:”وأخيراً، إنّنا في عيد الأمّ، نتوجَّه إلى كلّ أمّهاتنا اللّاتي يملأنْ حياتنا عطفاً وحبّاً وحناناً ورعايةً وتضحية، بالشّكر والتّقدير والامتنان على ما بذلن ويبذلن، ولن نستطيع أن نبادلهنّ جميلهنّ بجميل، مهما قدّمنا وفعلنا لهنّ. فهنيئاً لكلّ أمّ بما قدَّمت وتقدّم وستقدّم. يكفيها أنّ الجنّة تحت قدميها، وهنيئاً لكلّ من قدّر هذا العطاء، وعمل على مكافأته بكلّ ما يملك، والويل لمن قصَّر في ذلك”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى